​ المقاومة أمر ما حتمي .. ودمشق تعطي للعروبة شكلها

image_processing20230404-2769406-yxev3c.jpg
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

 ما زال الكثيرون من المؤمنين بالمقاومة، فكراً وانتماء وتأييداً، يعيشون حالة الصدمة جراء سقوط سوريا هذا السقوط المروع، وحتى يتمكنوا من إعادة الوقوف على أقدامهم من جديد، عليهم مغادرة هذا المربع المراوح بأسرع ما يستطيعون، فالإنكار إذا ما طال واستطال، يتحول إلى حالة مرضية قد يصعب التشافي منها .

أولاُ: عليهم الإقرار بأن النظام الذي كان يحكم سوريا، هو نظام طحلبي شائخ، طالح، فاسد، لا تربطه بسوريا الأرض وسوريا الشعب إلا روابط مصلحية ذاتية متعادية مع تطلعات الناس في العيش الحر الكريم، وإذا كان البعض، وأنا واحد منهم، يتطلعون إلى "وطنية" النظام مقارنة بالأنظمة العربية الأخرى، فهذه كانت "وطنجية" أكثر منها وطنية، بمعنى أنها مجرد شعارات يلهج بها صيف شتاء حتى وصلت إلى أكثر من نصف قرن. 

ثانياً: النظام الجديد الذي "حرر" سوريا، هو ليس جديداً، فهو معروف بأنه إرهابي تكفيري من إفرازات تنظيم القاعدة، حتى لو خلع الدشداشة واستبدلها بربطة العنق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هو لم يحرر سوريا، التي كانت آيلة للسقوط، بمعنى أنه لم يدخل حرباً تمتد إلى عشر سنوات ولا حتى عشرة أيام، وسقطت العاصمة قبل أن يصلها بدون رصاصة واحدة . 

ثالثاً: صحيح أن هناك الكثير من الدول في العالم تعترف به، وتدعمه وتتهافت بالدور على زيارته، لكن هذا أمر طبيعي، فهذه هي الدول التي أشرفت على تأسيسه وتمويله وتدريبه وتسليحه على مدار سنوات ، ولهذا تأتي اليوم لقطف ثمار ما زرعته بالأمس، ولسرعان ما ستختلف معه وعليه، لوجود من هو أقرب منها إليه. مثلاً، إنها اختلفت مع إيران عليه بدعوى أنها شيعية، وستختلف مع تركيا عليه بدعوى أنها ليست عربية .

رابعاً: يرى البعض الطامع أن الحل يكمن في التقسيم الجغرافي أو الطائفي، كما حصل مع العراق ومن قبل مع لبنان والصومال والسودان واليمن، ولأن طبيعة الشعب السوري ليست طائفية، فإن الأرجح هو التقسيم الجغرافي، وهذا أشبه بالتحصيل الحاصل، فثلث سوريا تحت حكم الأكراد، تتنازعهم تركيا في الشمال، والجنوب وضعت إسرائيل يدها عليه وأظن أسنانها أيضاً. 

خامساً: لهذا كله فإن "المقاومة" في سوريا أمر بديهي، بل وحتمي، والحديث هنا لا يدور عن فلول النظام، بل عن المتمردين على النظام من العسكر، ومن ضمنهم "الجيش الحر"، حزب الله الذي دفع أثماناً باهظة في التصدي للجماعات التكفيرية، قوى وأحزاباً وحركات ثورية تقدمية لا يروق لها تحويل الدولة إلى دولة دينية، واستبدال نظام الأسد البائد بقوى بائدة، فبين الأعشاب الضارة، ينبت الزعتر، حتى لو اضطر أن يشق الصخر  . 

                             

الفلّ يبدأ من دمشق بياضُه * وبعطرها تتطيب الأطياب/ والماء يبدأ من دمشق .. فحيثما أسندت رأسك جدول ينساب/ والشعر عصفور يمد جناحه فوق الشآم .. وشاعر جوّاب/ والحب يبدأ من دمشق .. فأهلنا عبدوا الجمال وذوّبوه .. وذابوا .. والخيل تبدأ من دمشق مسارها * وتشد للفتح الكبير ركاب/ والدهر يبدأ من دمشق .. وعندها تبقى اللغات وتحفظ الأنساب/ ودمشق تعطي للعروبة شكلها وبأرضها تتشكل الأحقاب ... نزار قباني .