إسرائيل تقتل وتنتقم ولكنها لا تحقق الردع

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

 

لا يكاد يمر يوم دون أن يفقد الفلسطينيون شهيداً في عمليات اجتياح إسرائيلية شبه يومية للمناطق الفلسطينية المحتلة دون تفريق بين مناطق (أ) أو (ب) أو (ج)، وهذا عدا الإصابات والاعتقالات اليومية، مع تركيز خاص على محافظة جنين.
وإسرائيل تتهم السلطة الفلسطينية بالتقصير في عدم قيامها بمنع الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين. فرئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، آفي كوخافي، يعزو ارتفاع وتيرة العمليات الفلسطينية إلى «ضعف قبضة أجهزة الأمن الفلسطينية، وهو ما يقود إلى ضعف الحكومة في «يهودا والسامرة»(الضفة الغربية)، ما يشكل أرضاً خصبة لنمو «الإرهاب»، على حد تعبيره، أول من أمس.
في الواقع، عمليات الاجتياح والاعتقال والقتل بدم بارد تحت مسمى «التحييد»، وهدم البيوت والاستيطان المكثف، واعتداءات المستوطنين المتكررة على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم وأرضهم، لم تحقق لإسرائيل أيّ مستوى من الأمن، كما لم تحقق الردع الذي طالما ادعت سلطات الاحتلال أنها ستحققه بنشاطات الجيش واجتياحاته واعتداءاته. بل العكس هو الصحيح، فكل عملية قتل لفلسطيني واعتداء على المواطنين وانتهاك لحقوقهم تزيد من حدة التوتر، وتشكل دافعاً للفلسطينيين لمواجهة الاحتلال. وما يحدث في الضفة الغربية المحتلة هو فعل وردّ فعل متدحرج ربما يقود إلى انفجار شامل؛ إذا بقيت السلطات الإسرائيلية تدفن رأسها في الرمال، وتعوّل على السلطة الفلسطينية في تحقيق الأمن للاحتلال.
التقديرات الإسرائيلية الغبية تبني على دور السلطة الوطنية، في حين أن الفعل الميداني يشلّ يد السلطة ويضعفها إلى أبعد الحدود. ولا يفهم القادة الإسرائيليون أن الادعاءات المتكررة بسعي إسرائيل لتقوية السلطة تتناقض مع ما تقوم به سلطات الاحتلال بشكل يومي وعلى مدار الساعة. فأيّ دور للسلطة يمكن أن يكون عندما تجتاح إسرائيل مناطق (أ) التي هي من المفروض أن تكون تحت السيطرة المدنية والأمنية للسلطة، ولا يجوز لإسرائيل اقتحامها وتنفيذ عمليات قتل واعتقال وهدم بيوت فيها. والحقيقة أن جرائم الاحتلال تقوّض قدرة السلطة على حفظ الأمن وعلى القيام بدورها بأيّ حال. فالأمن كل لا يتجزأ: أمن الفلسطينيين أولاً، ثم الأمن العام ثانياً.
وعندما لا يوجد أيّ فرق بين حكومة إسرائيلية وأخرى، ويكون الاحتلال بصورته البشعة هو سيد الموقف، وعندما يتلاشى الأمل في إمكانية تحقيق السلام على أساس مبدأ حل الدولتين بما يضمن إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحلّ كافة قضايا الصراع، لا أحد يمكنه أن يتوقع أن يسلّم الفلسطينيون بهذا الواقع، وأن تكون لدى السلطة الفلسطينية القوة المادية والمعنوية لفرض الأمن بما لا يمسّ مصالح الإسرائيليين. فهذا يعني بصورة غير مباشرة توفير الأجواء المناسبة لاستمرار الاحتلال والاستيطان على حساب الحقوق الفلسطينية.
صحيح، ربما تكون هناك عوامل أخرى تسهم في ضعف السلطة لدى الرأي العام الفلسطيني، مثل: تدهور الوضع الاقتصادي، وتراكم الديون على السلطة في ظل انحسار الدعم العربي والدولي لها بصورة كبيرة، والفساد وسوء الأداء في بعض الجوانب، وغياب العملية الديمقراطية، والفراغ السياسي في ظل حلّ المجلس التشريعي، وعدم وجود هيئات رقابية وتشريعية نظامية، ولكن ما تقوم به سلطات الاحتلال هو أكبر عامل في إضعاف السلطة وتقويض قدراتها.
لم تكن في تاريخ الصراع فترة أسوأ من التي نمر بها الآن، فجرائم القتل المتعمد اليومية ازدادت بشكل كبير، لدرجة الشعور أنه بات وكأنه مطلوب من جنود الاحتلال قتل أكبر عدد من الفلسطينيين في كل مناسبة لمواجهات حتى لو كانت سلمية ولا تشكل خطراً على الإسرائيليين. وهذه الخفة في إزهاق الأرواح لم تكن معهودة حتى في ظل المواجهات الساخنة في السابق. ويبدو أنه يغلب على هذه السياسة طابع الانتقام أكثر من التفكير في تحقيق هدوء أو أمن. والأسوأ هو غياب الأمل في التسوية السياسية.
الأمن لا يتحقق بالمزيد من العنف والقتل والاعتداءات ومصادرة الحقوق، فكلها أعمال لا توفر ردعاً ولا أمناً ولا استقراراً على الإطلاق. وإذا كانت إسرائيل معنية فعلاً بالأمن، فهذا يمكن الحصول عليه عندما يوجد أفق سياسي مقنع للشعب الفلسطيني، وعندما تنهي إسرائيل احتلالها أو على الأقل تبدأ بإجراءات ملموسة على هذا الطريق. وهذا عملياً غير موجود على الأجندات الإسرائيلية. وجلّ ما يفكر به القادة الإسرائيليون هو إدارة الصراع في ظروف مريحة، وهذا فعلياً غير ممكن، ولو تحققت في ظرف ما وفترة معينة فهي مرتبطة إما بوجود عملية سياسية أو بانتظار جديد في الأفق. والآن وصل الفلسطينيون إلى قناعة بأن هذه الأمور من خلفنا.
لا يعنى هذا أن المقاومة العنيفة هي أفضل الخيارات لدى الفلسطينيين، ولكن إجراءات الاحتلال توفر أرضية خصبة لتشجيع هذا الخيار، ودون قدرة من السلطة الفلسطينية على منع ذلك أو وقفه. وحتى لو توقفت المقاومة المسلحة إلى حين، لا توجد أيّ ضمانة لعدم اندلاع المواجهات مرة أخرى في ظروف أكثر تعقيداً وشدة.