حماس وقرار العودة إلى سوريا:‏ المخاطر والتداعيات!!‏

d5ac27ef3d43cab70774aacef4bb6ff7.jpg
حجم الخط

بقلم د. أحمد يوسف

 

 

في سياق الرأي والرأي الآخر، لا تخلو مجالس ‏الإخوان هذه الأيام من نقاشات حادة حول ما ‏يُشاع عن رغبة بعض قيادات حركة حماس في ‏الخارج العودة إلى سوريا، وذلك في سياق ‏حسابات يبدو أن المصالح -للأسف- دافعها ‏الأول. إنَّ العملية في جانبها المتعلق بالمبادئ ‏والأخلاق تبدو مُحرِّجة، وستجر على الحركة ‏الكثير من الانتقاد من ناحية، وفقدان ثقة الشارع ‏الإسلامي من جهة ثانية، إذ أنَّ هناك من يرى ‏في هذه الخطوة أنها متسرعة، ولا طائل من ‏ورائها حالياً، وهي إن تمَّت ليست أكثر من ‏مغامرةً متهورة لبعض الإخوة في القيادة ممن ‏استهوتهم مظاهر الزعامة!! ولم يعد أحدهم ‏يكترث برأي الأغلبية من إخوانهم في الداخل ‏والخارج، ولا حتى بأصوات الكثير من علماء ‏الأمة ممن تحدثوا وأرسلوا تحذيراتهم من العواقب ‏الوخيمة لمثل تلك الخطوة وتأثيرها على مكانة ‏و"مصداقية" حماس؛ كحركة تحرر وطني براية ‏إسلامية.‏
من المؤسف، إنَّ بعض قيادات الحركة في ‏الخارج ما تزال تجادل وتُصّر على رأيها، ولم ‏تُلقِ بالاً ً بما يقول كلُّ هؤلاء العلماء والدعاة ‏والشخصيات الإسلامية الوازنة، والتي أخذت ‏آراؤهم وتصريحاتهم طريقها إلى الفضائيات ‏الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، بما ‏يُشكِّل مخاوف كبيرة لاحتمالية تراجع الحاضنة ‏الإسلامية العالمية في تأييدها ودعمها لحركة ‏حماس، وتعريض صورة مقاومتها الباسلة ‏للاحتلال للطعن والتشويه.‏
‏ إن الموقف من النظام السوري لم تتغير الآراء ‏حوله كثيراً؛ لأنَّ النظام في جوهره "لم يُغيّر ولم ‏يُبدِّل"، وأن الشعب السوري الذي احتضن حركة ‏حماس وقدَّم لها من الدعم المالي والمعنوي أكثر ‏مما قدَّمت دول الخليج مجتمعة، يستحق منَّا أن ‏نراعي- على الأقل- مشاعره، وألَّا نغفل عما ‏أصابه من مآسي وأحزان، وهو ما زال يعاني ‏حتى اليوم من ظلم النظام الحاكم في بلده، ‏وينتظر من إخوانه في حركة حماس مراعاة ‏مظلوميتهم، وألَّا يكونوا سهماً في الخاصرة، ‏بالوقوف إلى جانب من ظلمهم وتسبب فيما ‏جرى لهم من فاجعة وكارثة إنسانية، دفعت ‏الملايين منهم للهجرة والتشرد خارج البلاد.‏
لا شك أن مثل هذه الخطوة وتصريحات أخرى ‏سبقتها من بعض القادة في الحركة، قد فتحت ‏الباب للكثير من السوريين، وكذلك المتعاطفين ‏مع مظلوميتهم في العالمين العربي والإسلامي ‏والذين لانشك في طهارة نواياهم أن يتطاول ‏البعض منهم في اتهام حماس بأنها غدت أداةً ‏لحلفاء النظام السوري، وممن يتهمهم هؤلاء ‏السوريين المشردين أنهم شركاء في الجريمة التي ‏حطَّت في ديارهم، وأن حماس -هذه الحركة ‏الإسلامية العظيمة- قد فقدت الرؤية وصوابية ‏الموقف باصطفافها إلى هذا الحلف، وبشكل ‏ربما يُبعدها عن أدبيات القيم والمبادئ التي ‏تُجلّي شعاراتها، وتزِّين تاريخها النضالي العطر، ‏والارتهان إلى حسابات من المصالح الضيقة ‏لدى البعض، وما يعنيه ذلك من "مقتلة" أو ‏طعنة لكلِّ ما اعتقده جمهور الأمة من الحق ‏والطهارة والمشروعية في دعمه لحماس وحركتها ‏الشعبية في مقاتلة الظالمين من الصهاينة ‏المعتدين.‏
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كلّ هذه الهرولة ‏في التصريحات التي نسمعها من بعض إخواننا ‏في الحركة، والذين يدفعون بحجج واهية للتقارب ‏من نظام ظالم لم يتصالح بعد مع شعبه، وما ‏زال معزولاً إقليمياً ودولياً. ‏
وما الذي يخشاه بعض قيادات حماس في ‏الخارج، لتبدو وكأنها تتسول العودة إلى سوريا، ‏لإرضاء بعض حلفاء النظام في المنطقة. ‏
والسؤال الآخر الذي يفرض نفسه كذلك: تُرى ما ‏هي ردة فعل الإسلاميين -وهم بالملايين حول ‏العالم- تجاه هذه الخطوة المتعجلة في ركون ‏بعض قيادات الحركة إلى الذين ظلموا؟ وهل ‏يكفي القول إنها إكراهات المصلحة و"حكم ‏الضرورة" التي فرضت عليهم ذلك، أو أنها ‏الحاجة إلى المال والنصير، وأنها ليست أكثر ‏من مجرد خطوة لتأمين "مثابة آمنة" إذا ما ‏غدرت بهم الأيام، وأُخرجوا من حصون الغربة ‏إلى منافي جديدة.‏
في السابق، كان يتهمنا خصومنا من العلمانيين ‏أننا "طهابيب" سياسة، وكان ردنا أننا أصحاب ‏مبادئ، والسياسة عندنا هي مصالح تحكمها ‏المبادئ والقيم. للأسف، اليوم نبدو كتلك التي ‏نكثت غزلها أنكاثاً؛ حيث إن علاقاتنا بالكلِّ ‏الإسلامي أخذة في التصدع، وأن "المصداقية" ‏التي كانت رأس مالنا في كلِّ الساحات ‏الإسلامية هي اليوم محل تساؤل وتشكيك.‏
نحن لا نعترض -مبدئياً- على فكرة العودة إلى ‏سوريا، فهي دولة شقيقة وحاضنة للآلاف من ‏أبناء شعبنا، وحركة حماس لم تنكر فضائل ‏أهلها، ولكن الاحتجاج هو على مسألة التوقيت، ‏إذ لم يتغير شيء في تعاملات النظام السوري ‏القاسية مع شعبه، وهناك ملايين النازحين ‏واللاجئين منهم تجأر إلى الله ممن ظلمهم أو ‏تواطأ مع من ظلمهم.‏
إن من يتابع إعلام النظام السوري لن يجد ‏ترحيباً بالخطوة، التي تتحرك بها بعض قيادات ‏حماس، وإن مناخ الخطاب الرسمي إعلامياً يأتي ‏على شاكلة: "إن جاءوا.. فليأتوا صاغرين"!!‏
باختصار.. يمكننا القول بأنَّ هذه الخطوة في ‏اتجاه العودة إلى سوريا الآن غير موفقة من ‏وجهة نظري، وليست حاجة ملحة ينطبق عليها ‏حكم الضرورة، وبالإمكان الانتظار إلى انفراج ‏العلاقة مع النظام في المشهدين العربي ‏والإسلامي، وحدوث بعض مظاهر التصالح ‏والحلِّ مع إخواننا السوريين في المنافي ‏والشتات، تسمح لنا بالقول: "ما خذلناكم"، والآن ‏بعودتكم إلى دياركم حصحص الحق لنا بالتحرك ‏لعودة العلاقة مع سوريا، والتي كانت ركيزة قوية ‏لنضالنا الفلسطيني.‏
أقول لمن يتعجلون العودة إلى سوريا بأي ثمن، ‏وفقط لتسجيل موقف يرضي بعض حلفائهم ‏وإخواننا في بيروت وطهران، إن هذه الخطوة لو ‏تمَّت فإنها ستكون أول شرخ كبير في علاقة ‏حركة حماس مع قاعدتها الإسلامية وارتباطاتها ‏التنظيمية في الداخل والخارج.‏
نعم، هناك من يهمس في مجالس الإخوان ‏الخاصة بضرورة التحرك وإعلان البراءة من مثل ‏هذا الموقف، والتشهير بكلِّ من يقف خلفه أو ‏يدعو له من عليِّة قادة حماس في الخارج أو ‏حتى بالداخل، وهذا إن تمَّ فقل على حماس ‏الشعب والقضية وصفحاتها الوضيئة وحركتها ‏ومقاومتها السلام.‏
كلمة أخيرة؛ لإخواننا وأحبابنا من قيادات حركة ‏حماس.. من ضاقت به منافي الغربة ويخشى أن ‏تقلب له بعض الأقطار ظهر المجن، فإنَّ أكناف ‏بيت المقدس أبوابها مشرعةً شوقاً إليه، وغزة ‏المحررة تناديه للرباط والشهادة على أرضها ‏الطهور، إذ إنَّ قدرَ الثائر -أيها الإخوان- ليس ‏الغربة بل الوطن. ‏