الحب… ممنوع!

حجم الخط

بقلم د. صبري صيدم

إدارة عامة جديدة «للنهفات» لا بد من أن وزارة دفاع الاحتلال الصهيوني استحدثتها، لا محالة، ليس فقط لما نراه من تقليعات ميدانية تفرض على الشارع الفلسطيني فحسب، بل أيضاً لطبيعة ما بات يتمخض عن هذه التقليعات من خطوات إجرائية وعسكرية يمارسها الجيش المحتل بما لا يخطر على بال أحد.
فقد شرع الاحتلال قبل أيام في تطبيق ما عرف ضمناً «بقانون الأجانب» الجديد، الذي يشتمل في ما يشتمل على ضرورة إفصاح الأجانب المقيمين في فلسطين عن مشاعرهم لجيش الاحتلال، في حال وقعوا في حب أي فلسطيني كان، تمهيداً لإجراءات تخص هذا الحب والحبيبين، بما فيها إمكانية إعدام التأشيرة الخاصة بالحبيب الأجنبي، خوفاً من تطور تلك العلاقة لتصل إلى زواج قد يخدش شروط «القانون» الجديدة، التي يتطلب أحدها دخول الأجنبي في مرحلة «تبريد» تستوجب خروجه من فلسطين لفترة ما!

الخوف من الحب، والرعب من العلم واقتلاعه بقرارات عسكرية، والرهبة من الكفن ومقاومته بتصرفات هيستيرية، يعكس أزمة الاحتلال مع مفهوم الهوية الفلسطينية

القانون المثير للجدل وأمام احتجاج الكثيرين، بمن فيهم بعض الدول ومؤسسات حقوق الإنسان جرى تجميده لشهر، ربما ليستطيع الاحتلال تغليفه وترويجه بصورة أكثر قبولاً لمعارضيه! وقبل أيام أصدر الجيش الإسرائيلي قراراً باعتقال حمار في منطقة مسافر يطا! حمار نعم حمار، بتهمة تهريب عمال فلسطينيين عبر الخط الأخضر للعمل في الداخل، الحمار المعتقل ليس الأول من نوعه فقد شهدت فلسطين قرارات متكررة من هذا النوع، على أمل أن يأتي من «يكفل» الحمير «المعتقلة» بما يحقق التزامها بالأوامر العسكرية ويتعهد بانضباطها!
ولعل الساكنين في المضارب البدوية المهددة بالإزالة، وهم الأعلم بمعاناتهم، يعرفون جيداً كم المرات التي اعتقل الاحتلال فيها أفراناً اتهمت بأنها تلوث هواء المستوطنين، إضافة إلى رؤوس الماشية والبيوت البلاستيكية والمعدات الزراعية ووحدات الري والمساكن المؤقتة وخزانات مياه الشرب ووحدات الطاقة الشمسية، أضف إلى ذلك مجموعة أخرى من مواد وحاجيات وحيوانات، يرى المحتل أنها تساهم في تقويض سيطرته أو المس بسيادته المزعومة. تقليعات الاحتلال لم تقف عند هذا الحد، بل شملت منع رفع العلم الفلسطيني في القدس والمناطق والقرى الفلسطينية المختلفة، خاصة تلك التي تربط بين المدن! باعتبارها تتحدى السيادة الإسرائيلية، كما يدعي الجيش ومن ورائه مجموعة كبيرة من مستوطنيه وجنرالاته الطامحين، ووزراء الاحتلال المغامرين، الذي يبحثون عن مجد لهم على حساب الفلسطيني، والذين لا يفوتون صغائر الأمور وكبائرها إلا وتلقفوها بحثاً عن توسيع قواعدهم الانتخابية. أما الجثامين الملفوفة بالعلم الفلسطيني في القدس مثلاً فلها «تقليعتها» الخاصة أيضاً، بما فيها الاعتداء على حامليها ومحاولة مصادرة العلم وتضييق الخناق على المشاركين في الجنازة، وخفض عددهم، ومنع كل المظاهر التي ترى فيها إسرائيل تهديداً لسيادتها. ولعل ما رأيناه ورآه العالم بالبث الحي في جنازة شهيدة الكلمة شيرين أبو عاقلة، إنما يشكل دليلاً قاطعاً على هذا النوع المحموم من العنصرية، التي امتدت لتشمل مئات الحالات الشبيهة التي لم يسعفها القدر، بأن وجدت كاميرات العالم إلى جانبها لتوثق الاعتداءات على تنوعها. إن الخوف من الحب ومحاولة مواجهته بقوانين مجنونة، والرعب من العلم واقتلاعه بقرارات عسكرية، والرهبة من الكفن ومقاومته بتصرفات هيستيرية، إنما يعكس أزمة الاحتلال مع مفهوم الهوية الفلسطينية، وتفاقم العنصرية في التعامل مع كل ما هو مرتبط بشعبنا المحتل، واحتدام المعركة الانتخابية بين أركان اليمين الصهيوني المتطرف، أمور تشكل مجتمعة زيادة في هرمون الإصرار والرفض والمقاومة الفلسطينية، بما يصاعد عزمها المشتعل باتجاه مواجهة آلة الغطرسة الإسرائيلية.
لقد علمنا التاريخ أن حكم الشعوب بالإكراه إنما هو وصفة سحرية للفشل، وأن اللجوء إلى هيستيريا التصرفات، إنما يعبر عن حالة ارتجاف مستفحلة مآلها اندحار المحتل وتقهقره، فما بالكم أن يحظر الحب بين البشر؟ وأن تخضع العواطف لإذن الاحتلال؟ هذه الخطوات لن تكون إلا بمثابة الوصفة السحرية لتغذية الكراهية وانهيار الاحتلال لا محالة! فهل يكون حظر الحب، عنوان الخلاص؟
كاتب فلسطيني