اللهب المتصاعد في الضفة: الواقع والتداعيات (2-2)

حجم الخط

بقلم: عاموس يادلين وأودي أفنطال*



حفظ الهدوء حتى الانتخابات
الامتناع الإسرائيلي من لقاء أبو مازن، والتصميم على إغلاق كل أفق سياسي، يدفعان بقيادة السلطة، التي تبحث عن أي أجندات ممكنة، إلى خطوات عدائية في الساحة الدولية: الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية. ينعكس هذا السلوك سلباً على الدافع لدى الأجهزة الأمنية التي تحاول عادةً احتواء المواجهات، وتحفظ التنسيق الأمني المهم مع قواتنا. وبسبب منظومة العلاقات المتوترة ما بين المصالح الأمنية والسياسية والمعضلات التي تأسر إسرائيل، يجب القيام بخطوات عملية في الميدان منذ الآن لحفظ الاستقرار حتى الانتخابات، وسيتوجب على الحكومة المقبلة، التي سيتم تأليفها في إسرائيل، اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة ستكون أمامها.
خلال الأعياد، وصولاً إلى الانتخابات، على قوات الأمن الاستمرار في إحباط "الإرهاب"، بهدف منع العمليات. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب الإبقاء على هامش عمل أكبر لأجهزة الأمن التابعة للسلطة، والاستمرار في تفضيل أن تجري عمليات الإحباط من خلالها طالما تسمح الظروف، وتركيز عمليات الإحباط التي يقوم بها الجيش على "البنى الإرهابية الموقوتة"، استناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة. وفي المقابل، الاستمرار في إغلاق خط التماس بصورة ناجعة، والإغلاق في فترة الأعياد. أما في الحرم القدسي، فيجب حفظ التوازن بطريقة محسوبة قدر الإمكان وتنسيق دخول اليهود مع الأردن، والتشديد على عدم خرق الوضع القائم بسلوكهم.
على حكومة إسرائيل، منذ الآن، وأساساً بعد الانتخابات، وفي المدى الطويل، اتخاذ عدة خطوات، بهدف تقوية استقرار السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، ورؤية يوم "ما بعد أبو مازن" وتبدل الأجيال في القيادة. وفي هذا الإطار، على إسرائيل حسم قرارها بشأن تجديد المسار السياسي مع السلطة الذي يشكل المركّب الجوهري لاستمرار وجودها.
حتى لو كان من الواضح أن احتمالات نجاح المسار السياسي في الوقت الحالي معدومة، إلاّ إنه يحفظ فكرة "الدولتين"، ويعيق بديل الدولة الواحدة، وهو مهم لتقوية الشرعية الإسرائيلية. بالإضافة إلى أنه يتوجب على حكومات إسرائيل بناء قنوات تواصُل ناجعة لقيادات السلطة، في مقابل الطلبات المحقة منها ومن بينها وقف دفع رواتب الأسرى وعوائل الشهداء، والخطوات ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
من غير الصحيح أن يتركز المسار السياسي في قضايا الحل النهائي. أولاً، يجب معالجة التحديات في المدى القصير والمتوسط بكل ما يخص الأمن، وقيام السلطة بدورها وحكمها، ومن خلال ذلك صوغ الأمل لأفق سياسي. على إسرائيل والسلطة إيجاد حلّ مبدع لمشكلة رواتب الأسرى والشهداء - يساعد في العمل على تجنيد دول الخليج واللاعبين الدوليين لمساعدة السلطة - وبحث قضايا، كالبناء الفلسطيني المنظم في مناطق "ج" والمستوطنات وغيرها.

نجاح الماضي الذي تستصعب إسرائيل تكراره
على المستوى الأمني، يجب على الطرفين التركيز على تقوية أجهزة أمن السلطة وسيطرتها على الأرض. وفي هذا السياق، يمكن محاولة إعادة نجاحات الماضي، كـ"اتفاق المطلوبين" و"مشروع جنين"، من سنة 2008. حينها، وخلال "مسار أنابوليس"، نقلت إسرائيل إلى أجهزة الأمن التابعة للسلطة السيطرة على كل منطقة جنين شمال الضفة، بعد التزامها إعادة النظام وإحباط "الإرهاب" في المنطقة. وفي إطار هذه المبادرة، قاد مبعوث الرئيس الأميركي بوش، الجنرال جونز، جهوداً متعددة أمنية - مدنية - واقتصادية، لتقوية سيادة الأجهزة الأمنية. النتائج كانت مذهلة. وبقيادة رئيس الحكومة الفلسطيني، حينها، سلام فياض الذي بادر إلى مشاريع مدنية لها تأثير إيجابي وسريع في الأرض (شق طرقات، خدمات اجتماعية، وغيرها)، عاد الأمن والاستقرار إلى جنين، وضمنها مخيم اللاجئين، واختفت الفوضى وتمت السيطرة على "الإرهاب".
الظروف لاستعادة هذا النجاح تفرض تحديات أكبر: النظام السياسي الإسرائيلي منقسم، وغير مستقر ومليء بالتوترات؛ ورفض إسرائيلي لإدارة مفاوضات؛ وحكومة فلسطينية ضعيفة؛ وعدم وجود استقرار؛ وازدياد التحديات من جانب "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
لا بديل لإسرائيل إلا المبادرة إلى خطوات تخدم الأمن وتمنع الانجرار إلى دولة واحدة. فالأحداث التي جرت مؤخراً في شمال الضفة وتوسُّعها إلى داخل مناطق الخط الأخضر تثبت أن حفظ الاستقرار لوقت طويل في هذه المنطقة ليس مؤكداً. في المدى القصير، يبدو أن المصلحة السياسية للقيادات الإسرائيلية تتفوق على المطلوب استراتيجياً وأمنياً، لذلك، فإن مسؤولية القيام بالأمر الصحيح ملقاة على عاتق قيادات أجهزة الأمن، في إطار الحدود التي يفرضها الظرف السياسي القائم. وعلى المستوى المتوسط - الطويل، يتوجب على قيادات الدولة الارتقاء فوق الحسابات السياسية الراهنة، والمبادرة إلى مسارات تضمن الاستقرار الأمني الطويل المدى، والهدف الاستراتيجي الحيوي دولة يهودية، ديمقراطية، آمنة، وصادقة.

عن موقع "N12"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عاموس يادلين رئيس شعبة الاستخبارات سابقاً وباحث، وأودي أفنطال باحث وعسكري.