بقيت ورقة توت بين السلطة ‏وإسرائيل

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

 بقلم:نبيل عمرو

 

 

من يتابع ما يقول القادة ‏الإسرائيليون عن السلطة وما ‏يطلبونه منها، وما يحرضون ‏الاخرين عليها، يَخرج ‏بنتيجة واحدة هي ان ‏إسرائيل تريد من السلطة ان ‏تكون مجرد وكيل امني، لقاء ‏مرتب شهري يزيد وينقص ‏حسب ما تقرره إسرائيل من ‏جودة الأداء.‏
‏ معنى الوكيل ان تكون قوة ‏نشطة فعالة في منظومة ‏الامن الإسرائيلية، ‏وخصوصا في مناطق ‏الخطر واشهرها الان الجبهة ‏الشمالية نابلس جنين.‏
والمرتب الشهري هو منحها ‏أموالها المستحقة مع تفاوت ‏الخصومات التي تصل دائما ‏الى نسبة مئوية من مداخيل ‏السلطة ومحورها ‏‏"المقاصة".‏

العلاقات الأمنية التي ‏اصطلح على تسميتها ‏بالتنسيق كانت فيما مضى ‏أي زمن الأفق السياسي ‏التفاوضي، احد الاعمدة ‏الأساسية في منظومة ‏العلاقات الفلسطينية ‏الإسرائيلية، التي ارست ‏أسسها وحددت مساراتها ‏اتفاقات وتفاهمات أوسلو. ‏كانت هذه العلاقات وان لم ‏تكن مقبولة لدى قطاع واسع ‏من الشعب الفلسطيني الا انها ‏متفهمة بل ومبررة وكان ‏ممكنا الدفاع عنها بجملة ‏واحدة، "هي ضرورية ما ‏دامت جزءا من ترتيبات ‏متبادلة ستفضي الى دولة ‏فلسطينية".‏
مر على أوسلو سنوات ‏طويلة وفي أيامنا هذه لم ‏يتبق منها الا العلاقة الأمنية ‏التي تسمى بالتنسيق، وهي ‏ان لم تكن فعالة بالقدر الذي ‏كانت عليه في زمن الأفق ‏السياسي والمفاوضات، الا ‏انها ما تزال ولو كمصطلح ‏بمثابة ورقة التوت التي ‏تغطي عُري العلاقة ‏المفترض ان تكون سياسية ‏بين السلطة وإسرائيل.‏
الحكومة الإسرائيلية من ‏خلال اقوالها وافعالها تريد ‏نزع ورقة التوت هذه لتظهر ‏السلطة امام شعبها وامام ‏العالم على ان لا فرصة لها ‏في الحياة او الاستمرار في ‏حدودها الدنيا الا اذا منحتها ‏إسرائيل شهادة جدارة امنية، ‏أي ان تكون قادرة على ‏فرض هدوء مطلق على ‏الضفة كلها، كي يتحقق ‏القول الذي شاع في بدايات ‏أوسلو، "الامن يعني لو ‏سقطت ابرة في رام الله ‏يُسمع رنينها في تل ابيب".‏
الحكومة الإسرائيلية تمارس ‏ازدواجية متناقضة في هذا ‏الاتجاه فهي تريد السلطة ‏قوية في مجال فرض الهدوء ‏والامن، وتريدها بل وتعمل ‏على ان تكون ضعيفة في ‏المجالات الأخرى أي ان ‏تكون بلا هيبة ولو شكلية ‏على الصعيد المعنوي، ‏ومشلولة القدرات على ‏الصعيد السياسي، ولا تكتفي ‏الحكومة الإسرائيلية بذلك بل ‏تعمل على تجنيد العالم ‏لمؤازرتها في هذه السياسة ‏المزدوجة وإدخال وسطاء ‏عرب وغير عرب لترويض ‏السلطة وجعلها وكيلا امنيا ‏فعالا حتى دون ورقة التوت.‏
السلطة بواقعها الحالي ‏مضغوطة بين شقي رحا ‏شديد الثقل والقسوة، شق ‏حاجاتها المالية المتحكم ‏إسرائيليا بالجزء الأساسي ‏منها، والشق الاخر غياب ‏البعد السياسي في علاقاتها ‏مع إسرائيل التي تريدها ‏كالمنبت لا ارضا قطع ولا ‏ظهرا ابقى.‏
إسرائيل تدرك اكثر من ‏غيرها بأن السلطة لا ‏تستطيع أداء ما تريده منها ‏لسببين، = الأول ضعفها في ‏مجال السيطرة وهذا ما تكثر ‏إسرائيل من الحديث عنه.‏
‏= وثانيا فقدان المبرر ‏والغاية، فكل ما هو مطلوب ‏منها الان ان تعمل لقاء ‏مجرد البقاء على قيد الحياة، ‏فلا دولة في الأفق ولا حتى ‏ورقة توت، تستر عري ‏العلاقة السياسية المتلاشية.‏
وإسرائيل اما انها غير ‏منتبهة الى النتائج العكسية ‏التي تفضي اليها سياساتها ‏المزدوجة والمتناقضة واما ‏انها تعرف ماذا تفعل ‏وتعرف الهدف الذي تسعى ‏اليه، وهذا ما لا يجب ‏استبعاده فهي لا تريد رؤية ‏سلطة فلسطينية جدية تقود ‏استقرارا راسخا حتى ضمن ‏حدود الحكم الذاتي المتفق ‏عليه، فما تفعل لا يحقق ‏سوى امر واحد ان يظل ‏الفلسطينيون في حالة ‏اضطراب دائم واحتياج دائم ‏وابتعاد دائم عن حلم ‏الاستقلال الوطني.‏
الا ان الذي تعرفه إسرائيل ‏وتتجاهله هو ان حالا كهذا ‏وبالقدر الذي يتعب ‏الفلسطينيين فهو يتعبهم كذلك ‏بفعل مبدأ قاد البشرية كلها ‏عبر كل العصور، مفاده ان ‏الاحتلال اشبه بسكين ذي ‏حدين، واحد على رقبة ‏الضحية والآخر على رقبة ‏الجلاد، وهذا ليس كلاما ‏فلسطينيا خالصا بل هو كلام ‏ويقين ذوي العقل وبعض ‏الحكمة في إسرائيل.‏