ماذا بعد بابي المغاربة والأسباط؟!‏

8a1afac6f539e24e687661c7c68b608d.jpg
حجم الخط

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان 

 

 

ها هي الإختراقات الإسرائيلية للمسجد الأقصى المبارك لا تتوقف ولا تحترم كما تزعم دائما ‏الوضع القائم ( الستاتوس كو ) وضمن خطة حكومية واستراتيجية واضحة ومستمرة لا تكل ولا ‏تمل، في حين كل مرة وفي كل جولة تتخذ خطوة وشكلا جديدا مع أن المضمون واحد والهدف ‏واحد، حيث اضافت هذه الأيام بابا جديدا وهو باب الإسباط لاقتحامات المستوطنين المستعمرين ‏اليمينيين، فلم يعد كافيا لخططهم باب المغاربة الذي استولوا عليه وعلى مفاتيحه من زمن بعيد. ‏ولا على المدرسة التنكزية وأسطحها في باب السلسلة والمطلة على حائط البراق والجزء ‏الغربي من المسجد الأقصى وفنائه، ويعلم الله وحده، أي الأبواب مخطط له لاقتحامات جديدة، ‏في ظل الهجمة الإستيطانية القادمة، برعاية شرطية أمنية حكومية سواء رأسها نتنياهو أو لابيد ‏أو بينيت أو جانتس. ‏


هل يفكر المستعمر الإسرائيلي بباب الرحمة كباب جديد يضاف للأبواب الثلاثة وهو أجملها ‏وأرحبها وأوسعها. فليس عجبا أن يضع المحتل تفاصيل اقنحام هذا الباب على الرغم من وجود ‏مقبرة باب الرحمة. وهل كانت القبور الإسلامية ومقابرها حائلا ومانعا دون تنفيذ خطط ‏الإحتلال الإسرائيلية.

 

 وماذا عن الأبواب الأخرى للحرم القدسي الشريف الباقية التي يقف ‏عليها شرطة إسرائيلية لتسمح أو لتحظر الدخول والخروج. وماذا عن المسجد المرواني ‏وبواباته من الجهة الجنوبية التي أشبعت حفرا وتنقيبا. بل إن وزيرا متطرفا انشق عن نتنياهو ‏من أصل روسي ( زئيف إلكين ) افتتح بالأمس بكل وقاحة، جنوب الأقصى ملكا وقفيا وأضاءه ‏بعد أن كان يشغله مدرسة ابتدائية للبنات قبل عام 1967.‏


‏ وماذا كثيرة وعديدة، وبخاصة بعد أن استفحل التقسيم الزماني، وكأن الاقتحام اليومي للمسجد ‏الأقصى غدا أمرا اعتياديا ميسورا مسلما به لمن هب ودب من مستوطنيهم. وأخذ الوضع يزداد ‏خطورة ويتفاقم، فسياسة القضم الإسرائيلية القديمة الجديدة المتتالية سواء في الأرض والوطن ‏أو في المسجد، ما انفكت تمارس ذات السياسة، وكأننا لا نلتفت إليها ولا نصحو لها. هل بدأنا ‏التعود على ذلك السلوك العدواني واكتفينا بوصفه وبعدده وسلوكه دون أن نقاومه، هل أصابنا ‏الملل، هل هرمنا وهزمنا من الداخل، ونسينا مقاومة البوابات الإلكترونية قبل عامين، ونسينا ‏شهداءنا التي ضحت واستشهدت أو جرحت على بلاط وفي لواوين وساحات المسجد الأقصى ‏على مدى أكثر من خمسة عقود في أكثر من هبة جماهيرية، ونسينا كل التضحيات ‏والإعتكافات، وسلمنا أمرنا لرب العالمين للشكوى والدعوة بزوال هذا الكرب الذي يجثم على ‏صدرنا ونسينا وقل اعملوا . ‏


بعد فترة هدوء نسبية قاربت الثلاث عقود بعد الإحتلال الإسرائيلي عام 1967 ، وبعد فتاوٍ من ‏رجال الدين الإسرائيليين وحاخاماتهم بعدم جواز العبور للمسجد، ندم الإسرائيليون الرسميون ‏وغير الرسميين أشد الندم على ترك المسلمين الفلسطينيين ينعمون لوحدهم طيلة هذه الحقبة ‏الزمنية، بالسيطرة على المسجد الأقصى ودونماته المائة والأربعة والأربعين إدارة وتدبيرا ماء ‏وكهرباء ، ولم يستولوا عليه أو على جزء منه كما فعلوا في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. ‏لذا وجدوا ضالتهم في متطرفيهم أمثال يهودا غليك الأمريكي المتصهين الذي يقتحم المسجد ‏الأقصى ولا تبعده الشرطة الإسرائيلية عن المسجد الأقصى، بحيث غدا المسجد الأقصى مرتعا ‏خصبا لمتطرفي ورعاع الإسرائيليين ممن يودون المزايدة على المسلمين الفلسطينيين ‏والحصول على أصوات انتخابية متأرجحة في حمى الإنتخابات. فغدا مسرحا لزوار من كل ‏الأحزاب الإسرائيلية الطامعين في صوت هنا أو هناك، استجابة لمنظمات دينية يمينية متطرفة ‏زادت عن العشرين تعد في كل مناسبة وتحرض على الجماهير الإسلامية.‏


وزاد الطين بلّة، ذلك الضعف الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي الرسمي المستشري، في ‏مواجهة الآلة التنفيذية والإعلامية الإسرائيلية. وأحيانا رافق هذا التعاطف من قبل جماعات ‏دينية إنجيلية بل عربية إبراهيمية. وللأسف الشديد اقتصر عملنا على العويل والنحيب ‏والوصف والتحليل للخطوات الإسرائيلية دونما أي عمل جاد لمقاومة هذا العدوان لأسباب عدة. ‏وقطعا نسينا داخليا وخارجيا، حائط البراق ووضعه التاريخي والقانوني والشرعي بكونه ملكا ‏عقاريا عينيا إسلاميا خالصا.‏


السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو ما العمل في مواجهة محتل مستعمر ينازع المسلمين في ‏حقوقهم المطلقة وسيادتهم، ويملك القوة العسكرية ولا يملك السيادة الشرعية أو المشروعة. محتل ‏في كل يوم يقوم باعتداء بشكل أو بآخر ضد المسجد الأقصى ومن خلال زبانيته، وكأن سيادة ‏وسيطرة وحيازة إسلامية ورضاء شعبي وجماهيري لأربعة عشر قرنا من الزمان على رقعة ‏المكان الموصوف بالمسجد الأقصى ليست كافية لإقامة شرعية إسلامية خالصة. في المقابل ‏جهل وخرافات وعدم تحديد ومزاعم وأساطير قائمة على خرائط ورسوم وأمنيات ورغبات لم ‏تتحقق يوما يودون تحقيقها وترجمتها إلى حقيقة ملموسة بينما كانت غائبة طيلة الوقت وبعد ‏آلاف السنين. ولعل ما جرى من نقاش موسع أمام لجنة عصبة الأمم الثلاثية عام 1930 من ‏جميع التيارات اليهودية في كل المزاعم اليهودية يؤكد ما ذهبنا إليه، وأكدته لجنة عصبة الأمم ‏ذلك بتوصياتها بأن حائط البراق ملك إسلامي خالص، فما بالك بالمسجد الأقصى ولوواوينه ‏ومصاطبه وساحاته وفناءاته؟!‏


في ظل الخيارات القليلة المتبقية للشعب الفلسطيني ومسلميه المقدسيين في هذا الزمن الرديء، ‏لا أرى خيارا سوى إرادته القوية المستمرة المقاومة المانعة، وتعاطفا من قبل الشعوب المحبة ‏للسلام. يضاف إليها خيار قضائي دولي ضعيف قد يقوى، يتمثل في محكمة العدل الدولية القابعة ‏في لاهاي في هولندا، وهي غير المحكمة الجنائية الدولية القابعة في لاهاي أيضا.‏


فلا باس أن تبادر دولة الأردن، أو دولة فلسطين، إلى الإلتجاء لهذه المحكمة، سواء في شقها ‏القضائي أو الإفتائي في الموضوعات التي تمس المسجد الأقصى. وسبق أن أصدرت هذه ‏المحكمة قرارا هاما إفتائيا أي استشاريا في عام 2004 حول الجدار وعدم شرعيته الذي لم ‏تنفذه السلطات الإسرائيلية ليومنا هذا، ولم تنصع له المحكمة العليا الإسرائيلية. ومن هنا ‏وصفت هذا اللجوء بالضعف الذي يمكن أن يقوى. وقد يقال إن إسرائيل لن توافق على ‏اختصاص المحكمة الذي يحتاج موافقة الجانبين المتنازعين، يجوز. وقد يقال أن الدعوى قد ‏تكون لمصلحة إسرائيل، وهو أمر مستبعد تماما كالجدار. أما اليونسكو فقد استنفدت في هذا ‏المجال سوى التأكيد على المؤكد. ولا باس من الذهاب لمجلس الأمن عبر الباب السابع الخاص ‏بالجزاءات.‏


يجب أن يبادر الفلسطينيون والأردنيون إلى القيام بالعديد من المبادرات منها القانونية وغير ‏القانونية لهزيمة الخطط الإسرائيلية لتقسيم المسجد الإقصى زمانيا ومكانيا، وعدم تركه حرا في ‏اختيار الخطوة المناسبة وبخاصة أن دائرة الأوقاف الإسلامية ما فتئت تبذل جهودا جبارة لصد ‏هذه الخطط، وما لايمكن علاجه يتعين احتماله ولنتذكر باستمرار أن الإتحاد قوة.