هموم المقدسيين كثيرة ومتشعبة، وطابع الهجمة عليهم من قبل دولة الكيان بأجهزتها الأمنية والمدنية لا تتوقف،والهدف حسم السيادة والسيطرة على المدينة،وتحويلها الى مدينة يهودية،بحيث يصبح الوجود العربي الإسلامي المسيحي فيها،جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع،بعد استمكال سياسات التطويق والإختراق والتفتيت لقراها وبلداتها المقدسية الواقعة داخل جدار الفصل العنصري،ناهيك عن توسيع مساحة المدينة،لكي تصبح 10% من مساحة الصفة الغربية، بعد ضم الكتل الإستيطانية الكبرى اليها من مجمع مستوطنات” غوش عتصيون” جنوب غرب القدس مررواً بمستوطنات “افرات” جنوب بيت لحم،فالمستوطنات المقامة على أراضي قرية الولجة وبتير وصولاً لمستوطنات مدينة القدس “بسجات زئيف” و”النفيه يعقوب” و”رمات شلومو” ومن ثم نحو الشمال فمستوطنات “شاعر بنيامين وآدم”،ومستوطنات المجمع الإستيطاني الواقع شرق مدينة القدس “معاليه ادوميم”،وبما يجعل من أي إمكانية لإعادة تقسيم المدينة او التخلي عن أحيائها العربية في أي حل سياسي قادم،خارج إطار أي عملية سياسية تفاوضية.
ومن هنا نجد بأن دولة الكيان تشن حربها الشاملة على المقدسيين بدون توقف ولا فواصل،وما ان يلتقطوا أنفاسهم ويخرجوا من أزمة حتى يدخلهم المحتل في أزمة اخرى،او في سلسلة متوالية من الأزمات،هي تشاغلهم في قضايا التطهير العرقي ،كما هو الحال في سلوان والشيخ جراح،وهدم المنازل في مختلف احيائها،وفي جبل المكبر على وجه التحديد،ناهيك عن تكثيف الإستيطان وإقامة المزيد من المخططات والمشاريع الإستيطانية،وكذلك الحرب المستمرة على المسجد الأقصى،لفرض وقائع جديدة تغيير من طابعه الديني والتاريخي والقانوني،وبما يكرس التقسيم الزماني والمكاني فيه،ويفتح الطريق نحو إيجاد قدسية وحياة يهودية داخله،مع سيطرة إدارية وأمنية،ورفع للقدسية عن ساحاته غير المسقوفة.
وليس هذا فقط،بل دولة الكيان تستهدف المقدسيين في تفاصيل حياتهم الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية،سواء لجهة الضرائب الباهظة متعددة الأشكال المفروضة عليهم،وبالذات ضريبة المسقفات ” الأرنونا”،والسعي لربط كل تفاصيل حياتهم والخدمات التي يجب ان تقدم لهم،عبر مؤسسات يغلفها الإحتلال بالطابع المدني والخدماتي،ولكنها في النهاية تخضع للمستوى الأمني،من مراكز وشرطة جماهيرية ولجان عشائرية وأسرية ..الخ،ويكفي هنا أن أشير بأن ال 17 لجنة المعينة للتعامل مع سكان المدينة العرب ،15 منها يترأسها رجال أمن سابقين.
يضاف لكل هذا الحرب المفتوحة على المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس، حيث تسعى بلدية الكيان ودائرة معارفها بموافقة المستوى السياسي الى إزاحة المنهاج الفلسطيني بشكل كلي من مدينة القدس،وإستبداله ليس بالمنهاج الفلسطيني ” المحرف ” أو ” المعدل،بل بالمنهاج الإسرائيلي،وبما يمكن من تشويه وعي طلبتنا” و”كيه” و”تجريفه”،وبما يسيطر أيضاً على ذاكرتهم الجمعية،ويلغي أية مضامين وطنية ودينية متعلقة بحقنا ووجودنا وتاريخنا وكينونتنا وثقافتنا وهويتنا العربية الفلسطينية.
ومن هنا يبرز السؤال الملح والجوهري
هل قيام قيادة شعبية علنية موثوقة في القدس ،قادرة على الفعل والعمل ما بين المقدسيين،والدفاع عن حقوقهم المطلبية والمدنية اقتصادية واجتماعية وخدماتية،ضد “تغول” بلدية الكيان عليهم ، واستخدام جزء كبير من الأموال التي تجبيها منهم كضرائب مسقفات “ارنونا” و مخالفات بناء وغرامات لتمويل المستوطنات وفتح الشوارع فيها ،وتحويل جزء من هذه الأموال لتطوير القسم الغربي من المدنية ،وكذلك استمرار تلك البلدية بهدم بيوت المقدسيين ومنعهم من البناء والتوسع فيه،وعدم اقامة مخططات هيكلية تستجيب لمصلحة السكان ونسبة تزايدهم الطبيعي ،وأيضاً السعي لفرض منهاج تعليمي اسرائيلي عليهم ،يمس بهويتهم وثقافتهم وكينونتهم ويُقصي سرديتهم وروايتهم التاريخية ويزور تاريخهم ….وغيرها من القضايا المطلبية الأخرى من حقوق مدنية مجتمعية اقتصادية إجتماعية، تجعل من الضروري خوض نقاش جدي ومفتوح حول إمكانية العمل على خلق مرجعية شعبية مقدسية علنية،تعبر عن إرادة المقدسيين ،وتكون الصوت الأمين المدافع عن تلك الحقوق،وبما لا يقفز عن ولا يمس بالحقوق الوطنية والسياسية لشعبنا الفلسطيني ..؟؟
هذه القيادة العلنية التي سيناط بها المسؤولية للدفاع عن تلك الحقوق والقضايا، تأتي لكي تقطع الطريق امام كل من يحاولون،أن ينفذوا ويشرعنوا سياسات وإجراءات دولة الكيان في المدينة،وكذلك الوقوف أمام عمليات الإختراق في مجتمعنا المقدسي،وخاصة بأن السلم الأهلي والمجتمعي في مدينتنا مستهدف ،وكذلك هناك قضايا أسرية وعائلية،يجب ان تبقى في إطار المعالجات الداخلية،بعيداً عن أية تدخلات من شأنها،ان تسهم في تفكك وإختراق ” جدران” و”حصون” أسرار خلافاتنا وإشكاليتنا الأسرية والعائلية.
لا يغيب عن الذهن بان هناك من يريد أن يوظف مثل هذا الطرح،لكي يقول كلمة حق يراد بها باطل، لماذا لا نشارك في الإنتخابات لبلدية الكيان ..؟؟،والتي قد نستطيع من خلال تلك المشاركة،ان نحصل على عدد من المقاعد في البلدية،تجعلنا قادرين على التأثير في سياسة بلدية الكيان،ولجمها عن ” التغول” على حقوقنا ،ومنعها من تنفيذ خططها وبرامجها المتعارضة مع حقوق شعبنا الفلسطيني،وهنا أقول بشكل واضح بأن القيادة الشعبية العلنية،ليس لها أي دور سياسي ،ولا يحق لها أن تقفز عن الحقوق الوطنية والسياسية،فالمشاركة في إنتخابات بلدية الكيان،يشرعن سيادة دولة الكيان علي المدنية، تلك المدينة المحتلة وفق القوانين والإتفاقيات الدولية، وكذلك هذه المشاركة،فيها إقرار بأن القدس عاصمة لدولة الكيان، واعتراف صريح بشرعية ضمها ،ولذلك نقول بأن خيار إقامة جسم شعبي موثوق يعبر عن إرادة المقدسيين،ويناضل من أجل انتزاع حقوقهم المطلبية المدنية الإقتصادية الإجتماعية الخدماتية ،يشكل ضمانة وحماية لمجتمعنا المقدسي من التجار والسماسرة ،وكل من يريدون ربط مجتمعنا المقدسي ودمجه في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي ،فمعظم الأجسام التي يجري تشكيلها كلجان خدماتية وغيرها ،يجري تعينها من قبل بلدية الكيان وأجهزتها الشرطية والأمنية،وإن حملت صيغ وعناوين اللجان المدنية الخدماتية.
إن المطروح ليس بلدية ظل ،أو انتخابات لمجالس بلدية ومحلية،بل هي قيادة شعبية علنية يجري التوافق عليها من المقدسيين أنفسهم،وخروجها للنور،يجب أن يكون هناك ضغط على القنصليات والممثليات الأوروبية وروسيا والصين،لكي تعترف بهذه القيادة العلنية،وتمارس ضغوطا على دولة الكيان،من أجل عدم التعرض لأعضائها والتعاطي معها كجسم شعبي،يريد أن يعمل على إحقاق الحقوق المطلبية والمدنية لسكان المدينة المحتلة ،فسكان المدينة العرب يدفعون ما قيمته 30% من الضرائب التي يدفعها مجموع سكان المدينة،ولا يتلقون ما لا يزيد على 7% من قيمة تلك الضرائب والأموال التي تجبى منهم .
أنا اعترف بأنها فكرة تحتمل الخطأ والصواب،وفي طريقها الكثير من “المطبات” والصعاب التي تعترض طريقها …فهناك من سيعتبرها فكرة تمس بمصالحه او تصادر دوره ،وهناك دولة الكيان،والتي ترى في تلك القيادة الشعبية، إفشال لمشاريعها ومخططاتها في المدينة،وإضعاف لشخصيات وقيادات تعمل على خلقها و”صنعها” لكي تكون الممثل لسكان المدينة العرب،ولكن بما لا يخرج عن إطار سياساتها ومشاريعها فيها.