الانتفاضة الثالثة على الأبواب

ايلي زيسر.jpeg
حجم الخط

بقلم: إيال زيسر

 

 


لا تزال المواجهات بين الجيش الإسرائيلي وبين الفلسطينيين في "يهودا" و"السامرة" لا تحتل العناوين الرئيسة، بل تدحر في الغالب إلى الصفحات الداخلية إلى جانب أخبار الجناية والجريمة.
الانطباع الذي يؤخذ من قراءة الصحف هو أننا لا نشهد اشتعالا واسعا لموجات من العمليات مثلما شهدنا سنوات الماضي.
لكن هذا هدوء مخادع أو هدوء ما قبل العاصفة. وفي واقع الأمر باتت العاصفة هنا.
إذ لا يمر يوم دون حوادث عنف بين الجيش الإسرائيلي وبين الجمهور الفلسطيني، حيث تصبح كل قرية أو مدينة تنفذ فيها قوات الجيش الإسرائيلي عمليات جارية واعتيادية ميدان معركة يصطدم فيها مئات الفلسطينيين مع قواتنا، بل يطلقون النار نحوها بكل الأسلحة التي تتوفر تحت تصرفهم.
كما أنه لا يمر يوم واحد دون أن نبلغ عن محاولة طعن أو دهس، وبالتوازي طرأ ارتفاع في عدد القتلى الفلسطينيين في هذه المواجهات.
كل قتيل يشعل بالطبع الخواطر ويثير الهواجس وهو بمثابة الزيت، أو في واقع الأمر يضخ الدم إلى دواليب الصراع.
تتصدر جنين، عاصمة "الإرهاب"، المقدمة ولكن وقعت أيضا في غور الأردن قبل نحو أسبوع عملية إطلاق نار نحو باص كان يقل جنوداً، وقبل بضعة أيام من ذلك أطلقت عيارات نارية نحو باص قرب عوفرا. في نابلس أيضا، في الخليل، وفي غلاف القدس وحتى في الأحياء العربية فيها تقع أحداث عنف كل يوم، وباختصار "المناطق" كلها تشتعل.
ثمة من يربطون تعاظم العنف بحقيقة أننا نوجد في أواخر عهود السلطة الفلسطينية أو على الأقل في أواخر عهد أبو مازن، ابن الـ 87 عاماً. السلطة وأبو مازن على رأسها ضعيفان وعديما القوة، وأساسا الرغبة في إقامة حوكمة في المناطق التي تحت سيطرتهما. لكن المستقبل سيكون أسوأ إذ إن من سيخلف أبو مازن لن يتمتع بالشرعية التي تمتع بها هو كمن رافق عرفات على مدى سنوات طويلة.
كما يمكن أن نعزو ارتفاع مستوى العنف لريح الإسناد التي تلقاها الفلسطينيون ممن يفترض بهم بالذات أن يكونوا الأصدقاء الطيبين لإسرائيل والمؤيدين لحقها في الدفاع عن نفسها.
النقد الذي تتعرض له إسرائيل في قضية قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، إذ تعد التوبيخات العلنية على أنظمة فتح النار لدى الجيش الإسرائيلي لدى الفلسطينيين إنجازا سياسيا، وهو بمثابة وجود مردود للعنف.
ولكن المهم هو كيف نوقف التنقيط الذي تحول منذ وقت بعيد إلى طوفان.
يجب أن نتذكر أن أحداً لم يتوقع الانتفاضات السابقة التي كانت بمثابة حدث عفوي ومتدحرج لم يبادر إليه أو يوجهه أحد، لا في تونس حينه ولا في رام الله.
الجموع في الميدان هم الذين قادوا خطى الأحداث، ومقابلهم أُمسك بإسرائيل غير جاهزة، وعليه فقد تأخرت في الرد وفقدت السيطرة لزمن ما.
كانت النتيجة الانتفاضة الأولى التي أدت إلى اتفاقات أوسلو، والانتفاضة الثانية التي جلبت معها فك الارتباط عن غزة. تجبي خطوات الشكل الذي أخرجت فيه إلى حيز التنفيذ منا حتى اليوم ثمنا باهظا. فضلا عن كل هذا من المحظور أن ننسى أن جوهر الصراع على هذه البلاد مليء بالارتفاعات والهبوطات، فترات من الهدوء والتصعيد. لكن يبدو أننا لن نحظى بالهدوء المطلق في جيلنا.
لقد أحيت إسرائيل قبل وقت ذكرى 55 سنة من سيطرتها على "يهودا" و"السامرة"، أكثر بكثير من حكم الانتداب البريطاني والحكم الأردني معاً.
يبدو الوضع الراهن السائد في الميدان للكثيرين أهون الشرور. فهو يسمح لنا بأن نحوز المنطقة دون أن ندفع على ذلك أثمانا في الساحة الدولية.
ولكن توجد لحظة تفوق فيها نواقص الوضع الراهن على فضائله. وهي لحظة يتطلب فيها هذا تفكيراً من خارج الصندوق لأجل إحداث تغيير في الوضع.
ينبغي الافتراض بأن الفلسطينيين كانوا سيفضلون، حتى وإن لم يعترفوا بذلك، أن يصبحوا مواطني إسرائيل، ناهيك عن أنه ليس مؤكدا أن هذا هو الأمر الصحيح لإسرائيل في هذا الوقت.
مهما يكن من أمر ينبغي أن نضرب بكل القوة موجة "الإرهاب" التي ترفع رأسها قبل أن تصبح انتفاضة، وبالتوازي ينبغي أن نبقي الإصبع على نبض "المناطق".


عن "إسرائيل اليوم"