عملية الحافلة في شارع 90.. هل ستشكل فصلاً آخر لروح المقاومة الفلسطينية؟

كوبي ميخائيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: د. كوبي ميخائيل

 العملية التي حدثت في 4 أيلول في شارع 90 لم تكن مفاجئة، لا بكونها عملية إطلاق نار – حتى لو كانت فريدة في جانب التخطيط ونية إشعال الحافلة بركابها، ولا في التوقيت ولا حتى فيما يتعلق بمنفذيها. والردود المتعاطفة والحماسية من حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى، وأيضاً غياب الرد من جانب السلطة الفلسطينية، هي أمور غير مفاجئة أيضاً. هذه العملية كانت شجرة أخرى في غابة الإرهاب الآخذة في الاتساع، وفصلاً آخر في روح المقاومة الفلسطينية الآخذة في التشكل بروح الجهاد الإسلامي بالتعاون مع حركة حماس وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، وكل ذلك بتشجيع من إيران و”حزب الله”. من المهم الآن فحص كل الغابة وعدم التركيز على إحدى الأشجار فيها.

عملياً، العملية التي جرت ضد الحافلة في شارع 90 جزء من التوجه المعروف منذ آذار 2022، الذي بدأ بعملية إرهابية داخل حدود إسرائيل. منطقة جنين كانت بؤرة تصدير العمليات الإرهابية، بعد فترة طويلة نجح خلالها الجهاد الإسلامي، بتمويل من إيران و”حزب الله” وبمساعدة نشطة منهما، في تهريب السلاح إلى مناطق الضفة الغربية، ونجح أيضاً في التحول إلى المنظمة الأقوى والأهم في هذه المنطقة. هذه المنظمة التي يتم تفعيلها كامتداد لإيران، متحررة من جميع الالتزامات ومن المسؤولية تجاه السكان المحليين. هدف وجودها هو التمسك بفكرة المقاومة المسلحة، وهي أداة مهمة ومريحة لإيران من أجل ضعضعة الاستقرار في المنطقة والنضال ضد إسرائيل. رسخت المنظمة شبكات من التعاون مع حماس والمليشيات المسلحة في حركة فتح، وهي تقود جهوداً منهجية لتجنيد الشباب الذين لا ينتمون بالضرورة إلى أي تنظيم، وتجنيد آخرين لهم انتماء تنظيمي؛ لتنفيذ عمليات إرهابية مقابل المال. دفيئة الإرهاب التي تم تشغيلها في منطقة جنين بقيادة الجهاد الإسلامي انتقلت إلى منطقة نابلس بسبب الصعوبات التي تضعها أمامها قوات الأمن الإسرائيلية، التي عملت بشكل كثيف في المنطقة، لكنها لم تنته تماماً. والدليل على ذلك هو أن منفذي عملية الحافلة جاءوا من هناك.

إضافة إلى ذلك، أدت نشاطات قوات الأمن الإسرائيلية في جنين إلى ارتفاع واضح في مستوى الاحتكاك مع السكان المدنيين وفي مستوى العنف في اللقاء مع مجموعات المسلحين الفلسطينيين. العملية الإسرائيلية التي تركز على عمليات معينة على طريقة المستعربين، يرد عليها النشطاء المسلحون ببذل الجهد للتشويش عليها في سعيها إلى الاشتباك. يدور الحديث عن بضع مئات من النشطاء الذين يركزون الجهود أمام قوات الجيش الإسرائيلي مع توثيق ما يحدث ونشره فوراً عبر الشبكات الاجتماعية. ورغم عدد كبير من المعتقلين، ورغم الارتفاع الكبير في عدد القتلى والمصابين الفلسطينيين، إلا أن روح المقاومة الفلسطينية تعززت وانتشرت في أرجاء “يهودا والسامرة”، حيث اتسعت الاعتقالات وتصفية الإرهاب في هذه المناطق، في المقابل.

إلى جانب جهود متواصلة من الجهاد الإسلامي، واصلت حماس جهودها لزيادة قوتها العسكرية في المنطقة بقيادة صالح العاروري. أما كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح فقد فصلت نفسها عن السلطة الفلسطينية وانضمت إلى الكفاح المسلح، سواء ضد قوات الجيش الإسرائيلي التي تعمل على الأرض، أو من خلال السعي لتنفيذ عمليات. على خلفية إرث التعاون بين التنظيمات في منطقة جنين، فقد تعمق التعاون بين هذه التنظيمات.

الأزمة الاقتصادية بحد ذاتها ليست العامل الذي يفسر هذه الظاهرة، بل إن الحديث يدور عن وعي نضالي متزايد، يتغذى من ارتفاع مستوى الاحتكاك العنيف مع قوات الجيش الإسرائيلي ومن الشعور بالنجاح، خاصة من الفراغ السلطوي للسلطة الفلسطينية. صورة ومكانة السلطة تضررت بشكل كبير في نظر الجمهور الفلسطيني عقب الفشل في تحقيق الحلم الوطني وطرح أفق سياسي. تم التعبير عن الفراغ السلطوي بتفضيل الأجهزة الأمنية للامتناع عن القيام بعمل حازم ضد المليشيات المسلحة. هذا باستثناء حالات استثنائية للعمل ضد منظمة حماس التي تهدد، حسب فهم قيادة السلطة، استقرارها وبقاءها. هذه خلفية لدخول نشطاء الأجهزة الأمنية أو أبنائهم في العمليات الإرهابية. حجم هذه الظاهرة، حتى لو وصف بأنه منخفض نسبياً، يقلق ويدل على الصعوبة التي تواجه تنفيذ عملية من قبل الأجهزة الأمنية ضد هذه التنظيمات.

 لم يحدث أي تغيير في حالة الضعف للسلطة الفلسطينية في ظل الظروف الحالية. واستمرار جهود إسرائيل الأمنية لإحباط البنية التحتية للإرهاب سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة أخرى في الاحتكاك وفي عدد الضحايا الفلسطينيين، وستتخذ إسرائيل خطوات عملاقة تقربها من جوهر المعضلة الاستراتيجية: الاختيار بين جهد متجدد للقيام بمبادرة سياسية للانفصال – حتى لو كانت محدودة بسبب عدم إمكانية التوصل إلى تسوية دائمة في المستقبل المنظور، وما زالت تشير إلى اعتراف إسرائيل بالسلطة الفلسطينية كشريكة في عملية التسوية، وتحسين الظروف من أجل تحسين الحكم والاقتصاد في مناطق السلطة الفلسطينية، وأيضاً تعزيز قوتها كبديل عن قادة المقاومة المسلحة، وبين عملية عسكرية واسعة النطاق مثل “الدرع الواقي” لسحق بنية الإرهاب التحتية التي تتطور في أرجاء “السامرة” وتنتشر إلى “بنيامين ويهودا”. على أي حال، على إسرائيل بذل جهود منهجية أكبر ومهمة لإحباط تهريب الأموال والسلاح، الذي تقوده إيران و”حزب الله” بشكل أساسي والذي يغذي البنية التحتية للإرهاب.

نموذج العملية المزدوجة الذي تتبعه إسرائيل في المناطق الفلسطينية، سواء من تسهيلات أمام حماس تشمل تسهيلات اقتصادية وفي الوقت نفسه رد عسكري محدود، وفي المقابل عملية حازمة ضد العمليات في “يهودا والسامرة”، أنما يشكل أرضاً خصبة لتعزيز قوة روح المقاومة الفلسطينية ويسهم بشكل غير مقصود في عملية إضعاف السلطة الفلسطينية. على هذه الخلفية ينظر للأجهزة الأمنية الفلسطينية على أنها عميلة لإسرائيل على حساب المصالح الوطنية الفلسطينية. بالنسبة للنشطاء المسلحين الفلسطينيين، فإن ثمن الاحتكاك العنيف مع قوات الجيش الإسرائيلي غير باهظ. أبطال فلسطينيون يولدون كل يوم، والشعور بالقدرة وبجدوى النضال المسلح تستوطن القلوب والوعي الجماعي للجيل الشاب، وتغذي الدافعية للانضمام للنضال. ولكن إدارة النزاع من قبل إسرائيل بأسلوب “جز العشب” تقف أمام الإرهاب، وقد تؤدي إلى تفش عنيف واسع النطاق، في الوقت الذي يوفر فيه إجابة للأشجار الفردية وليس للغابة، التي هي التحدي الاستراتيجي الحقيقي الذي يواجهها.

بقلم: د. كوبي ميخائيل

نظرة عليا