أطـفـال غـزة فـي خـطـر

WSv8G.jpeg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

القلق والاكتئاب والتعرض للصدمات النفسية الحادة ظواهر مقلقة وحاضرة في قطاع غزة عند الفلسطينيين وخصوصاً الأطفال الذين عايشوا فترات الحروب الإسرائيلية على القطاع منذ 2007 عام الانقسام الداخلي الملعون الذي أضعف القضية الفلسطينية إلى أبعد حد.
بالنسبة لبعض الفلسطينيين الذين تعودوا على كل فظائع ومجازر الاحتلال الإسرائيلي، لا يُشكّل البعد النفسي لهم أي مشكلة تتطلب العلاج السلوكي أو حتى الدوائي، إذ ثمة اعتقاد أن التعامل مع الأثر النفسي والاضطرابات المزاجية هو أمر ثانوي غير ضاغط ولا ينبغي الانشغال به.
الاضطرابات النفسية والخوف والهلع كلها عوامل مفزعة منبتها الحياة ومسالكها وضغوطاتها، وأكبر ما يهدد سكان غزة أنهم يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي والدولي وضوائق اقتصادية ومالية، والأهم أنهم دائماً تحت التهديدات والضرب الإسرائيلي، وهذه الآثار تسبب قلقاً وخوفاً كامناً قد ينفجر في أي لحظة.
الأطفال تحديداً بحاجة إلى مجهر كبير يسلط عليهم، خصوصاً أنهم يشكلون نصف المجتمع الفلسطيني، وهذا الجيل يحتاج إلى رعاية جيدة واهتمام كبير يستوجب تضافر الجهود بين مؤسسة الأسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني لتأهيل شريحة الأطفال بطريقة تُحصّنهم نفسياً من أي ظواهر مقلقة.
الكثير من منظمات المجتمع المدني في قطاع غزة نبهت إلى مسألة القلق واضطرابات الهلع والخوف لدى الأطفال من آثار الحروب الإسرائيلية الفظيعة على القطاع، ومنظمة «انقذوا الأطفال» غير الحكومية، اشتكت منذ ثلاثة أشهر تقريباً من أن 80% من أطفال غزة يعانون من ضائقة نفسية.
من تداعيات الخوف والقلق والاكتئاب، التبول اللاإرادي وقلة الكلام واستصعاب إنجاز الفروض المدرسية وغير المدرسية وقلة التركيز، واستمرار هذه الحالة قد يؤدي إلى تفاقمها إلى حد وصول الطفل لمرحلة نوبات وإضرابات الهلع التي تقترب في أعراضها من أعراض النوبة القلبية.
نوبة الهلع التي تحدث لدى الكثير من الأطفال في غزة لا تُشكل تهديداً مباشراً للحياة، لأن الأعراض نفسية غير مرتبطة بمشكلات القلب أو الجهاز التنفسي، لكن خطورة الموضوع في استدامة هذه المشكلة وعدم التدخل السريع لحلها، وقد يتحول المريض النفسي إلى مُعتل بأمراض مزمنة ومنها ما هو خطير وغير خطير.
إسرائيل ليست بحاجة لاستئذان المجتمع الدولي حتى تشن حرباً على غزة، فالأخيرة دائماً في موقع الاتهام ومسرح لتصفية الحسابات الإسرائيلية الداخلية، وكثرة الحروب مع ضائقة الحصار والانقسام الفلسطيني تفقد الأطفال والشباب الأمل في الحياة وتخلط عليهم المشاعر إلى حد السفر من غزة.
حينما تستهدف الأطفال بشكل مباشر بالقتل العمد والتخويف وبث الرعب في قلوبهم، فهذا يأتي في سياق مخطط إسرائيلي لضرب أهم استثمار فلسطيني في الجيل الجديد، وثمة دلائل كثيرة وشواهد على سفر آلاف العائلات من قطاع غزة.
لا يريد الاحتلال تجويع أهل غزة وكسر عزيمتهم وجعلهم يثورون على بعضهم البعض فحسب، وإنما يتعلق الأمر ببعد استراتيجي مرتبط بالتأثير السلبي على شريحة الأطفال والشباب، والتشويش على روحهم الوطنية وارتباطهم بقضيتهم المركزية.
مثل هذه الحروب الكارثية تراكم على المشاعر المتضاربة لدى الأطفال، وتؤثر على سلوكهم اليومي وعلى تحصيلهم العلمي، وكل الظواهر النفسية ستأخذ طريقاً إلى التشخيص بأمراض متنوعة ومزمنة إذا لم يتم التدخل المبكر لحماية الأطفال من هذه الأعراض.
من أهم الطرق العلاجية لتحصين الأطفال هو التركيز على النظام الغذائي، ذلك أن اختيار الوجبات الصحية وتقليل السكريات والحلوى يضخ الفيتامينات المطلوبة في الجسم ويُحسّن من الحالة المزاجية. الرياضة مهمة ودواء فعّال لأي ضغط نفسي والحرص عليها يومياً يقي من أعراض القلق والاكتئاب.
وأخيراً وليس بآخر، توفير بيئة آمنة ومريحة لدى الأطفال تمكنهم فيها من التواصل مع أقرانهم، وكذلك التواصل مع أسرهم والتحدث معهم حول كل ما يقلقهم ويفقدهم تركيزهم، ويلزم الأمر عند الحالات الحرجة تدخل الطبيب النفسي لمنع تحول حالة القلق والاكتئاب إلى اضطرابات الهلع.
أهم سلاح لدى الفلسطينيين هو الاستثمار في رأس المال البشري وتنميته بالعلم وحب الوطن والانحياز لعدالة القضية الفلسطينية، ومن المهم أخذ موضوع قلق الأطفال وخوفهم على محمل الجد، والأهم توفير البيئات الحاضنة التي يمكن أن تساعدهم على تجاوز وعبور كل الظروف الصعبة.
الحروب الإسرائيلية شر لا بّد منه، وتكمن أهمية تخفيف أثرها على المجتمع الفلسطيني وتحديداً شريحتي الأطفال والشباب بإنشاء مؤسسات متخصصة على شاكلة برنامج غزة للصحة النفسية، يمكنها التعامل مع كل مشكلة نفسية وتشخيصها بدقة.
ويستتبع ذلك وجود خطط لتأهيل الأطفال نفسياً وقد تكون خطط طويلة المدى وبحاجة إلى كثير من الوقت لإعادتهم إلى المسار الطبيعي حيث التخلص من الصدمات النفسية والقلق ونوبات الهلع، وفي النهاية، ليس هناك من بديل عن مؤسستي الأسرة والمدرسة في مسألة مراقبة سلوكيات الأطفال وتوجيههم وتوفير سبل الدعم والإسناد لهم.