أشـرعـة "حـمـاس" الـجـديـدة ...!

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

لم يكن وقوف حركة حماس على الحياد أثناء هجوم إسرائيل الأخير على قطاع غزة مجرد حالة عابرة، فقد كانت تصريحات رئيس المكتب السياسي للحركة وانهماكه «بإجراء الاتصالات لوقف العدوان» وهو الدور الذي كانت تقوم السلطة كلما شنت إسرائيل عدوانها ما يشي بتغير ما في إطار سياقات أبعد.
فقد جاء العدوان وسط مناخات من الانفراج والتسهيلات التي بدأت بعد أيار الماضي وعدم مبادرة «حماس» لأي رد فعل بعد مسيرة الأعلام في القدس وهو ما كان سببا لانفجار الوضع، العام الماضي، وصل هذا الانفجار إلى عتبة البيت الأبيض واقترب من تفجير الحزب الديمقراطي كما قال توماس فريدمان في صحيفة الـ»نيويورك تايمز».
فهل بدأت الولايات المتحدة مقاربة جديدة مع الحركة؟ ربما كان هذا سؤالا مبكرا على أوضاع في غاية التشابك والالتباس، ولكن استقبال الرجل القوي في حركة حماس والسياسي المحنك خالد مشعل في الأردن لا يمكن فصلها عن رياح جديدة بدأت تهب على الحركة وخصوصا أن هناك حديثا خافتا عن عودة لاستقرار دائم حيث تم تأثيث مكتبه في عمان التي غادرها أواخر تسعينيات القرن الماضي، ولا يمكن الشك بأن هذه العلاقة الجديدة تصطدم مع الولايات المتحدة وإسرائيل فهذا آخر ما تحتاجه الأردن في ظل أزمة اقتصادية زادت وطأتها بعد «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية.
يصبح سؤال الضرورة بعد الندوة التي عقدها مركز دراسات الشرق الأوسط في عمان للبحث عن العلاقة بين الدولة والحركة وهو مركز ليس ببعيد عن الدولة الأردنية ما يشي بجدية سياسية ينبغي قراءتها في ظروف ومستجدات بدت فيها حركة حماس أكثر واقعية في ممارسة السياسة والسلاح وفي علاقاتها الإقليمية ومستجدات الانفراجات والتسهيلات الإسرائيلية وخصوصا السماح بإدخال العمال من قطاع غزة، وهو ما كان لافتا أن يستخلص الأكاديميون والسياسيون في تلك الندوة «بأن العلاقة مع حركة حماس تخدم المصالح الاستراتيجية العليا للأردن» فالعلاقة بين الجانبين متوقفة منذ أكثر من عقدين فكيف اكتشفها قادة الفكر والسياسة متأخرين كل هذا الزمن؟
ولأن المسألة في إطار التساؤلات، هل التقطت الأردن دورا ما قادما لحركة حماس؟ وبالتالي بادرت لمد خيوط تقطعت منذ زمن وخصوصا بعد مستجدات فلسطينية وإسرائيلية وإقليمية ودولية، لكن العامل الفلسطيني هو العامل الأبرز الذي تبدو فيه الحركة الوطنية في حالة أفول سواء لظروف لها أبعاد موضوعية أو لعوامل التآكل الداخلي وسوء الإدارة والصراعات التي بدأت تستعر بين مراكز القوى وحالة انفلات بدأت تشهدها مدن الضفة الغربية، وهو ما يستدعي من يرث الحكاية فهل باتت «حماس» بواقعية جديدة تتأهل لذلك؟
حركة حماس على مدار تاريخها كانت مكلفة عسكريا لإسرائيل لكنها ليست مكلفة سياسيا فلا حديث عن مفاوضات ولا حل دولتين حتى أن ثمن التجربة المالي في غزة لم يشكل عبئا على تل أبيب التي دفعته من جيب قطر، ولا يمكن لاستدارة إن حدثت لحركة حماس بدأت مؤشراتها منذ أيار ومسيرة الأعلام أن تصل بها إلى المطالبة بمفاوضات على حل الدولتين ليس فقط لأسباب شرعية يمكن إيجاد حلول لها بل لأن تجربة الفشل مع منظمة التحرير لا تشجع أحدا على تكرارها.
لا يمكن تجاهل مؤشرات كثيرة يمكن التقاطها وتجميعها في ظل تسارع الحركة في الإقليم الذي بات دائم التحفز ودول تتنافس على أدوار، ربما أن الملف الفلسطيني واحد من الملفات التي باتت ومنذ سنوات تؤمن أدوارا كثيرة للعديد من الدول في الإقليم ليس لجهة التفاوض وتأمين حل الدولتين بل لجهة تأمين تهدئات نتاج التفجر المتكرر، وهو ما يحسب لحركة حماس ويعود لها الفضل في ذلك، لكن كل هذا وعلى أهميته لم يساهم في تقدم المشروع السياسي للفلسطينيين.
هشاشة الوضع الفلسطيني ومنذ سنوات أحدثت خللا ليس فقط في العلاقات الداخلية والخارجية منذ باتت الدول ترى في الفلسطينيين مجموعة متقاتلين على السلطة بل على توازن المشروع الفلسطيني ومكانة القضية الفلسطينية كقضية سياسية وإزاحتها عن جدول الأعمال الدولي وتراجعها لقضية إنسانية فلسطينية إسرائيلية تؤمن لها إسرائيل في ظل الضغط على الفلسطينيين ما يجعل الرأس فوق الماء كما كشف ليبرمان في الضفة وغزة دون أي استحقاقات سياسية أو بجانب آخر ملف أمني يتطلب تدخلا مؤقتا لجهات إقليمية ينتهي هذا التدخل لحظة وقف إطلاق النار كما حدث في الحرب الأخيرة وقبلها كل الحروب.
علاقة الأردن بحركة حماس ولو كان الوضع الفلسطيني سويا كان يجب أن تكون من خلال منظمة التحرير كمؤسسة كان ينبغي أن تضم الحركة، ولكن هذا الصراع الفلسطيني  الداخلي واستمرار إغلاق المنظمة أمام القوى سيستكمل الإطاحة بكل شيء وأولها مؤسسة السلطة التي تقف متفرجة منشغلة بصراعات داخلية في ظل تآكلها في الضفة والذي بات حديث الدوائر الأمنية الإسرائيلية ودول أخرى باتت ترى في الوضع الفلسطيني المتحلل فرصة للنفاذ عبر قوى وأحزاب متعددة لكن الرواية هنا تشهد ما هو لافت في ظل المؤشرات المتتابعة.
النشاط الذي بات يميز حركة حماس وهذا الاهتمام الإقليمي الواضح بالتأكيد لا يتعلق بالنزاعات المتكررة وخصوصا بعد تجربتي حركة حماس في مسيرة الأعلام والعدوان الأخير، ما يشي بأن الحركة كفت عن الاندفاع المسلح كما السابق وخصوصا بعد التحول في الموقف الإسرائيلي والتسهيلات والعمال والتحول في موقف «حماس» الاندفاعي وهو ما تم تأمينه بوساطة مسبقة، هذا النشاط يأتي بعد بعض الانزياح في موازين القوى في الحركة لصالح مشعل على حساب غزة بل يزيد قوة الخارج بعد حياد غزة مرتين هذا العام في مسيرة الأعلام في القدس في أيار الماضي وعدوان آب على غزة وهما المنطقتان الأكثر حضورا في خطاب الحركة لسنوات بأن الاعتداء على أي منهما سيفتح معركة وقد تجسد ذلك خلال السنوات الماضية لكن هذا الصيف كان مختلفا.
هناك مساع إقليمية لإضعاف غزة تحت عنوان إضعاف التيار الإيراني في حركة حماس، ولكن هذا لا ينفصل عن أخذ «حماس» نحو مساحات أبعد إلى أين ستصل تلك المساحات؟ علينا مراقبة المشهد وخاصة أن بعض دول الإقليم باتت ترى أن السلطة استنفدت وقودها وتسارع بأدائها إلى إنهاء صلاحيتها مبكرا ...علينا انتظار ومراقبة المشهد دون أن نغفل أيضا حرب الغاز العالمية التي باتت تتطلب وجهة جديدة لحركة حماس لا يمكن لقيادة غزة الالتحاق بها ..!