ها هي الإختراقات الإسرائيلية للمسجد الأقصى المبارك لا تتوقف ولا تحترم كما تزعم دائما الوضع القائم ( الستاتوس كو ) وضمن خطة حكومية واستراتيجية واضحة ومستمرة لا تكل ولا تمل، في حين كل مرة وفي كل جولة تتخذ خطوة وشكلا جديدا مع أن المضمون واحد والهدف واحد، حيث اضافت هذه الأيام بابا جديدا وهو باب الإسباط لاقتحامات المستوطنين المستعمرين اليمينيين، فلم يعد كافيا لخططهم باب المغاربة الذي استولوا عليه وعلى مفاتيحه من زمن بعيد. ولا على المدرسة التنكزية وأسطحها في باب السلسلة والمطلة على حائط البراق والجزء الغربي من المسجد الأقصى وفنائه، ويعلم الله وحده، أي الأبواب مخطط له لاقتحامات جديدة، في ظل الهجمة الإستيطانية القادمة، برعاية شرطية أمنية حكومية سواء رأسها نتنياهو أو لابيد أو بينيت أو جانتس.
هل يفكر المستعمر الإسرائيلي بباب الرحمة كباب جديد يضاف للأبواب الثلاثة وهو أجملها وأرحبها وأوسعها. فليس عجبا أن يضع المحتل تفاصيل اقنحام هذا الباب على الرغم من وجود مقبرة باب الرحمة. وهل كانت القبور الإسلامية ومقابرها حائلا ومانعا دون تنفيذ خطط الإحتلال الإسرائيلية.
وماذا عن الأبواب الأخرى للحرم القدسي الشريف الباقية التي يقف عليها شرطة إسرائيلية لتسمح أو لتحظر الدخول والخروج. وماذا عن المسجد المرواني وبواباته من الجهة الجنوبية التي أشبعت حفرا وتنقيبا. بل إن وزيرا متطرفا انشق عن نتنياهو من أصل روسي ( زئيف إلكين ) افتتح بالأمس بكل وقاحة، جنوب الأقصى ملكا وقفيا وأضاءه بعد أن كان يشغله مدرسة ابتدائية للبنات قبل عام 1967.
وماذا كثيرة وعديدة، وبخاصة بعد أن استفحل التقسيم الزماني، وكأن الاقتحام اليومي للمسجد الأقصى غدا أمرا اعتياديا ميسورا مسلما به لمن هب ودب من مستوطنيهم. وأخذ الوضع يزداد خطورة ويتفاقم، فسياسة القضم الإسرائيلية القديمة الجديدة المتتالية سواء في الأرض والوطن أو في المسجد، ما انفكت تمارس ذات السياسة، وكأننا لا نلتفت إليها ولا نصحو لها. هل بدأنا التعود على ذلك السلوك العدواني واكتفينا بوصفه وبعدده وسلوكه دون أن نقاومه، هل أصابنا الملل، هل هرمنا وهزمنا من الداخل، ونسينا مقاومة البوابات الإلكترونية قبل عامين، ونسينا شهداءنا التي ضحت واستشهدت أو جرحت على بلاط وفي لواوين وساحات المسجد الأقصى على مدى أكثر من خمسة عقود في أكثر من هبة جماهيرية، ونسينا كل التضحيات والإعتكافات، وسلمنا أمرنا لرب العالمين للشكوى والدعوة بزوال هذا الكرب الذي يجثم على صدرنا ونسينا وقل اعملوا .
بعد فترة هدوء نسبية قاربت الثلاث عقود بعد الإحتلال الإسرائيلي عام 1967 ، وبعد فتاوٍ من رجال الدين الإسرائيليين وحاخاماتهم بعدم جواز العبور للمسجد، ندم الإسرائيليون الرسميون وغير الرسميين أشد الندم على ترك المسلمين الفلسطينيين ينعمون لوحدهم طيلة هذه الحقبة الزمنية، بالسيطرة على المسجد الأقصى ودونماته المائة والأربعة والأربعين إدارة وتدبيرا ماء وكهرباء ، ولم يستولوا عليه أو على جزء منه كما فعلوا في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. لذا وجدوا ضالتهم في متطرفيهم أمثال يهودا غليك الأمريكي المتصهين الذي يقتحم المسجد الأقصى ولا تبعده الشرطة الإسرائيلية عن المسجد الأقصى، بحيث غدا المسجد الأقصى مرتعا خصبا لمتطرفي ورعاع الإسرائيليين ممن يودون المزايدة على المسلمين الفلسطينيين والحصول على أصوات انتخابية متأرجحة في حمى الإنتخابات. فغدا مسرحا لزوار من كل الأحزاب الإسرائيلية الطامعين في صوت هنا أو هناك، استجابة لمنظمات دينية يمينية متطرفة زادت عن العشرين تعد في كل مناسبة وتحرض على الجماهير الإسلامية.
وزاد الطين بلّة، ذلك الضعف الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي الرسمي المستشري، في مواجهة الآلة التنفيذية والإعلامية الإسرائيلية. وأحيانا رافق هذا التعاطف من قبل جماعات دينية إنجيلية بل عربية إبراهيمية. وللأسف الشديد اقتصر عملنا على العويل والنحيب والوصف والتحليل للخطوات الإسرائيلية دونما أي عمل جاد لمقاومة هذا العدوان لأسباب عدة. وقطعا نسينا داخليا وخارجيا، حائط البراق ووضعه التاريخي والقانوني والشرعي بكونه ملكا عقاريا عينيا إسلاميا خالصا.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو ما العمل في مواجهة محتل مستعمر ينازع المسلمين في حقوقهم المطلقة وسيادتهم، ويملك القوة العسكرية ولا يملك السيادة الشرعية أو المشروعة. محتل في كل يوم يقوم باعتداء بشكل أو بآخر ضد المسجد الأقصى ومن خلال زبانيته، وكأن سيادة وسيطرة وحيازة إسلامية ورضاء شعبي وجماهيري لأربعة عشر قرنا من الزمان على رقعة المكان الموصوف بالمسجد الأقصى ليست كافية لإقامة شرعية إسلامية خالصة. في المقابل جهل وخرافات وعدم تحديد ومزاعم وأساطير قائمة على خرائط ورسوم وأمنيات ورغبات لم تتحقق يوما يودون تحقيقها وترجمتها إلى حقيقة ملموسة بينما كانت غائبة طيلة الوقت وبعد آلاف السنين. ولعل ما جرى من نقاش موسع أمام لجنة عصبة الأمم الثلاثية عام 1930 من جميع التيارات اليهودية في كل المزاعم اليهودية يؤكد ما ذهبنا إليه، وأكدته لجنة عصبة الأمم ذلك بتوصياتها بأن حائط البراق ملك إسلامي خالص، فما بالك بالمسجد الأقصى ولوواوينه ومصاطبه وساحاته وفناءاته؟!
في ظل الخيارات القليلة المتبقية للشعب الفلسطيني ومسلميه المقدسيين في هذا الزمن الرديء، لا أرى خيارا سوى إرادته القوية المستمرة المقاومة المانعة، وتعاطفا من قبل الشعوب المحبة للسلام. يضاف إليها خيار قضائي دولي ضعيف قد يقوى، يتمثل في محكمة العدل الدولية القابعة في لاهاي في هولندا، وهي غير المحكمة الجنائية الدولية القابعة في لاهاي أيضا.
فلا باس أن تبادر دولة الأردن، أو دولة فلسطين، إلى الإلتجاء لهذه المحكمة، سواء في شقها القضائي أو الإفتائي في الموضوعات التي تمس المسجد الأقصى. وسبق أن أصدرت هذه المحكمة قرارا هاما إفتائيا أي استشاريا في عام 2004 حول الجدار وعدم شرعيته الذي لم تنفذه السلطات الإسرائيلية ليومنا هذا، ولم تنصع له المحكمة العليا الإسرائيلية. ومن هنا وصفت هذا اللجوء بالضعف الذي يمكن أن يقوى. وقد يقال إن إسرائيل لن توافق على اختصاص المحكمة الذي يحتاج موافقة الجانبين المتنازعين، يجوز. وقد يقال أن الدعوى قد تكون لمصلحة إسرائيل، وهو أمر مستبعد تماما كالجدار. أما اليونسكو فقد استنفدت في هذا المجال سوى التأكيد على المؤكد. ولا باس من الذهاب لمجلس الأمن عبر الباب السابع الخاص بالجزاءات.
يجب أن يبادر الفلسطينيون والأردنيون إلى القيام بالعديد من المبادرات منها القانونية وغير القانونية لهزيمة الخطط الإسرائيلية لتقسيم المسجد الإقصى زمانيا ومكانيا، وعدم تركه حرا في اختيار الخطوة المناسبة وبخاصة أن دائرة الأوقاف الإسلامية ما فتئت تبذل جهودا جبارة لصد هذه الخطط، وما لايمكن علاجه يتعين احتماله ولنتذكر باستمرار أن الإتحاد قوة.