أيمن عودة والطيبي يسيران على خطى منصور عباس

حجم الخط

بقلم: دورون ماتسا*

 

 



يشغل الانشقاق في القائمة المشتركة الخطاب الإسرائيلي كثيراً، لكن ليس لأسباب صحيحة تتعلق بالجانب السياسي الملموس للمعركة الانتخابية المقبلة، وبالمسألة غير المهمة، ما هي الكتل السياسية التي ستخدمها هذه الخطوة، ومَن سيربح ومَن سيخسر. الإجابة عن هذه المسألة هي من باب التخمين الخالص، ومعالجتها من خلال هذا البعد السياسي الضيق يضيّع الأهمية الكبيرة وراء هذا التطور.
يجب أن نفهم شيئاً أساسياً حيال الظاهرة السياسية التي يُطلق عليها اسم القائمة المشتركة. فقد أقيمت في سنة 2015 من خلال وحدة تاريخية بين كل الأحزاب العربية، هذه الخطوة شجعتها المبادرة التي قدمها حزب "إسرائيل بيتنا" برفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست العشرين، وهو ما خلق تهديداً ملموساً لحجم التمثيل العربي في الكنيست، وفي ضوء تخوّف جزء من الأحزاب العربية (بالأساس حزب التجمع الديمقراطي "بلد") من عدم تمكُّنه من اجتياز نسبة الحسم.
لكن إنشاء القائمة المشتركة لم يعكس فقط خطوة محدودة، بل عكس تبنّي السياسة العربية استراتيجية جديدة، أساسها السعي نحو الدفع قدماً بقضايا اقتصادية-اجتماعية ملتهبة تهمّ المجتمع العربي. وذلك من خلال رؤية القواسم المشتركة في هذا الشأن مع المجتمع اليهودي، وأيضاً بالاعتماد على الاستراتيجية الرسمية التي سعت، كجزء من سياستها النيوليبرالية، نحو تشجيع الاندماج الاقتصادي للمواطنين العرب. بهذه الطريقة، أصبحت الاستراتيجية الاجتماعية-الاقتصادية همزة الوصل التي ربطت بين جميع مكونات القائمة المشتركة وخلقت بينهم قاسماً أيديولوجياً مشتركاً. وكانت ردة فعل الجمهور العربي على ذلك إيجابية، وتُرجمت بأحجام تأييد كبيرة وصلت إلى 13 مقعداً في انتخابات سنة 2015.
ما جرى تالياً لم يكن أقل إثارة للدهشة: في العامين الماضيين، حاولت القائمة العربية الموحدة (راعام)، بزعامة منصور عباس، الدفع بالاستراتيجية الاجتماعية-الاقتصادية للقائمة المشتركة خطوة إلى الأمام، وتحويلها إلى سياسة معلنة، والتغاضي عن اهتمام السياسة العربية بموضوع الهوية القومية للفلسطينيين.
وشكّل هذا خلفية الانشقاق في القائمة المشتركة عشية انتخابات الكنيست في آذار 2021، فقد خرجت "راعام" من القائمة وانطلقت في طريق جديدة، وتحولت إلى أول حزب عربي يشارك في ائتلاف حكومي صهيوني، ويعترف بدولة إسرائيل كدولة يهودية. وكانت النتيجة مُربحة بالنسبة إلى القطاع العربي: عشرات ملايين الشيقلات (معظمها لا يزال على الورق) تدفقت كجزء من الخطة الخمسية لحكومة بينت-لابيد (أضيفت إلى 15 مليار شيقل من الخطة الخمسية التي أقرّتها حكومة نتنياهو في سنة 2016).
فاقم هذا الواقع خطوط التماس بين القائمة المشتركة التي استمرت في التمسك بأيديولوجيا مزدوجة تستند إلى أجندة اجتماعية-اقتصادية، إلى جانب أجندة وطنية-قومية، وبين "راعام" التي تمسكت بأجندة أحادية تعتمد على قضايا اقتصادية – اجتماعية فقط.
على هذه الخلفية، يجب أن نفهم ونحلل الانشقاق الحالي في القائمة المشتركة، الأسبوع الماضي. الانفصال بين حزب بلد القومي وبين حزبيْ "حداش" و"تعل" يدل على تحوُّل نموذج منصور عباس البراغماتي النفعي إلى مبدأ يحدد السياسة العربية. يحاول أيمن عودة وأحمد الطيبي، متأخرين قليلاً، سدّ الفجوة التي نشأت بين القائمة المشتركة وبين راعام، التي تواصل تحديد السياسة العربية من خلال المزج بين مبادئ الاعتدال وبين مقاربة تفضل الدفع بقضايا اجتماعية مدنية على حساب موضوعات الهوية القومية.
السبيل إلى ذلك من خلال إزالة العائق الذي يشكله حزب بلد المتماهي مع سياسة الهوية القومية العربية، ومع المطالبة بتحوُّل إسرائيل إلى دولة لكل مواطنيها. من هذه الزاوية، ما يجري هو انتصار كبير للمشروع الصهيوني الذي يحمل السياسة العربية في إسرائيل على الدخول في عالم البراغماتية والنفعية. وهذه أخبار جيدة لليسار ولليمين الإسرائيلييْن، الحريصيْن على المحافظة على المبدأ الصهيوني الحديدي القديم الذي يرسم الخط الفاصل بين الاستعداد للتعاون مع السياسة العربية في الدفع قدماً بالاندماج الاقتصادي، وبين عدم الاعتماد عليها بشأن كل ما له علاقة بصوغ الأجندة القومية وتحديدها.

عن "يديعوت"

*مستشرق وباحث.