من عام 67 إلى ما بعد أبو عاقلة.. هكذا كشف لبيد أكاذيب دولته أمام العالم

عميرة-هاس.jpg
حجم الخط

بقلم: عميره هاس

رئيس الوزراء يئير لبيد لم يكن الوحيد أمس أو الأول في تاريخ الأمم المتحدة الذي ألقى خطاباً مليئاً بالشعارات والأكاذيب وأنصاف الحقائق والدعاية والتشويه التاريخي والتصريحات المعطوبة والخيالية. إذا كان هناك من توقعوا من لبيد خطاباً أصيلاً مثيراً للإلهام، فهذه مشكلتهم. لبيد ليس الشخص الرفيع الإسرائيلي الأول (وليس الأخير أيضاً) الذي يحمل ذكرى الكارثة عبثاً كسلاح نووي ودعائي ناجح جداً لإسرائيل. ذكر الكارثة، وهذا متوقع جداً، استهدف إسكات كل انتقاد، حتى لو كان ضعيفاً، حول سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين.

المشكلة أن الكثير جداً من رؤساء الدول في الجمعية العمومية مستعدون للتصديق أو التظاهر بتصديق الدعاية الإسرائيلية أنها ديمقراطية وتحب السلام، وأنها ضحية بريئة لمؤامرات وأعمال إرهابية. هذا التظاهر ضروري كي لا تضطر هذه الدول إلى احترام المواثيق الدولية والقانون الدولي، لتتملص من اتخاذ خطوات حازمة ضد خروقات القانون الإسرائيلية المتواصلة. على سبيل المثال، اليزابيث تراس، رئيسة الحكومة البريطانية الجديدة، التي أعلنت أنها ستنقل سفارة بلادها إلى القدس. فهذا الإعلان جائزة أخرى لإسرائيل على الكارثة التي ألحقتها بالقدس الفلسطينية مع فصلها عن المناطق الأخرى التي احتلت في 1967، وجائزة أخرى على السياسة الثابتة للسيطرة على أراضي المدينة وطرد سكانها منها وتحويلهم إلى فقراء يحتاجون إلى المساعدة.

في تقارير الأمم المتحدة الثابتة عن تحكم إسرائيل بالفلسطينيين يمكن للزعماء ومستشاريهم والمراسلين الأجانب أن يجدوا معلومات حديثة وتاريخية تدحض تصريحات لبيد المتغطرسة والمضللة. سأقدم ملاحظات من أجل مساعدتهم وغيرهم على اكتشاف التفاصيل الكثيرة ومعناها:

1- تعالوا نبدأ بالتحديد من دفيئات غزة. كما يبدو قطعة الدعاية الأكثر وهمية التي تم سحبها من قاعدة البيانات من أجل هذا الخطاب: إضافة إلى جانب قوة عمل فلسطينية رخيصة، دفيئات المستوطنين على الأراضي الفلسطينية المسروقة يمكن أن تزدهر قبل الانفصال في 2005 لأسباب رئيسية ثلاثة، وتزويد للمياه العذبة من إسرائيل والقطاع، وتزويد دائم بالكهرباء وقدرة على الوصول إلى الأسواق والموانئ، هذه هي الشروط الثلاثة التي لم تكن موجودة وغير موجودة الآن للفلسطينيين في القطاع. إسرائيل تفرض على القطاع نظاماً مائياً ذاتياً (كأنها جزيرة منفصلة جغرافية عن باقي البلاد). في نهاية المطاف، كان من الجدير أن تضخ المياه للقطاع بكمية كبيرة (ليس بكمية قليلة، التي توفرها بعد دفع ثمنها الآن)، كتعويض عن الكمية التي تسحبها وتسرقها من الفلسطينيين في الضفة الغربية. منذ ثلاثين سنة وأكثر، هناك سحب زائد من مقطع الخزان الجوفي للقطاع. النتيجة ملوحة زائدة في أفضل الحالات (لذلك، المياه لا تناسب زراعات كثيرة)، وتلويث بسبب تسرب مياه المجاري والسموم. تزويد الكهرباء مشوش، سواء لأسباب فلسطينية ونزاعات داخلية أو بسبب القذائف الإسرائيلية التي تضر بالبنية التحتية، وتقييد كمية الوقود المستوردة وتدهور الاقتصاد الذي تتسبب به سياسة الحصار. بالأساس، منذ بداية الانتفاضة الثانية، فرضت إسرائيل قيوداً متشددة على إخراج المنتوجات من غزة إلى أسواق الضفة الغربية والخارج وإسرائيل. وإذا كان المزارعون تغلبوا على مشكلات المياه والكهرباء فسيعانون من فائض في الإنتاج وخسائر مالية كبيرة.

2- “ألقوا السلاح”. هذا ما يقوله رئيس دولة تستند قوتها الاقتصادية والدبلوماسية إلى صناعة السلاح والتجسس، التي تطورت في المختبر الأكثر نجاعة في العالم: الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي فيها من يجب قمعه بالسلاح، واعتقالات وتحقيقات مع السكان الذين يعارضون الحكم الأجنبي.

3- سياسة الإغلاق، أي القيود الصارمة على الحركة التي فرضت على القطاع في كانون الثاني 1991 قبل العمليات الانتحارية وصواريخ حماس وقبل إقامة السلطة الفلسطينية. إجراءات الإغلاق مرت منذ ذلك الحين بعدة تغييرات، لكن سبب هذه السياسة في حينه والآن هو سبب غير عسكري أو أمني، بل سياسي: فصل سكان القطاع عن الضفة الغربية لإحباط إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967.

4- “لقد قمنا بتفكيك قواعد الجيش في غزة”. مثلما تعتبر إسرائيل نفسها مخولة بالرد عن طريق القصف عندما يتم قصف نهاريا أو عسقلان، حتى لو كان قادتها يعيشون بين قيسارية والقدس، كما أن حماس أيضاً تعتبر نفسها مخولة، وحتى ملزمة، بالرد على أي مس إسرائيلي للفلسطينيين في الضفة الغربية. من حسن الحظ أنه لا يوجد لحماس عدد كبير جداً من الصواريخ كي ترد على الأضرار التي تنبع من الاحتلال الإسرائيلي – في الجسد وفي الصحة وفي الأرض وفي المياه وفي الحرية والممتلكات.

5- ما الذي سيحدث إذا ألقوا السلاح؟. إن تظاهر حماس بأنها خصم عسكري مساو لإسرائيل يفيدها سياسياً، ولكنه لا يحرر فلسطين. في المقابل، يفيد إسرائيل دعائياً.

6- الأنباء الكاذبة وصورة الطفلة القتيلة على الإنستغرام. يحتاج المرء إلى كثير من النقص في الوعي الشخصي، وعدم الاهتمام والجهل، حتى يدخل إلى مجال المعلومات الكاذبة عن شهداء العمليات العسكرية بشكل خاص والمدنيين الفلسطينيين “غير المشاركين” الذين قتلوا في عمليات القصف الإسرائيلية وإطلاق النار. الجيش، ضباطاً وجنوداً، كذب ويكذب مرات كثيرة فيما يتعلق بالقتلى الفلسطينيين. لم يتراجع عن أقواله عندما إلا إذا كانت القتيلة شخصية مشهورة وأمريكية مثل شيرين أبو عاقلة، أو عندما تتوفر أفلام تدحض روايته الأولى. البيانات الدقيقة عن القتلى المدنيين الكثيرين في أوساط الفلسطينيين يمكن العثور عليها في موقع “بتسيلم”.

7- الفلسطينيون ليسوا “جيراناً” لإسرائيل. هم أبناء شعب أصيل في أرضه، تطور وعاش في هذه البلاد بين النهر والبحر قبل الهجرة الصهيونية. إسرائيل، بدون صلة بالظروف التاريخية التي أدت إلى قيامها، قامت على حسابهم ومن خلال طرد أكثر من نصف السكان وإقامة نظام سياسي كان ينوي إبعادهم عنها منذ البداية.

8- إسرائيل ديمقراطية لليهود؛ أي ليست ديمقراطية. نحو 2 مليون فلسطيني هم الآن مواطنون إسرائيليون يتم التمييز ضدهم حسب القانون، سواء في توزيع الميزانيات وفرص العمل والتعليم، وهم مطرودون من أراضيهم ومن تاريخهم، وهم هدف لتعامل عنصري وأضرار عنصرية، سواء كأفراد أو سلطات محلية. الشرطة و”الشاباك” في إسرائيل يعرفون هوية الفلسطيني الذي قتل عجوزاً يهودية خلال ساعة، لكنهم لا يعثرون على مجرمين من مواطني إسرائيل الذين قتلوا مئات الفلسطينيين من مواطني الدولة. هذا وحده يلخص علاقة التمييز المهينة.

9- جميع إنجازات الفلسطينيين من مواطني إسرائيل في مجالات مختلفة هي ثمرة نضال مدني مستمر وحازم، وليس جميلاً تفعله إسرائيل لهم.

10- نحو خمسة ملايين فلسطيني يعيشون منذ 55 سنة تحت سلطة الاحتلال و”الشاباك” الإسرائيلي، سواء بشكل مباشر مثلما في شرقي القدس التي تم ضمها، وفي مناطق “ج”، أو بشكل مختلط (مباشر وغير مباشر) مثلما في جيوب السلطة، أو بشكل فعال مثلما في قطاع غزة. حكومة إسرائيل هي التي تحدد كل معيار مهم في حياتهم وتتحكم بحدودهم وموارد مياههم وأراضيهم، التي تثمنها كما تشاء، وتتحكم بحرية حركتهم وباقتصادهم وعلاقاتهم العائلية والاجتماعية. ولكن يتم حرمانهم من حقوق المواطن، ولا يمكنهم المشاركة في عملية انتخاب الحكومة التي تحدد حياتهم.

11- دولتان لشعبين. إن تكرار هذا الشعار الأجوف مثل الببغاء هو ضريبة كلامية مطلوبة في المنتديات الدولية. ولكن لا يجب اتهام لبيد ومستشاريه في دفع هذه الضريبة هنا. فالتهمة هنا ملقاة على الدول الأوروبية والعربية التي مكنت إسرائيل في الثلاثين سنة الأخيرة من تقطيع الأرض التي تم تخصيصها للدولة الفلسطينية وتحطيمها وتقسيمها إلى جيوب صغيرة ومعزولة ومحاطة بالكتل الاستيطانية الآخذة في التوسع. كأسلافه، عندما يتحدث لبيد عن “حل الدولتين” فإنه في الحقيقة يقصد حل السبع دول: إسرائيل الكبرى وست (وحتى أكثر) موشافات فلسطينية.

هآرتس