أوسلو وساعة الحقيقة

جهاد حرب.jpg
حجم الخط

بقلم جهاد حرب

 

 

 أقفل اتفاق أوسلو "إعلان المبادئ" عامه التاسع والثلاثين الثلاثاء الفارط دون وقفة جدية لفحص مآلاته ولتمحيص التطورات اللاحقة به أو للتدقيق في المسار أو لمراجعة موضوعية لآثاره وما ترتب عليه من استحقاقات إيجابية وسلبية بميزان العمل السياسي وكذلك المزاج الشعبي قبولا ورفضا.

في ظني أن مسألة المراجعة الموضوعية ضرورية ليس لناحية الإبقاء على التأييد أو المعارضة والتشنج لأحدهما لتأكيد صوابيه رأيه السابق، بل لاستخلاص العبر والوصول إلى استخلاصات لهذه التجربة من تاريخ الشعب الفلسطيني، وفهم التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني. وقياس نجاح وإخفاق المشروع الوطني ومطارحهما، والبحث في أسباب الإخفاق كما النبش في النجاحات أو الإيجابيات. إن الدعوة هنا لا تهدف إلى تعميق وصف الحالة كما هو معهود في دردشاتنا في الملتقيات والورش والندوات السياسية وفي اللقاءات الجانبية أو الهامشية بقدر التفكير العميق في الخروج من الأزمة الحالية، وتطوير آليات عمل قادرة أو يمكن أنْ تكون قادرة على إحداث التغيير في الواقع الفلسطيني.

تظهر استطلاعات الرأي العام على مدار السنوات الفائتة أنَّ غالبية كبيرة من المواطنين ترى أنَّ ما نشأ عن اتفاق اوسلوا قد بات عبءً على الشعب الفلسطيني وأن خيار حل الدولتين لم يعد ممكنا؛ طبعا بفعل الإجراءات الإسرائيلية الاستعمارية، وأن التأييد لخيار المقاومة المسلحة في الأوساط الشعبية بات يتزايد. في المقابل حظيت إجراءات الحكومة الإسرائيلية في مجال تحسين الأوضاع الاقتصادية، خاصة زيادة عدد التصاريح للعمل في إسرائيل، بتأييد واسع في الأوساط الشعبية الفلسطينية. أي أنَّ متلازمة تحسين الحياة الاقتصادية والكرامة الوطنية بالضرورة لا يتناقضان؛ فالسعي لتحقيق الاستقلال الوطني وتصفية الاستعمار والتخلص من الاحتلال ولتحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتباع حياة ديمقراطية "البناء الوطني" يسيران بخطين متوازيين لكنهما ضروريان للمواطنين ذاتهم ويحتاجان للموازنة الدقيقة بينهما لتحصين الواحد منهما الآخر.

في المقابل لم تنجح المقاومة المسلحة وحدها في إحداث نقلة نوعية في المشروع الوطني، ولم تنجح أيضا المراهنة على الأساليب السياسية وحدها لإنجاز المهمة الوطنية بتحقيق المشروع الوطني "انهاء الاحتلال واقامة الدولة المستقلة وإنجاز حق العودة". هذا الأمر لا يعني الوصول إلى استنتاج محكم يقضي بالفشل المطلق أو وجود نظرة عدمية للقضايا الناشئة عنهما بقدر تحسس أو الدعوة لتحسس مكامن قوة وضعف كل منهما، وبقدر الربط والبناء لاختيار الوسائل والأدوات القادرة على العودة للمسار الوطني الجامع، وبقدر الدعوة لتلمس ظاهر وباطن المرحلة الأوسلوية من تاريخ الشعب الفلسطيني؛ أي عدم الاقتصار على الأخبار والأحداث إنما النظر والتدقيق والتعليل والفهم لكيفيّة الوقائع وأسباب حدوثها، بمراحل وطبائع الحكم فيها وتأثيرها في الضفة والقطاع.      

عودة على بدء، في ظني أن ساعة الحقيقة قد آن أوانها " إنْ أنَّ قد آنَ أوانهُ" وساعة اتخاذ القرارات الجماعية قد أزفت لمعالجة الاختلالات التي لحقت بالمشروع الوطني وإزالة التحديات التي تعيق تحقيقه، وتوجيه بوصلة النضال الوطني والاجتماعي إلى مكانها الصحيح ومسارها القويم.