سبعة عشر عاماً مضت على ذكرى أول تحرير لأرض فلسطينية من دنس الاحتلال الصهيوني، فعلى وقع ضربات المقاومة، واقتحام المستوطنات، وتفجير المواقع، وقتل العديد من قطعان المستوطنين من مسافة صفر، أعلن الاحتلال الإسرائيلي في 15 أغسطس 2005 بأوامر من رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها أريئيل شارون اندحاره من قطاع غزة.
ظلت بعدها المقاومة، وخلال سبعة عشر عاماً، تراكم قوتها العسكرية، وتفرض معادلاتٍ وواقعاً جديداً على الاحتلال؛ تمتد ضرباتها في أرجاء الكيان، وتهدد أمنه، وتربك حساباته. بعد أن ظنوا، أن هروبهم من غزة، سينقذهم من يد المقاومة التي استطاعت أن توحد خلفها شعبنا الفلسطيني في كل مكان وتجدد التحامها مع المسجد الأقصى، فانتصرت له في معركة سيف القدس. وتجدد التحامها مع الأسرى، فانتصرت لهم في محطات مختلفة لتؤكد ثباتها وديمومتها، وتقدمها في مواجهة المحتل، نحو التحرير الكامل، للأسرى، ولأرضنا المحتلة.
لقد أصبح صوت المقاومة (خلال سبعة عشر عاما) وخطاب رموزها وقادتها يشكل قوة ضغط على صانع القرار الصهيوني. وأصبح قائد أركانها محمد الضيف رمزا فلسطينياً وأيقونة وطنية تهتف جماهير القدس له وتنادي باسمه ولأول مرة في تاريخ الصراع، تقوم الأجهزة الأمنية والاستخبارية وأجهزة تقدير الموقف بقراءة خطاب قادة المقاومة وتحليله، وهو ما حدث في إحدي جلسات حكومة بيينت حينما عقب رئيس الحكومة على خطاب رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار ومدى تأثيره على دوائر صنع القرار الإسرائيلي.
سبعة عشر عاماً، ولا يزال مشهد الاندحار حاضراً في ذهن أبناء شعبنا، وخروج آخر المحتلين الغزاة "كوخافي" قائد المنطقة العسكرية، وهو ينكّس العلم، ويغلق البوابة، ويغادر حاملاً أذيال الهزيمة.
وها هو "كوخافي" أيضاً، بعد 17 عشر عاماً، ينكسر من جديد أمام المقاومة، ويفشل في عملية كسر الأمواج، ويرحل من رئاسة الأركان، تاركاً فشلاً عسكرياً وإرباكاً أمنياً.
وفي الوقت الذي يحيي فيه شعبنا ذكرى الاندحار الصهيوني وتحرير قطاع غزة، فإنه يتذكر -وبالتزامن مع التحرير- ذكرى توقيع اتفاقية أوسلو التي اعترفت فيها منظمة التحرير بالاحتلال على أرضنا. فجاءت المقاومة، وبددت وهم أوسلو، وأذابت حبرها، وداستها أقدام شعبنا المنتصر، لتؤكد على صوابية مسار المقاومة والتحرير، وفشل مسار التسوية والتعايش مع الاحتلال.