على شفير الانفجار: دائرة العنف المفرغة في الضفة الغربية

حجم الخط

بقلم: تامير هايمن*


كما في كل عام تقريباً، تكون فترة الأعياد اليهودية فترة متوترة من الناحية الأمنية. التقت، هذا العام، أيضاً عدة أطراف، من دون أن يجمع بينها خط واحد، الأمر الذي يتطلب انتباهاً خاصاً من رؤساء المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي.
الجبهتان الأساسيتان اللتان تحتملان التصعيد في الأسابيع المقبلة هما: موجة أُخرى من العنف في الضفة الغربية، والتوترات على الحدود الشمالية حول منصة كاريش. يجري كل هذا على خلفية فترة الانتخابات في إسرائيل وضغوط سياسية من كل الاتجاهات، ويجب ألاّ تتداخل مع الاعتبارات الأمنية.
التقدير هو عدم وجود خط واحد يربط بين العوامل المختلفة للتوتر، لكن بالتأكيد يوجد عامل مركزي يمكن أن يكون مفجِّراً لكل هذه التوترات، ويؤدي إلى إشعال حريق كبير، هو الحرم القدسي. تُعتبر فترة الأعياد فترة متوترة من تلقاء نفسها في الحرم، ووقوع حادث غير عادي هناك، يمكن أن يؤدي إلى ضغط كل التوترات معاً وانفجارها. وننتظر من المستوى السياسي أن يتصرف بهدوء أعصاب ويترك العمل للشرطة، مع ضبط النفس إلى أقصى حدّ، من جهة، ومن جهة ثانية، الإصرار على منع الاستفزازات من أي اتجاه.

الجبهة الشمالية
ألقى الأمين العام لـ "حزب الله"، حسن نصر الله، السبت الماضي، خطاباً تطرّق فيه إلى منصة كاريش، مجدِّداً تهديداته، ومعتبِراً استخراج الغاز خطاً أحمر. يواصل نصر الله استراتيجية السير على حافة الهاوية. وهو مستعد للوصول إلى مواجهة، لكنه يأمل بألا يحتاج إلى ذلك.
جرأة نصر الله هذه يجب أن تُقلق إسرائيل. الجيش الإسرائيلي أقوى بعشرات المرات من "حزب الله"، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يردع نصر الله، على ما يبدو. والتخوف الكبير من أن تؤدي ثقة "حزب الله المفرطة" بنفسه وسوء تقديره لقدراته إلى إدارة غير مسؤولة للمخاطر.
ليس لدى نصر الله رقابة داخلية، ولا يوجد حوله مَن يستطيع أن يقدم له تقريراً موثوقاً به عن الوضع وجهوزية الحزب. وهو محاط بأشخاص رماديين من الذين يمدحونه، ومن المعقول أنهم في هذه اللحظة يقولون له إلى أيّ حد أخاف خطابه الإسرائيليين.
الثقة المفرطة بالنفس، حتى ولو كانت غير مرتبطة بالواقع، فإنها تزيد في فرص التصعيد حول منصة كاريش. ويمكن أن يُظهر "حزب الله" جرأة أكبر، متأملاً أن ينتهي الاحتكاك بإسرائيل بـ"يوم قتال". لكن الانزلاق إلى الحرب سيكون سريعاً، وفي نهايتها، وبعد دمار هائل للبنان، وأضرار جسيمة تلحق بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، سيشرح نصر الله أن آلام الحرب أفضل من ذلّ الجوع (لبنان اليوم دولة تعاني جرّاء الجوع، بحسب تقرير الأمم المتحدة).
الأخبار الجيدة أن الطرفين يقتربان من تسوية على ترسيم حدود المياه الاقتصادية. وهنا يُطرح السؤال: هل سيسمح الوضع السياسي المعقد في إسرائيل بقبول تسوية تتطلب التغلب على عقبات سياسية بالأساس؟ على ما يبدو، جوهر التسوية هو الموافقة على حدود المياه الاقتصادية، بحيث يبقى جزء من الحقل اللبناني في الأراضي الإسرائيلية، وفي المقابل، ستدفع إسرائيل للبنان تعويضاً اقتصادياً معيناً. هذا على افتراض أن الطرفين سيوافقان على حل مشكلة ترسيم الحدود البرية، حيث لا يوجد مجال للاتفاق أو التسوية. إذا تحققت هذه التسوية، فإنها ستبدّد التوترات الأمنية، وستسمح باستخراج الغاز من حقل كاريش، كما ستسمح للبنان بتطوير حقول الغاز الموجودة في مياهه الاقتصادية.

الساحة الفلسطينية
تُغرق موجة جديدة من العنف الضفة الغربية. وهي تمتاز بهجمات يقوم بها شبان ينتمون إلى حركة "فتح". تترافق هذه الموجة وحملة واسعة النطاق ضد القوى الأمنية الفلسطينية التي تتعرض لضغط هائل.
يجري هذا كله على خلفية عملية "كاسر الموج" التي دخلت شهرها الثالث، وهي عملية تخلق احتكاكاً كبيراً في داخل مناطق السلطة الفلسطينية. في كل ليلة تدخل فيها قواتنا إلى مدينة فلسطينية، كجزء من عمليات الإحباط المطلوبة والمحقة، فإنها تُضعف صلاحيات ومكانة القوى الأمنية الفلسطينية. وتترافق عملية الاعتقال بحد ذاتها بإطلاق نار من هؤلاء الشبان الفلسطينيين. ويفرض إطلاق النار هذا عملية أُخرى والدخول ليلاً إلى المدينة في الليلة التالية للاعتقال، وهو ما يعرّض قواتنا لإطلاق النار، وهكذا تستمر الحلقة المفرغة. دائرة العنف تتوسع، والقوى الأمنية الفلسطينية تزداد ضعفاً.
بيْد أن الأمر الأخطر في هذه الساحة هو التقاء ضعف التنسيق الأمني وظاهرة عنف شباب "فتح" والصراع على الوراثة في اليوم التالي لأبو مازن. وهذا صراع بشع، نشهد بداياته منذ اليوم.
بناءً على ذلك، من المستحسن أن نحدد الفارق بين السلطة الفلسطينية وبين زعامتها. الأولى في نظر المواطنين الفلسطينيين، تمثل الدولة الفلسطينية على الطريق، ولذا فهي تحظى بشرعية وطنية، ومكانتها غير خاضعة للنقاش بتاتاً. على عكس زعامة السلطة الفلسطينية التي لا تُعتبر شرعية، في نظر الكثيرين. والطريق إلى زعامة فلسطينية جديدة ذات شرعية أقوى، يمكن أن تعبر من خلال موجة من العنف القاسي. وهذا العنف يمكن أن يشجعه المرشحون لمنصب الرئاسة.
في الخلاصة، كما في الأعوام الماضية، عرفت المؤسسة الأمنية كيف تواجه التحديات في فترة الأعياد، ومن المحتمل أن تفعل ذلك هذه المرة أيضاً. لكن من المفيد، ومن المستحسن تسهيل عملها وتخفيف الضغط غير اللازم. المقصود هنا الضغط الناجم عن اعتبارات المعركة الانتخابية، ويجب التخفيف من الحديث التقسيمي المتطرف والعدائي. وليس كل حادث أمني ناجماً عن نجاح الحكومة الحالية، أو إخفاقها. توطيد التنسيق الأمني هو مصلحة أمنية، وليس ضعفاً سياسياً.

عن "N12"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لواء في الاحتياط، ومدير معهد دراسات الأمن القومي.