المرأة شريكة الرجل في الحياة وهي نصف المجتمع. وبالتالي، من حقّها ان تلتفت إلى جوانب مختلفة من حياتها، ومنها الجانب العمليّ. ذلك أنها ستكون مستقلّة نفسياً ومعنوياً ومُساهمة مادياً وشريكة فعلياً! والعمل لا يتطلّب التفرّغ التام او إهمال الواجبات المنزلية، بل هو جزء مكمّل. وبخطوات بسيطة، يمكن البدء بتأسيس عمل... حتى من داخل المنزل!
كلّ إنسان يمتلك موهبة مخبّأة أو شغفاً تجاه أمر معيّن أو نظرة خاصة إزاء عمل ما، تجعله متفرداً عن الآخرين. لكن ما الضير إذا كان هذا الشخص سيّدة، تمتاز عن سواها بخصلة تمكّنها من مزاولة هواية، لربّما تحوّلت لاحقاً إلى مهنة ومصدر رزق؟
كثيرة هي الأعمال التي يمكن المباشرة بها من المنزل، أو في أوقات الفراغ، أو حتى بعد الدوام في حال كانت السيدة موظّفة، كتصميم المجوهرات والحلي أو الخياطة والتطريز أو تصميم الحقائب، أو الرسم أو النحت أو كتابة القصص أو العناية بالأولاد أو الدروس الخصوصية وسواها من «المهن» التي لا تستأثر بكامل الوقت.
سمير قسطنطين، مدير مؤٍسسة «وزنات» للاستشارات، يشرح أهمية التوجيه المهني والأكاديمي أولاً، وتدريب الموارد البشرية في المؤسسات ومساعدتها على تأسيس عملها الخاص.
ويتطرق طوني أبو غزالي، مؤسّس اكاديميّة The Agenda Beirut الى مختلف المجالات المتاحة أمام السيدات والتي تمكنهنّ من تطوير مهاراتهنّ وتحسين نوعيّة حياتهنّ وحتى البدء بتأسيس عملهنّ الخاص.
وتتناول ريتا أبو سمرا، الاختصاصية في علم الاجتماع، أهميّة عمل المرأة في مجتمعاتنا، وقدرتها على البدء من الصفر لتأسيس مهنة تستمر مدى العمر، ضمن إمكانات متواضعة في البداية.
خيارات وظروف
إذا قرأنا عدداً من السير الذاتية لأشخاص مشاهير في مختلف المجالات، نلاحظ أنّ بداياتهم كانت متواضعة، إذ انطلقوا في العمل من باب التسلية، أو لتنمية هواية معيّنة. هذا ما نصادفه في غالبية القصص! لكن، اين نحن من التوجيه المهني والأكاديمي الصحيح؟
فالخيارات الخاطئة في نوعيّة الاختصاصات، وعدم توافر فرص عمل لكلّ حاملي الشهادات، ودفع الأهل أولادهم نحو مهنة معيّنة... غالباً ما تنتهي بمزاولة عمل لمجرّد العمل، او ربّما بالبطالة!
من المهمّ جداً اختيار مهنة ترافق المرء طوال عمره، تنبع من شغف وتتطوّر احترافاً، إضافةً إلى كونها تتماشى مع الأوضاع العلمية والمالية والاجتماعية وحتى التكنولوجية للمنطقة!
نلحظ عدداً لا يُستهان به من الناس يزاولون مهنة مغايرة لاختصاصهم، أو يعملون في إطار مختلف تماماً، وذلك رغبةً منهم في تحقيق حلم سابق.
من جهة أخرى، قد تُجبر المرأة بشكل خاص على التوفيق ما بين عملها ومنزلها وأولادها، ما يُضطرّها أحياناً إلى التخلّي عن وظيفتها ذات الدوام الطويل، لتلازم المنزل! لكن من قال إنّ هذا نهاية المطاف؟ هذه ليست سوى نقطة البداية...
بغضّ النظر عن العمر والخبرة والمستوى العلمي والحالة الاجتماعية والوضع الاقتصادي، بإمكان أيّ شخص أن يخوض تجربة امتلاك «مشروع منزليّ» خاص به لتحصيل دخل إضافي، أو بهدف الإنتاجية وإثبات الذات. كثيرات هنّ النساء اللواتي يضطررن إلى دخول معترك العمل في مرحلة متقدّمة من حياتهنّ، أكنّ أرامل أم معوقات أم مطلّقات أم ربّما بسبب الظروف المعيشية السيئة، أو انطلاقاً من الرغبة البحتة في تحويل أوقات الملل والفراغ إلى طاقة إيجابيّة.
أكاديميات تعليمية وصفوف متخصّصة
إنّ الحاجة إلى العلم لا تقتصر فقط على حيازة شهادة جامعية، إذ يمكن المشاركة في ورش عمل وندوات ومؤتمرات تدريبية تعليمية من شأنها أن تصقل الهواية وتنمّي القدرات. يؤكّد السيد أبو غزالي «انّ أكاديمية The Agenda Beirutمنبر تعليميّ لكلّ من يرغب في تعميق معلوماته أو تطوير مهاراته في مجال معيّن، بحيث يتعاقب خبراء من مختلف المجالات لإرشاد المرء عبر ندوات وورش عمل مكثّفة، حول خبايا المجال الذي اختاره. يتمّ ذلك عبر خمس جلسات، تمتدّ على 5 أسابيع أو تُختصر في جلسة واحدة مطوّلة، وفق الخبير، وتكون المجموعات صغيرة، بحيث يتمّ التركيز على كلّ شخص بمفرده».
ويتابع: «إنّ تأسيس هذا النوع من الأكاديميات مردّه الطلب الكثيف على تحصيل العلم بشكل عمليّ وليس تطبيقيّاً فقط، والإقبال على التسجيل في مختلف الميادين الحياتيّة».
تتنوّع الصفوف المتوافرة لترضي شريحة واسعة من السيدات العاملات، أو ربّات البيوت، أو طالبات الجامعات، وسواهنّ...في أوقات فراغهنّ. كما قد يشارك الرجال، وإن بنسبة خجولة في بعض الندوات وورش العمل.
موهبة فهواية فمهنة
إنّ تأسيس عمل خاص أمر يتطلّب الجهد والمثابرة والوقت والاحتراف، غير أن له في الوقت ذاته مردوداً كبيراً، من ناحية الاستقرار النفسي والمادي وإمكانية التحكّم بالزمان والمكان. إذ اصبح في إمكان كلّ سيّدة متعلّمة، مثقفة، أو حتى موهوبة في مجال معيّن أن تبدأ بخطوات بسيطة، بهواية قد تنقلب مهنة!
تقول أبو سمرا: «تشكّل المرأة نصف المجتمع، وبالتالي هي شريكة الرجل في كلّ شيء، ولا شيء يمنع أن تكون ربّة عمل أيضاً. من هذا المنطلق، يأتي دور الوعي حول موضوع العمل من المنزل، لأنه ذو أهمية قصوى، نفسية، اجتماعية وحتى مادية: فبالنسبة الى الشق النفسي والمعنوي، تشعر السيدة بالإنتاجية والاكتفاء الذاتي والفخر والمساواة، وينمو لديها حسّ المسؤولية وأهمية الوقت والالتزام والمثابرة. أمّا اجتماعياً، فتتبلور صورتها بين الناس، خاصةً عندما تنشط في مجال عملها وتبرع في ما تحبّ لتصبح قُدوة لسواها. كما انّ علاقاتها العملية تنخرط أيضاً في سياق الاجتماعيات، لأنّ العمل الفرديّ يتطلّب علاقات عامة للنجاح، خاصة في البداية. ويبقى المنحى الأخير، ألا وهو العامل الاقتصادي الذي له تأثير إيجابيّ في نوعيّة الحياة، إذ تساهم المرأة في المدخول وتساعد شريكها في الأزمات المعيشية المتكرّرة التي تشهدها البلاد».
وتجدر الإشارة إلى أنّ مجالات العمل واسعة جداً، وتلبّي مختلف الكفاءات والإمكانيات والطاقات، وتتماشى مع كل المجتمعات وتناسب عدداً كبيراً من السيدات. فأيّ هواية أو شغف قد يتحوّل مهنة: من التطريز والعمل اليدوي وصناعة العباءات، مروراً بتصميم المجوهرات والأكسسوارات، إلى إبتكار أفكار حديثة للهدايا والتذكارات، وصولاً إلى تعهّدات الطعام والحلويات، أو التعليم الخصوصي، أو الرسم على الأقمشة أو الزجاج والنحت والكتابة والتأليف والموسيقى. كما يمكن التفكير بمشاريع ترفيهية للأطفال أو بخدمات تجميلية للنساء، أو بالعمل على الإنترنت في مختلف المجالات... ومن الهواية تولد فرص العمل من الصفر وتكبر وتتوسّع وقد تصبح ربما «مؤسّسة» أو عملاً خاصاً أو مصلحة متداولة في العائلة!
الطريق إلى المستقبل...
في بعض الأحيان، يشعر المرء بالحاجة إلى صقل موهبته بالتخصّص، فيبحث عن معهد أو جامعة ينمّي طاقته من خلالها ويتعرّف الى أصول المهنة التي اختارها ويدرس نظرياتها قبل الانتقال إلى تطبيقها. ولا شيء يمنع المرأة من متابعة تحصيلها العلمي أو إضافة اختصاص جديد إلى مهاراتها.
يبيّن السيد قسطنطين انّ «مؤسّسة «وزنات» وضعت كتاباً فريداً من نوعه في لبنان والعالم العربي بعنوان «خريطة الطريق إلى المستقبل»، وهو يتضمّن بيانات عن 130 مهنة واختصاصاً جامعياً، إضافة الى معلومات عن الاختصاص بحدّ ذاته في الجامعات، ومجالات العمل المتوافرة في هذا الميدان. وهذا منوط بنشر الوعي لدى مختلف التلامذة حول أهمية صنع خيارات جيّدة توفّر لهم النجاح لاحقاً في الحياة المهنية وليس على مقاعد الدراسة فحسب».
لذا، فالحصول على المساعدة من خلال الإرشاد السليم يساهم إلى حدّ كبير في وضع السيدة على الطريق الصحيح.
ويضيف قسطنطين: «تُعنى «وزنات» بشكل أساسي بتنمية الطاقات البشرية. وقد طوّرنا برنامجاً لتحديد مواقع القوّة والضعف وفرص النموّ في المؤسسات، بهدف مساعدتها على الانطلاق منذ ما قبل مرحلة التأسيس. إذ نهتمّ بتدريب الموارد البشرية بغية تنمية المهارات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مهارات التواصل والقيادة والإدراة والتنظيم وحلّ النزاعات، والعمل الفريقي، وإدارة الوقت وتنظيم المشاريع وآليّة صنع القرار... وسواها».
على الطريق الصحيح
يقول السيد أبو غزالي: «على السيدة الراغبة في تحسين نوعية حياتها أن تقوم بالخطوة الأولى، ألا وهي البحث عمّا يجذبها من هواية أو موهبة، لتعمل على تطويرها. فمن خلال الأكاديمية، يمكنها الانتقاء ما بين صفوف تُعنى بالفن والجمال والمجتمع والموضة، بحيث تتوافر صفوف خاصة بالماكياج والتصوير والديكور وتصميم الأزياء وتنظيم الحفلات والـ Social Media وPublic Speaking وسواها، وفق الرغبة والطلب». ولا بدّ من التنويه بأنّ مختلف ورش العمل هذه لا تتطلّب خلفيّة مهنيّة أو مؤهلات خاصة. فما على المرء سوى التسجيل والحضور والمشاركة!
ويضيف: «إنّ المساحة التعليمية المتاحة تفسح مجالاً لكلّ سيّدة حائرة كي تتوجّه إلى الطريق الصحيح، عبر خبرات ونصائح جوهرية وإرشادات أشخاص مخضرمين في مجالهم. إذ لا يقتصر التعليم على «أساتذة ومعلّمين»، بل يتعدّاه إلى خبراء وناشطين في مختلف المجالات».
قد يكون الهدف من التعلّم هو تعبئة أوقات الفراغ وتنمية القدرات، كما قد يشكل «علاجاً نفسياً» بامتياز أحياناً. كذلك هو مفيد جداً كحجر أساس للبدء بمسيرة عمل فرديّة بجهود خاصة وإرادة وتصميم.
مهارات حياتيّة
المرأة بطبعها كائن متعدّد المهمات، فهي سيّدة وزوجة وأمّ وربّة منزل وموظّفة وطاهية ومدرّسة وسائقة وممرّضة ورفيقة وشقيقة وغيرها من الأمور... في شخص واحد! وهذه المزايا تجعل منها فرداً فاعلاً في المجتمع. وكما في كلّ أمر، فالحصول على الدعم والإشادة من المقرّبين أولاً من شأنهما أن يمنحا السيدة ثقة زائدة بالنفس، لتنطلق بكلّ ما أوتي لها من قوة في مشروع خاص بها، تحقّق من خلاله ما تصبو إليه، من دون أن يتضارب ذلك مع مصالحها أو حياتها العائلية أو واجباتها.
تؤكّد أبو سمرا: «المهارات الحياتية المختلفة التي تتمتّع بها كلّ سيّدة تجعل منها مشروع «سيّدة أعمال» بامتياز، بمعنى انها تستطيع التوفيق بين مختلف الأمور القيادية والإدارية والتنفيذية والتخطيطية. وهذه أركان كلّ عمل ناجح. لكن من المهمّ أن تضع نصب عينيها هدفاً تسعى الى تحقيقه. إذ إنّ الهواية والتسلية والشغف والموهبة شيء، والمهنة والاحتراف شيء آخر، إذ تتداخل عندها عوامل أخرى مثل الالتزام والتعامل مع الغير والعلاقات العامة والمجهود النفسي والتقيّد بالمهل والاستثمار المادّي في المشروع».
إرشادات بسيطة
- إذا أردتِ ان تبدئي بعملك الخاص، ضعي نصب عينيك بضعة معايير لترتكزي على أسس متينة قبل «قصّ شريط الافتتاح»:
- ضعي هدفاً محدّداً.
- حدّدي نقطتي الانطلاق والوصول.
- ركّزي على مهاراتك وقدراتك.
- فصّلي هويّة المشروع.
- تعرفي الى السوق والشريحة المستهدفة وفق المعايير العمرية والفكرية والمهنية والاجتماعية والمادية.
- ضعي خطّة إستراتيجية.
- وطّدي علاقاتك الاجتماعية والعامة بأشخاص ذوي صلة او كفاءة وخبرة في المجال.
- خصّصي موازنة للمشروع فقط مع احتساب مبلغ للمصاريف المستجدّة.
- اهتمّي باختيار الاسم والشعار والألوان وكذلك بالتأثيرات البصرية والسمعية.
- انشطي على مواقع التواصل الاجتماعي وسواها لتحفيز الشق التسويقي.
- اختبري فعالية الفكرة على مجموعة مصغّرة.
- وازني بين السعر والنوعية.
- راقبي التطوّر الحاصل في عملك من خلال ردود الفعل والتجاوب.
- إحصلي على الدعم من شريكك وعائلتك والمقرّبين.
- انطلقي بالعمل، ثابري، اجتهدي ولا تخاطري على نطاق واسع.
شهادات
نورما مدوّر فرح
ربّة منزل منذ 24 سنة وأمّ لبنتين، جوي وليا. منذ 6 سنوات، قرّرت أن تصبح شخصاً «منتجاً» وانطلقت في مسيرتها العملية، بحيث دفعها حبّها للموضة والجمال إلى افتتاح Fashion Boutique خاص بها. بعدما كبرت ابنتاها، حاولت ملء الفراغ وتحسين نوعية حياتها، فبدأت بتنسيق الملابس والطلاّت على سبيل الهواية وتطوّرت في مجال عملها. وها هي توفّق ما بين إدارة بيتها وشغفها بالموضة.
بتول بيطار فرح
سيّدة متزوجّة وأمّ لخمسة اطفال، حائزة شهادة في علم الاجتماع وعلم التربية من الجامعة الأميركية في بيروت، لكنها إمرأة غير عاملة. تهوى العلم وتحبّ أن تملأ وقت فراغها، لذا اختارت الانضمام إلى أكاديمية The Agenda Beirutوتسجّلت في صفوف عدّة مثل الـ Luxury Branding وفن الماكياج وتنظيم الحفلات وغيرها... كما تسعى الى تطوير معرفتها في سائر المجالات، في الوقت الذي يناسبها، من دون أن تقصّر في واجباتها تجاه عائلتها وأولادها. تحبّ الأكاديمية لأنها منبر تتعرّف من خلاله الى خبراء وتتحاور مع أشخاص جدد. وتأمل أن تجد ما يمكّنها يوماً من إطلاق مشروع عمل خاص بها، بناءً على كلّ ما اكتسبته من معرفة. هي تنتقي الصفوف وفق ما تراه مفيداً لها وقد يقودها في المستقبل إلى مهنة تختارها بشغف واقتناع.
أمال خليل
سيّدة تتمتّع بموهبة الرسم والأشغال اليدويّة. وقد حققت حلمها هذا من بيتها، عبر مجموعتها Amelle التي تتضمّن الرسم على البورسولين والزجاج والخشب والشمع وغيرها من الأعمال اليدوية. وهي تعرض أعمالها في منزلها وتنشط على صفحات التواصل الاجتماعي كسبيل لتسويق أعمالها التي تلاقي رواجاً ونجاحاً.
رين كلش هاشم
صيدلانية شابة تزوّجت منذ سنتين، وانتسبت إلى أكاديمية The Agenda Beirut لتتابع صفوفاً في الـ Image Consultancy والLifestyle في محاولة منها لكسر الروتين ما بين العمل والواجبات المنزلية. لقد أحبّت تحسين نوعيّة حياتها ونمّت شغفها بالإبداع والجمال. فهذه الصفوف تشكّل لها ملاذاً يبعدها عن ضغوط الحياة وتسمح لها بتكريس وقت لنفسها، تقوم من خلاله بما تستهويه وتُرضي ذاتها وتصقل مواهبها.