ينفون قي البداية ثم يفحصون: الجيش الإسرائيلي يخسر "معركة الحقيقة" (1-2)

حجم الخط

بقلم: ينيف كوفوفيتش


استُدعي المراسلون الأجانب في إسرائيل، الأسبوع الماضي، الى حدث غريب بدرجة معينة؛ محادثة "زووم" بالعبرية مع قائد المنطقة الوسطى، الجنرال يهودا فوكس. في الحقيقة كان هناك مترجم للانجليزية نقل لهم الرسالة باللغة التي يتحدثونها، لكن أدى هذا الوضع الى الاستغراب. أثقل مضمون الأقوال الأمر اكثر. فعلياً، كان سبب اللقاء الافتراضي الإعداد للتغطية الدولية لنتائج التحقيق العسكري حول ظروف موت الصحافية شيرين أبو عاقلة. بعد أن اعترفت "فوكس" بأن هناك احتمالية كبيرة بأن تكون الصحافية قتلت بنار جندي إسرائيلي شخّصها بالخطأ بأنها مسلح فلسطيني، عددت هي أيضاً أسباباً مختلفة مثل إطلاق النار الكثيف الذي كان في المنطقة. كان هذا كافياً لمراسل الـ "بي.بي.سي" للانفجار والقول إن هذا غير صحيح. وحسب قوله لم يكن هناك أي إطلاق نار كثيف.
هذه ليست المرة الاولى التي لم تصدق فيها وسائل الاعلام الأجنبية رسائل الجيش الإسرائيلي. فعملياً هذه ظاهرة شائعة جداً (ليس فقط في قضية إطلاق النار على الصحافية الفلسطينية). ولكن الحديث لا يدور فقط عن المراسلين الأجانب. فحسب استطلاع نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في بداية السنة فان ثقة الجمهور بالجيش تدهورت الى ادنى مستوى منذ أكثر من عقد، حيث بلغ 78 في المئة في اوساط الجمهور الإسرائيلي. ربما ساهم في ذلك عمليات النفي التي تحولت الى اعترافات في وقت متأخر، وتغيير في الروايات ونشاطات لإخفاء المعلومات. عادت "هآرتس" الى عدة حالات بارزة في السنوات الأخيرة، ربما تثبت أكثر من أي شيء آخر عدداً من المشكلات التي يعاني منها الجيش على مختلف وحداته. عندما يتم نقل معلومات جزئية، ليس دائماً موثوقة من الضباط في الميدان، ولا يتم فحصها بشكل عميق قبل نشرها، فان هذا سيكون له تداعيات على المدى القصير والمدى البعيد.
المثال الأكثر غضاضة هو اطلاق النار على أبو عاقلة، صحافية قناة "الجزيرة" التي قتلت في 11 أيار الماضي اثناء عملية للجيش من اجل اعتقال مطلوبين في مخيم جنين للاجئين. في البداية، حتى قبل أي تحقيق، سارع المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي الى تقدير أنه ربما أنها أُصيبت بنار مسلحين فلسطينيين. بعد بضع ساعات من ذلك تم تغيير هذه الرواية بأنه لا يمكن التحديد بأي نار أُصيبت. ولكن في اليوم ذاته أجريت مقابلة مع المتحدث بلسان الجيش، العميد ران كوخاف، في برنامج "كلمان ليفسكيند وروعي شارون" في "كان ب". "عرضنا على الفلسطينيين إجراء تحقيق مشترك وسريع، واذا كنا قد قتلناها فعندها نتحمل المسؤولية"، قال. الفلسطينيون، قال كوخاف في تلك المناسبة، رفضوا العرض. "هناك سبب جيد لديهم يجعلهم يخفون بعض الامور"، أضاف.
لكن هذا العرض فاجأ الكثيرين في المستوى السياسي والامني، ممن لم يكونوا يعرفون عنه. في نهاية فحص قصير تبين أن مثل هذا العرض لم يحدث، على الارض لم يكن هناك عرض رسمي تم نقله للفلسطينيين، لذلك لم يكن بامكانهم أن يرفضوه. بعد ذلك، 13 أيار، بعد يومين، كشفت نتائج التحقيق العسكري الأولية، حسب المتحدث بلسان الجيش، بأن الصحافية يمكن أن تكون أصيبت بنار الجيش. ولكنهم تحفظوا وأضافوا بأنه "لا يمكن التقرير ما هو مصدر النار التي قتلتها". ضباط كبار في الاحتياط، ممن تم إعطاؤهم إحاطات من قبل الجيش وظهروا في الاستوديوهات، طلبوا أن يتم القول بأنه من غير المستبعد أن تكون هذه ناراً فلسطينية.
عندها جاء ما نشرته "سي.ان.ان". حدث هذا في 24 أيار، حيث نشرت شبكة الأخبار الأميركية تقريراً شاملاً حدد بأن الصحافية قتلت بنار متعمدة للجيش الإسرائيلي. أدى الصدى الإعلامي لهذا التقرير الى عدد كبير من ردود الفعل الشديدة في العالم.
كان هناك صدى أيضا داخل الجيش. في حدث، بمشاركة ضباط كبار من بينهم رئيس الأركان كوخافي، قال المتحدثون بلسان الجيش بأن مراسلي "سي.ان.ان" استبعدوهم، ولم يعطوهم أي فرصة للتطرق بشكل جوهري ومهني للادعاءات. ولكن في فحص داخلي تم اجراؤه تبين أن محرري التقرير توجهوا الى جهاز الإعلام الأجنبي في قسم المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. هناك تبين أنهم قرروا اجراء محادثة مع مصدر عسكري رفيع لم تكن له أي علاقة مباشرة بالحادث، ونقلوا الى رجال "سي.ان.ان" نتائج التقرير الاولي للتحقيق العسكري ومضمون اقوال المدعية العسكرية الرئيسية في اجتماع مكتب المحامين، الذي لم تتطرق فيه الى الادعاءات المطروحة. الأمر الذي لم يتم في قسم وسائل الإعلام الأجنبية هو رفع العلم الأحمر أمام كبار أعضاء الجهاز.
بعد أن تبين حجم الفشل الداخلي، في الوقت الذي ازداد فيه الانتقاد الدولي، فان شخصيات رفيعة في إسرائيل وفي الجيش بدأت في ارسال رسائل متناقضة من خلال وسائل اعلام محلية بأن التقرير لا يوجد له أي اساس، وأنه تشارك فيه منظمات "ارهابية" وأن أبو عاقلة نفسها هي المتهمة بموتها. وفي كل الحالات لم يتم تحمل المسؤولية.
الآن ايضا بعد نشر نتائج التحقيق العسكري الكاملة، التي بحسبها هناك احتمالية عالية بأن الصحافية أُصيبت بالخطأ بنار الجيش الإسرائيلي، لم يتم تحمل المسؤولية. صحيح أنه ذكر أن النار أطلقت عليها أثناء معركة واجه خلالها جنود الجيش الإسرائيلي نارا كثيفة أطلقت نحوهم، وكانت بدون تمييز وعرضت حياتهم للخطر، لكن هذا ادعاء طرحت بخصوص صحته كما قلنا تحفظات.
في الصباح الباكر في 12 كانون الثاني الماضي كان الطقس بارداً جداً في منطقة رام الله. عمر عبد المجيد اسعد، فلسطيني ابن 80 سنة، تم احتجازه في هذا الوقت على حاجز طيار وضعه جنود كتيبة نيتسح يهودا التابعة للواء كفير على مدخل قرية جلجلية شمال رام الله. بعد فترة قصيرة أُصيب بنوبة قلبية وتوفي. "من الفحص الأولي تبين أن الفلسطيني اعتقل اثناء نشاط لقوات الجيش بعد أن عارض الفحص الأمني"، وكان هذا الرد الاولي للمتحدث بلسان الجيش. "المعتقل تم إطلاق سراحه في تلك الليلة".
الآن الى الوقائع: قام الجنود بتكبيل يديه، وعصبوا عينيه، وأغلقوا فمه بقطعة قماش، وتركوه مكبلاً أكثر من ساعة. عندما أطلقوا سراحه لم يفحصوا أبداً وضعه. هذه النتائج تم الحصول عليها بعد أن اضطر الجيش الى التحقيق في الحادثة. حدث هذا بسبب أنه كان هناك شهود على الحدث، ابلغوا ما شاهدوه (بعض الشهادات نشرت في "هآرتس") ولأن اسعد أيضاً كان مواطناً أميركياً، وطلبت الولايات المتحدة توضيحاً من إسرائيل. في موازاة تحقيقات الشرطة العسكرية تم أيضاً إجراء تحقيق عسكري في نهايته ظهرت النتائج، واعترف رئيس الأركان كوخافي بأن "الأمر يتعلق بحدث قيمي خطير جداً". وأضاف: "ترْك القوات للساحة وترك اسعد في المكان بدون التأكد من وضعه يشير الى انعدام المشاعر، الامر الذي يعارض قيم الجيش الإسرائيلي".
في اليوم الأخير لعملية "الحزام الاسود" في غزة، 14 تشرين الثاني 2019، هاجم سلاح الجو هدفاً في دير البلح، اعتبره "منشأة تدريب" لـ "الجهاد الاسلامي". سارع في هذا الهجوم المتحدث بلسان الجيش الى القول باللغة العربية: "لقد قتل رسمي أبو ملحوس، قائد وحدة الصواريخ في لواء وسط غزة التابع للجهاد الإسلامي، هو وخمسة من أبناء عائلته". ولكن سرعان ما تبين أن المبنى الذي قصف كان كوخا مصنوعا من الصفيح، عاشت فيه عائلة السواركة، التي قتل ثمانية من أبنائها من بينهم خمسة أطفال. وماذا عن أبو ملحوس؟ في أعقاب توجه قدمته "هآرتس" قال مصدر عسكري رفيع في اليوم ذاته في قيادة المنطقة الجنوبية قال إنه لا يعرف هذا الاسم المذكور أعلاه، وبالتأكيد هو ليس شخصاً رفيعاً مثل رئيس منظومة الصواريخ التابعة لـ "الجهاد"، وايضا هو لا يعرف بأن هذا الشخص قد مات.
هنا بدأت روايات الجيش تتغير. فجأة تم طرح ادعاء بأن المبنى كان فارغاً، وفقط في النهاية اعترف المتحدث بلسان الجيش في حينه، العميد تيدي زلبرمان (بعد ذلك تمت ترقيته الى رتبة جنرال والى وظيفة ملحق عسكري في واشنطن)، ردا على توجه للصحيفة، بأن النشر الاول كان خاطئاً، وأنه جرى "بحسن نية".
خلال ذلك نشرت تقارير في "هآرتس" كشف فيها عن فشل ذريع في سلوك الجيش. فقد تبين أنه في الوقت الحقيقي لم يتم فحص عدد من الأهداف التي تم قصفها في العملية، واحتمالية وجود مدنيين فيها. أيضا بيت عائلة السواركة كان جزءاً غير محدث من بنك الأهداف. "تجريم الهدف والتخطيط للهجوم كان حسب التعليمات الملزمة في الجيش"، قال في حينه المتحدث بلسان الجيش ردا على ذلك. وحول اكتشاف آخر في التحقيقات بأنه كان في الجيش طلب لزيادة بنك الأهداف، الذي يقاس بحجمه وليس بالضرورة بجودته، أشار الى أن "هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة".
بعد نشر التقارير في "هآرتس" تقرر في الجيش مع ذلك اجراء فحص لاستخدام بنك الاهداف وفحص ما الذي أدى الى قتل ابناء العائلة. بعد بضعة اشهر قيل إن المنشأة التي تمت مهاجمتها كان يجب اعتبارها منشأة مدنية لها نشاطات عسكرية، وليس منشأة عسكرية. بالاجمال، حدد التحقيق العسكري بأنه لو أن المبنى كان معرفاً بشكل صحيح لما كان هوجم. في النهاية، أمر رئيس الاركان باعطاء تعليمات جديدة حول تعريف الاهداف والمصادقة عليها.
في بداية كانون الثاني 2020 نشرت في الشبكات الاجتماعية صور لطائرات "إف 16" لسلاح الجو، التي غرقت في بركة في قاعدة حتسور. ولكن من ناحية المتحدث بلسان الجيش تم الحفاظ على الصمت الكامل وكأن هذا لم يحدث، وكأن الشبكات الاجتماعية غير قائمة. إضافة الى ذلك، عملوا في الجيش على فرض رقابة على الحدث (بعد المنشورات في الشبكات الاجتماعية) خوفاً من المس بأمن الدولة بسبب وقف السرب بشكل مؤقت. أيضا حقيقة أن أعضاء الطاقم التقني، الذين كانوا في المباني التي تم تخزين الطائرات فيها كانوا بحاجة الى الإنقاذ، لم يتم نشرها. فقط بعد ثلاثة ايام، في أعقاب ضغط شخصيات رفيعة في الرقابة العسكرية، قرر المتحدث بلسان الجيش التطرق للحدث وقام بإعطاء معلومات جزئية، لكن غير دقيقة تماما. لقد قيل إن الأمر يتعلق بضرر صغير بصورة نسبية (فعليا، عشرات ملايين الشواقل)، وإن الطائرات ستعود الى العمل بسرعة (هذا حدث بعد فترة طويلة). فقط بعد ذلك، في أعقاب تحقيق لسلاح الجو في الأمر، اعترفوا في الجيش في إحاطة للمراسلين بأن القاعدة لم تكن جاهزة للفيضان وأن الجنود احتاجوا الى الانقاذ وأن استخدام الرقابة العسكرية كان خطأ.

عن "هآرتس"