ينفون في البداية ثم يفحصون: الجيش الإسرائيلي يخسر "معركة الحقيقة" (2-2)

ينيف-كوفوفيتش.jpg
حجم الخط

بقلم: ينيف كوفوفيتش


في كانون الأول 2018 توجهت وسائل اعلام إسرائيلية الى المتحدث بلسان الجيش من أجل الحصول على موقفه حول الادعاء بأن هناك جنوداً قاموا بإلقاء قنابل الغاز وقنابل الصوت في مدرسة أساسية في الخليل. سارع الجيش الى نفي هذا الأمر، وقيل إن هذا الحدث تم فحصه من قبل القادة في المكان، وحسب رأيهم يبدو أن "الرياح هي التي أدت الى وصول دخان القنابل الى المدرسة"؛ لأن الجيش الإسرائيلي لا يطلق قنابل الغاز وقنابل الصوت في ساحات المدارس في الضفة.
ولكن بعد أسبوع وصل الى منظمة "نحطم الصمت" فيلم فيديو تم فيه توثيق جندي إسرائيلي وهو يقوم باطلاق قنبلة غاز في ساحة المدرسة مدار الحديث، في الوقت الذي كان يجري فيها تعليم، كما يبدو رداً على رشق حجارة في المنطقة. عرضوا في المدرسة صندوقاً فيه عشرات من قنابل الغاز الفارغة، التي حسب قولهم اطلقت في تلك الفترة داخل حدود المدرسة، دليلاً على اقوالهم. في أعقاب توجه قدمته "هآرتس" حول الامر، تضمن عرض الفيلم، غيروا في الجيش الرواية وقيل إن هذه حادثة استثنائية "سيتم التحقيق فيها"، وإن الاجراءات في هذا الأمر سيتم صقلها.
مسألة مهمة في الجيش الإسرائيلي في السنوات الاخيرة هي تجنيد النساء والخدمة الى جانب الرجال. في حزيران 2018 حدث شيء ما. بشر العميد احتياط، غاي حسون، الذي كان في حينه ضابط مدرعات رئيسياً، بشكل احتفالي بنجاح التجربة في دمج النساء في السلاح الذي هو تحت إمرته مقاتلات، بالضبط مثلما اراد رئيس الاركان في حينه، غادي ايزنكوت. ولكن هذا القرار أدى الى عدة احتجاجات في اوساط الحاخامات. ولم يتنازل ايزنكوت خلال تواجده في منصبه.
لكن بعد دخول كوخافي الى مكتب رئيس الاركان في كانون الثاني 2019، وعند اشتداد احتجاج الحاخامات الذي تضمن ايضاً التهديد بعدم ارسال ابناء المدارس الدينية الى المدرعات، حدث تغيير في السياسة. "تم العثور على ثغرات اثناء تعبئة القذائف، وايضا في عدد من التدريبات الاخرى"، قال المتحدث بلسان الجيش. "في عدد منها كان زمن التنفيذ أكبر بضعفين وربما أكثر". ولكن قادة مدرعات شاركوا في التجربة قالوا بأن الجيش قام بتزييف البيانات من اجل افشال المشروع. "شاهدت النساء بأم عيني وهن يتدربن"، قال الملازم احتياط افيك شيمع، وهو الضابط الذي قاد التجربة، في مقابلة مع "صوت الجيش". "هذه ليست الازمان التي عرضناها على الجيش". نفى المتحدث بلسان الجيش هذه الادعاءات، ربما ايضا أضاف ضرراً لموثوقية الجيش الإسرائيلي نفسه.
في ليلة 14 أيار 2021، بعد فترة قصيرة من منتصف الليل وعند دخول عملية "حارس الاسوار" اليوم الخامس بدأ الجيش الإسرائيلي بتحريك قوات مدرعة ومدافع وجنود مشاة نحو الجدار في قطاع غزة. في موازاة ذلك أرسل المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بيانا باللغة الانجليزية للمراسلين الاجانب فقط، جاء فيه أن الجيش بدأ بعملية برية في قطاع غزة. أعطيت للمراسلين الاجانب خلال ساعة احاطات بهذا الشأن، لكن المراسلين الإسرائيليين لم يتم قول أي شيء لهم. عندما واجه هؤلاء الجيش بالاعلان الذي أعطي لوسائل الاعلام الاجنبية حصلوا على جواب قاطع من المتحدث بلسان الجيش: لا يوجد أي دخول بري ولن يكون. فهم المراسلون الاجانب بسرعة أن المتحدث بلسان الجيش ضللهم وحاول استخدامهم لغاياته، وتسبب بأزمة ثقة شديدة بينهم وبين الجيش. الهدف من عملية التضليل المتعمدة التي تمت المصادقة عليها من قبل المستويات العليا في الجيش هو جعل الذراع العسكرية لـ "حماس" تنزل بسرعة الى الأنفاق (بسبب الدخول البري)، وفي الوقت ذاته يقوم سلاح الجو بقصفهم من أعلى.
مرت بضع ساعات الى أن نشر زلبرمان بيانا توضيحيا لوسائل الاعلام الاجنبية قال فيه: "لا توجد قوات برية للجيش الإسرائيلي داخل القطاع. تهاجم قوات الجيش أهدافاً داخل القطاع". وقال ايضا إنه "ربما حدث خطأ في الاحاطات التي نشرت باللغة الانجليزية". في اليوم التالي أجرى المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي مع وسائل الاعلام الأجنبية، المقدم يونتان كونريكوس، محادثة مع المراسلين الاجانب اعتذر فيها عن الرسائل التي وجد أنها غير صحيحة، وقال إن الامر يتعلق بخطأ بشري هو يتحمل مسؤوليته بشكل كامل. ولكن المراسلين، كما نشر عن ذلك في حينه في "هآرتس"، عبروا عن غضبهم من الحرج الذي وقع لوسائل الاعلام التي نشرت عناوين رئيسية عن عملية برية، استناداً للاحاطات الخاطئة التي حصلوا عليها. حتى أن بعض المراسلين عبروا عن التشكك في التفسير الذي أُعطي لهم.
ليس فقط الثقة أمام المراسلين الاجانب تضررت في اعقاب تلك الحادثة، بل في اليوم التالي عرض زلبرمان امام وسائل الإعلام الإسرائيلية انجازات العملية التي ارتكزت على التضليل. علق عشرات "المخربين" في الأنفاق وقتلوا، وما زال آخرون كثيرون عالقين، ولا نعرف أي شيء عن مصيرهم، قيل للمراسلين في احاطات مغلقة. ولكن بعد ذلك تبين أن خمسة نشطاء عاديين من "حماس" قتلوا في هذا القصف الكثيف (ألقي 80 طناً من المواد المتفجرة من 160 طائرة خلال 35 دقيقة). اضافة الى ذلك، حسب منشورات في "معاريف" و"عوفدا" فإنه حتى قبل أن ينطلق سلاح الجو للقصف، عرفوا في الجيش أن "حماس" لم تبتلع طعم الجيش، وأن أعضاءها خرجوا من الأنفاق.
خلال سنتين تقريباً تم تشغيل شخص اسمه جلعاد كوهين، نشاطه معروف اكثر من اسمه، بالأجر من قبل الجيش الإسرائيلي. فهو يشغل قناة إخبارية باسم "أبو علي اكسبرس" في التلغرام، تحول الى أحد المؤثرين في الشبكات الاجتماعية في الشؤون العربية والامنية. من بادر الى تشغيله في الجيش هو الجنرال هرتسي هليفي (في حينه كان قائد المنطقة الجنوبية والآن هو نائب رئيس الاركان، ويتوقع أن يرث كوخافي)، بهدف أن يقوم بتقديم الاستشارة له في موضوع الحرب النفسية حول ما يحدث في غزة في الشبكات الاجتماعية. ولكن في موازاة هذه الاستشارة اعتاد كوهين على "اغلاق حسابات" في قناة التلغرام له مع مراسلين لم يتفقوا معه ومع مواقف الجيش بشكل عام وقيادة المنطقة الجنوبية بشكل خاص. مثلا اعتبره الموغ بوكر "محبوباً جداً في الجانب الغزي". ورداً على تقرير نشرته الصحيفة بهذا الشأن رد المتحدث بلسان الجيش بنفي معظم الادعاءات. "لم يستخدم الجيش الإسرائيلي الحسابات الخاصة للمذكور أعلاه في الشبكات الاجتماعية"، قيل على سبيل المثال. "أيضا صفحة التلغرام مدار الحديث لم تحصل على معلومات من الجيش الإسرائيلي من اجل نشرها أو عدم نشرها".
توجهت "هآرتس" للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، وطلبت منه التطرق الى جميع الاحداث التي وردت في هذا المقال. وكان رده "المتحدث بلسان الجيش هو الجهة الأمينة على اقوال الجيش وضباطه وجنوده ووحداته. يعمل المتحدث بلسان الجيش بشكل أمين ورسمي وعلى اساس روح الجيش الى جانب نقل المعلومات للجمهور في الوقت الحقيقي وحسب الاحتياجات العملية. قبل نقل المعلومات للجمهور ووسائل الاعلام يتم فحصها والتأكد منها مع القادة، وضمن ذلك المعلومات والوسائل التي توجد في حوزتنا. ثقة الجمهور بالجيش ومصداقية المتحدث بلسان الجيش يتم فحصها عن طريق الاستطلاعات وعن طريق التحقيقات التي تجريها معاهد ابحاث محايدة، تشير الى مستوى الثقة المرتفع جداً من بين الهيئات والمؤسسات العامة الموازية.


عن "هآرتس"