يجب أن تردّ إسرائيل على تحدّي نصر الله

عاموس يادلين.jpeg
حجم الخط

بقلم: عاموس يادلين وأودي أفينطال*

 

 




تتغذى الحرب أيضاً من ردود إسرائيل التي تبدو مرتدعة ومكبوحة: مرّ الأول من أيلول، وبعد نهاية المفاوضات ونزاع العمل ما بين المعلمين ووزارة المال، يتربص بنا الآن النزاع على الغاز والحدود البحرية ما بين إسرائيل ولبنان، والمفاوضات لتسويته. أيلول هو تاريخ بدء الحفريات في حقل "كاريش"، وفي سياقه حدّد الأمين العام لـ "حزب الله"، حسن نصر الله، الموعد: إما انتهاء المفاوضات، بحسب شروطه، وإما ضرب البنى الإسرائيلية للطاقة. هل من الواضح لنصر الله أن جدول المواعيد قد تغير؟ وأن إسرائيل منشغلة بالانتخابات والاتفاق النووي الذي يتم العمل عليه مع إيران، وأن عليه أن ينتظر، بصبر، على الشجرة التي صعد إليها؟ أو سيزيد في حدة تهديداته، أو يقرّر تنفيذها ويخاطر بتصعيد غير مسيطَر عليه؟
منذ ثلاثة أشهر، يهدد نصر الله إسرائيل قبيل بدء استخراج الغاز المتوقع من حقل "كاريش". ويحذر بأنه جاهز للمخاطرة بحرب، في حال بدأت إسرائيل باستخراج الغاز قبل أن ينال لبنان حقوقه ويحصل على مطالبه الكاملة في المفاوضات على الحدود البحرية. يهدد نصر الله بأنه في حالة كهذه لن يكتفي بضرب "كاريش"، بل سيمنع استخراج الغاز "من كل الحقول في فلسطين"، بحسب قوله.
إن اللهجة التي يتحدث فيها نصر الله غير مسبوقة، من حيث وتيرة التصريحات وحدّتها، على الأقل منذ حرب لبنان الثانية، ويبدو أنها تتطرف أكثر. وبعد أسابيع قليلة من بدء هذه اللهجة، فإنه دعمها بالأعمال: ففي حدثين منفصلين أطلق "حزب الله" أربع مسيّرات غير مسلحة في اتجاه المياه الاقتصادية الإسرائيلية، تحمّل المسؤولية علناً، وهدد بعمليات إضافية.
الطريقة التي يتبناها نصر الله، والثقة بالنفس التي يبثها، جزء من اتجاه يتعزز في الأعوام الأخيرة، وفي إطاره يضع نصر الله إسرائيل أمام معادلات جديدة، وفي أغلب الأحيان لديه الجهوزية لاستعمال القوة بهدف تثبيتها:
-لا لطائرات من دون طيار في سماء لبنان.
-لا لضرب سلاح الجو في الأراضي اللبنانية كردٍّ على قذائف فلسطينية إلى إسرائيل.
-لا لقتل رجاله في الضربات الإسرائيلية في سورية.
- لا لاستخراج الغاز من المياه الاقتصادية السيادية لإسرائيل.
ميدانياً، لا يتردد "حزب الله" في تعزيز وجوده العسكري العلني في الجنوب اللبناني، وخرق قرار مجلس الأمن 1701، وخلق احتكاك دائم بإسرائيل على طول "الخط الأزرق". بالإضافة إلى أنه أقام على الحدود أكثر من 20 نقطة مراقبة وجمع معلومات بصورة "جمعية بيئية"، وفي الأغلب، يديرها ناشطو وحدة النخبة "الرضوان". كما أن "حزب الله" يقوم بتدريبات على إطلاق النار في الجنوب اللبناني خلال النهار وفي ضوء الشمس، ويبادر إلى تظاهرات واستفزازات للجنود على الجدار، ويحاول إلحاق الضرر بهم، ويعزز اعتداءاته على جولات قوات الطوارئ الدولية [اليونيفيل]، التي من المفترض أن تحفظ الحدود وترسل التقارير عن استفزازات الحزب.
في ظل ثقة نصر الله بقدراته على المضي حتى النهاية والمخاطرة بتصعيد فإن إسرائيل:
أولاً، امتنعت عن الرد على إطلاق حزب الله مسيّرات، واكتفت بإسقاطها.
ثانياً، هي تستمر في المفاوضات على الحدود البحرية، في ظل تهديدات الحزب باستعمال القوة ضدها، في حال لم تعجبه مواقفها خلال المفاوضات. وبذلك، تبدو متلهفة لإنهاء المفاوضات، بهدف إلغاء احتمال الحرب، إذ تبدو في الخلفية تسريبات ورسائل تفيد بأنها جاهزة لتقديم تنازلات كريمة في المفاوضات.
ثالثاً، في الوقت الذي يتحدث نصر الله عن احتمال الحرب، يتحدث مسؤولون إسرائيليون عن "أيام معركة"، بدلاً من تحذيره من أن السير على الحافة من الممكن أن ينتهي بالسقوط إلى الهاوية، وبحرب واسعة لم يرَ لها مثيلاً، كما حدث في سنة 2006.
رابعاً، إسرائيل لا توضح بالشكل اللازم استراتيجياً، فيما يخص موقفها وخطواتها، لوضع المفاوضات وبدء استخراج الغاز.
من الممكن أن ينتهي هذا الوضع ما بين "حزب الله" وإسرائيل باشتباك قوي جداً، حتى ولو كان الطرفان لا يريدانه، إذ يقدّر كل طرف أن الطرف الآخر غير معنيّ بحرب، وهو ما يُنتج وضعاً تكون الحسابات فيه مغلوطة، فيقوم أحدهما بخطوة أكبر من قدرة المنافس على الاحتواء. وفي الظرف الحالي، يميز هذا الوضع "حزب الله" بالأساس، الذي يقدّر بشكل مغلوط تصميم إسرائيل والجيش على حماية الطاقة القومية - الاستراتيجية في مناطقها السيادية. انجرّ نصر الله وراء تصريحاته، وسيكون من الصعب عليه فهم تصميم حكومات إسرائيل أمام التهديدات الأمنية، كما أن هامش المناورة قليل لدى الحكومات الانتقالية في مقابل التحديات والاستفزازات قبيل الانتخابات.
ولتقليل خطر تصرُّف خاطئ من طرف "حزب الله"، على إسرائيل أن توضح للحزب والجماهير في إسرائيل ولبنان أنها:
-لن ترتدع عن الضخ من "كاريش" في الموعد المحدد، ومن دون علاقة بالمفاوضات. من المهم التوضيح أن الضخ يحدث في المنطقة الإسرائيلية، بحسب المواقف اللبنانية في المفاوضات. يجب إقرار الموعد المحدّث للبدء، والوقوف عليه.
-لن تخوض مفاوضات تحت التهديد، ومن المؤكد أنها لن تخوضها "تحت النار". وسيؤدي ضرب "حزب الله" لمواقع إسرائيلية إلى وقف المحادثات.
- الردّ على أي عدوان من طرف حزب الله سيكون قاسياً وغير متوقّع، كما أن مضيّه حتى النهاية سيكون رهاناً غير مسؤول على مصير لبنان والطائفة الشيعية.
تبادُل إطلاق النار، من الممكن أن يتحول بسهولة إلى حرب شاملة، ولا يجب الاكتفاء بـ"أيام معركة".
- ما دام "حزب الله" مستمراً في تهديداته ويطبّقها، على سكان البلدات والقرى في الجنوب اللبناني الحذر والابتعاد عن البنى العسكرية التابعة له، والتي أُنشئت في مناطق مدنية.
من المتوقع ألا تنتهي المفاوضات على الحدود البحرية قبل الانتخابات الإسرائيلية العامة [يوم 1 تشرين الثاني 2022]. فعلى الرغم من الرسائل المتفائلة للمبعوث الأميركي (الذي خرج في آب إلى إجازة خاصة)، فإن احتمالات استكمال المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، والتي تُدار منذ عامين، لا تزال منخفضة. وهذا بسبب الخلاف السياسي، ومن الممكن أيضاً بسبب الخلاف القانوني بشأن صلاحية حكومة انتقالية لتوقيع اتفاق حدود، من دون مصادقة الكنيست بأغلبية نسبية.
على المستوى العملاني، إن احتواءً إسرائيلياً إضافياً فقط، سيغذّي ثقة نصر الله بنفسه ويضع إسرائيل أمام تحدٍّ متزايد. في هذه الظروف، من المهم التحضير لعمليات تزعزع ثقة نصر الله بقدرته على توقُّع القرارات الإسرائيلية والخطوات.
في نهاية الأمر، الوضوح الاستراتيجي من جهة، وزعزعة شعور القوة لدى نصر الله من جهة ثانية، من الممكن أن يدفعاه إلى التنازل عن المسار التصعيدي الذي انتهجه. هذا المسار يمكن أن يؤدي إلى حرب وخراب غير مسبوقين في لبنان، الموجود أصلاً على حافة الهاوية، سياسياً واقتصادياً.

عن موقع "N12"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عاموس يادلين لواء احتياط والرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية (آمان) وأودي أفينطال خبير في شؤون الاستراتيجيا والسياسات.