خطاب لبيد “الجدلي”.. بين ثنائية “السلام والأمن” والبحث عن أصوات للكنيست المقبلة

حجم الخط

بقلم: سيما كدمون

اجتاز لبيد اختباراً آخر بنجاح أمس. وقف على منصة الأمم المتحدة، في المكان حيث وقف نتنياهو لسنوات طويلة، ولم تنشق الأرض. تحدث عن إيران، ولم يحدث شيء استثنائي. ذكر، باختصار كما ينبغي أن يقال، حاجة إسرائيل إلى دولتين لشعبين ولم ينصدم العالم. هكذا، بإنجليزية جيدة، بلا إثارة للشفقة وبنبرة شخصية، بشكل عديم الحيل ودون أي أحابيل أو استعراضات أو رسومات، نجح لبيد في نقل رسالة لم تسمع هناك منذ زمن بعيد. رسالة اعتدال، رسالة سلام، دون التقليل من احتياجات الأمن.
رسالة أمل لمن لا يزال يؤمن بالأمل. أثبت بأن معرفة رواية القصة، قصة دولة كاملة أو قصة شخصية لطفلة يمكنها أن تترك انطباعاً وتؤثر بقدر لا يقل عن خطابات حماسية وكفاحية. أما تعقيب نتنياهو بأنه خطاب ضعف وهزيمة وطأطأة رأس، فقد ذكّرنا أين كنا حتى الآن، وأن الأحاديث عن السلام لا تجعلنا أضعف، بل العكس.
لم يقل لبيد أمس أموراً لم يقلها من قبل. لم يشتبه أحد به أنه مع دولة واحدة للشعبين. ومع ذلك، فتسريبات خطابه نجحت في إيقاظ الساحة السياسية من الأقصى إلى الأقصى. أول من عقب كان رئيس الوزراء البديل نفتالي بينيت. حتى الآن، امتنع بينيت عن إصدار بيانات سياسية، وقد فعل هذا مرتين في أسبوع واحد: مرة حين عقب على حملة الاعتذار لشريكته وامرأة سره، آييلت شكيد، ووصف سلوكها بحالة ما بعد الصدمة. والمرة الثانية كانت يوم الإرهاب ليلاً عندما انكشف الموضوع الذي يعتزم لبيد الحديث عنه في الأمم المتحدة.
كلمة “انكشف” تقدم بعض الرأفة تجاه الحقيقة. فلا يدور الحديث عن كشف، بل عن تسريب مقصود من لبيد، الذي كان معنياً بأن يكون النقاش حول خطابه أطول قدر الإمكان. وقبل أن تقال حتى ولو كلمة واحدة على منصة الأمم المتحدة، عقبت الساحة السياسية من اليمين واليسار، وكأنها صدرت إلى النور.
في منشور طويل ومعلل، مستغلاً المنصة ليشهد على وجوده، تباهى بينيت بالطريقة التي اختارها، وبموجبها لا حاجة للخصام مع العالم دون حاجة، ولكن لا حاجة أيضاً للانثناء دون حاجة. وبعد أن عدد إنجازاته السياسية، عاد إلى الموضوع على جدول الأعمال: لا مكان لدولة أخرى بين البحر والنهر. لا جدوى أو منفعة من خطوة سياسية مع الفلسطينيين.
مثل تعقيبه على شكيد، لا يذكر بينيت لبيد باسمه، لكن اللذعة لا تترك مكاناً للشك: “حتى الأصدقاء الحقيقيون لدولة إسرائيل لا يتوقعون منا التنازل عن أمننا ومستقبلنا، لا يوجد ما يدعونا إلى التطوع بذلك”.
بينيت هو الوحيد في حكومة التغيير الذي خرج ضد خطاب لبيد. ليبرمان، الذي يعتبر من مقربي لبيد وحليفه، عجب أمس بالتوقيت الذي تم اختياره. “التوقيت غير صائب”، قال. “لا أفهم لماذا الآن بالذات بعد تهجم أبو مازن على إسرائيل وعندما لا يكون الموضوع على جدول الأعمال أساساً. ثمة ما يكفي من المشاكل المشتعلة، فلا معنى لإدخال الخلافات إلى حكومة التغيير. إذا أردنا إبقاء “إسرائيل بيتنا” و”ميرتس” في حكومة واحدة، فهو أمر يعتوره الفشل إذا أضيفت المشكلة الفلسطينية”.
يعتقد شركاء آخرون بأن لبيد أخطـأ. “الفترة التي كانت فيها وزير خارجية ورئيس وزراء بديل”، كما ادعى وزير كبير، “لم يرفع لبيد هذا العلم. لا مفر من التذكير بأن أسباباً انتخابية وراء عمله هذا، ومحاولة لنزاع أصوات من أحزاب أخرى في كتلة الوسط – اليسار لأجل توسيع حزبه. السؤال: هل هذا ما يحسم هذه الانتخابات، مصير حزبه أو قدرة الكتلة كلها على جذب أصوات يمين معتدل من الليكود إليها.
لبيد يكسر يساراً، هذا ادعاء شركائه في الحكومة. حرص على مدى عقد أن يموضع نفسه كحزب وسط – يمين، وهرب من الخطاب السياسي، أو على الأقل حرص على إبقائه غامضاً. وها هو قبيل الانتخابات يقرر رفع الموضوع الفلسطيني إلى جدول الأعمال في ظل كسر توافقاته مع شركائه في الحكومة.

وقال مصدر في حكومة التغيير إن “الإحساس هو أنه هو نفسه لا يؤمن بأن له إمكانية لتشكيل حكومة مع أي من أحزاب كتلة الطرف الآخر”.
من الصعب مجادلة الحجة بأن خطاب أمس استهدف الجمهور الإسرائيلي أكثر من أي جهة أخرى. لكن لا سبب يدعونا للوقوع عن الكرسي. منذ الأزل، استهدفت هذه الخطابات الآذان الإسرائيلية حتى في الأيام التي عرض فيها على المنصة رسم قنبلة تشبه النووي الإيراني.
لكن يبدو أن الغضب الأكبر موجود في المعسكر الرسمي. ربما لا يستطيع كل من “العمل” و”ميرتس” أن يشكوا: فماذا سيقولون، لماذا سرق لبيد أجندتنا؟ حتى لو كان هذا ما يشعرون به، فلا يمكن أن لا يرحبوا بالخطوة التي ستسرق أصواتهم. غانتس وساعر قصة أخرى تماماً؛ يصعب إليهما إخفاء الغضب. بهذه الأقوال، يقولون هناك، لبيد يساعد بيبي الذي سيجري مزيداً من الجولات من قبيل انظروا ما الذي يعتزمون عمله… سيقيمون دولة فلسطينية.
يدرك لبيد بأن هذا الخطاب يعزز نتنياهو، ومستعد لأخذ مخاطر، كما يقول المعسكر الرسمي. هو ليس في معركة ضد 61 مقعداً لنتنياهو، بل معركة داخل كتلته. سلم أولوياته هو استمرار الحكومة الانتقالية، وإذا لم يكن – فحكومة 61 لنتنياهو. كل هذا الخطاب استهدف أخذ الأصوات من غانتس وإعادة التنافس إلى رأسين.

يديعوت أحرونوت