إسرائيل تستدرج انتفاضة

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

 بقلم: نبيل عمرو

 

 

لم تتوقف الجنازات، تغيب ‏عن حياتنا بعض الوقت، الا ‏انها لابد وان تعود، فهذا هو ‏قانون الاحتلال والمقاومة.‏
هنالك تفسيرات موسمية لما ‏تحب إسرائيل تسميته ‏بالتصعيد، منها وهو الأكثر ‏تداولا هذه الأيام ارتفاع ‏حرارة التنافس الانتخابي، ‏وحاجة من يتطلعون للفوز ‏لتحقيق إنجازات امنية توفر ‏أصواتا في صناديق ‏الاقتراع.‏
حدث ذلك في الحرب ‏الأخيرة على غزة التي كان ‏متاحا تجنبها، وها هو يحدث ‏مثله في الضفة حيث كرة ‏النار تتنقل من مكان الى ‏آخر، ويرتفع منسوب حصاد ‏الأرواح كلما اقترب ‏الناخبون من الذهاب الى ‏الصناديق.‏
ورغم منطقية وواقعية هذا ‏الدافع لما تفعل إسرائيل، الا ‏ان التنافس الانتخابي يظل ‏سببا جزئيا وموسميا للحرب ‏الدائمة التي تشنها على ‏الفلسطينيين والتي ان هدأت ‏بعض الوقت الا ان دوافع ‏اشتعالها تظل قائمة طوال ‏الوقت.‏
إسرائيل التي يتجاهل صناع ‏القرار فيها خلاصات ‏الدروس السابقة التي نجمت ‏عن تفضيل البطش ‏بالفلسطينيين على السعي ‏الجدي لحل سياسي معهم، ‏ولو راجعوا تاريخ حربهم ‏الدائمة وما تخللها من فصول ‏دامية ومرتفعة الكلفة، ‏لتوصلوا الى بديهية مفادها، ‏ان كل ما فعلوه من قتل ‏وتدمير وحصار حتى الخنق، ‏لم يفض الا الى ما نحن فيه ‏الان، حيث النزف المستمر ‏من الجسد الفلسطيني العنيد، ‏والنزف المعنوي بالابتعاد ‏الإسرائيلي عن تحقيق ما ‏يصبو اليه من امن وطمأنينة ‏واستقرار.‏
إسرائيل التي اخترعت ‏لطبقتها السياسية بشقيها ‏الحاكم والمعارض مصطلح ‏المرنين والمتشددين، تمارس ‏الان سياسة يصلح وصفها ‏بالاستدراج المدروس ‏والمبرمج لانتفاضة ‏فلسطينية، يخدم البطش بها ‏اجندات ومتطلبات التنافس ‏على السلطة، دون اكتراث ‏بالمضاعفات الناجمة عن ‏ذلك واهمها وأكثرها واقعية، ‏فقدان السيطرة وفتح الأبواب ‏على مصاريعها لاحداث ‏دامية لا احد يعرف الى ماذا ‏ستفضي، وكم سيكون مداها ‏الزمني.‏
إسرائيل تعالج الموقف الذي ‏تقر بخطورته بوسائل ليست ‏مجرد عديمة الجدوى، بل ‏تحقق نتائج عكسية، فهذه ‏السياسة تبدو غير منطقية ‏وحتى لجزء هام من رأيها ‏العام الداخلي واقرب حلفائها.‏
والاشد "لا منطقية" فيما ‏تعمل هو سعيها لجعل ‏السلطة الفلسطينية وكيلا ‏امنيا كما لو انها رديف ‏لجيش الدفاع وما ينبثق عنه ‏من قوى امنية واستخبارية.‏
صناع القرار في إسرائيل ‏يتجاهلون الحقيقة الأهم مع ‏انهم يشكون منها، وهي ان ‏السلطة التي سلبتها الحدود ‏الدنيا من نفوذها وهيبتها ‏وسيطرتها وحتى الرهان ‏السياسي عليها، ربما تنهار ‏بفعل فقدان مبرر الوجود، ‏وفي حالة كهذه يفترض ان ‏إسرائيل تعرف المضاعفات ‏الخطرة عليها الناجمة عن ‏احتمال كهذا.‏
‏ السلطة الفلسطينية بواقعها ‏الراهن تعاني من حالة شديدة ‏الهشاشة فهي واقعة بين ‏مطرقة الاحتلال وسندان ‏المسلحين، ومن ضمنهم ‏فتحاويون من الذين اخذوا ‏على عاتقهم الخاص اطلاق ‏النار على الاحتلال حيثما ‏امكن، ويقدمون كل يوم ‏شهداء يحصدون تعاطفا ‏شعبيا يصب كله في غير ‏مصلحة السلطة وصدقيتها ‏وسياساتها.‏
كانت سيطرة السلطة ‏مضمونة وحتى قوية حين ‏كانت سياساتها الأمنية تسير ‏جنبا الى جنب وبتوازن ‏معقول ومقنع مع تقدم المسار ‏السياسي المراهن عليه ‏لانهاء الاحتلال وقيام الدولة، ‏اما الان حيث لا مسار ‏سياسيا على الاطلاق ولا ‏حتى مؤشرات أولية على ‏الاعداد له، فكيف يتسنى ‏للسلطة تفسير موقفها في ظل ‏حالة انعدام التوازن بين ‏السياسة والامن واستبداله ‏‏"بلا توازن" يقوم على ‏الضغط والاكراه والابتزاز ‏لقاء تسهيلات ثانوية لا يقتنع ‏بجدواها احد.‏
‏"لا منطقية" السياسة ‏الإسرائيلية قد تنفع لبيد في ‏التقدم خطوات نحو حلم ‏رئاسة الوزراء، وقد تنفع ‏نتنياهو في ذات الاتجاه، غير ‏انها وفق تجارب الماضي ‏والاحتمالات المستقبلية، تفتح ‏المدى واسعا على خطر لن ‏يصيب الفلسطينيين وحدهم ‏وها نحن في البدايات.‏