كلمات اعتذار مشوبة بألم وشجن الى كل أمهات شهداء فلسطين في ثورتها المعاصرة والتي ما زالت مستمرة مستعرة مفتوحة على جميع مصاريعها .
كلمات اعتذار ، مجبولة بمحبة و أخوة و امومة و عرفانات جميل بلا حدود مغسولة بمطر فلسطين المدرار و ثلجها النقي الناصع في شتائها القارص ، مجفوفة بعبق تينها و عنبها وزيتونها في صيفها اللهاب .
كلمات اعتذار مرصعة بالقبل الحارة على جباهكن العالية ورؤوسكن الشامخة المرصعة بالشرف والسؤدد ، فتطول اياديكن التي انطوت على لمسات منبع حنان لا ينضب ، وأقدامكن التي سعت بلا كلل او تعب لكي تربي و تكبّر وتعلّم و من ثم تقدم فلذتها قربانا في أتون الوطن المفتوح .
كلمات اعتذار مباشرة يسيرة علها تخفف وطاة ألم مركب من الهزيمة والخذلان واللجوء والنزوح والجوع والفقدان ، للأمهات اللواتي صعدن الى مصاف عليا ، ليس اعلى منها شيء على الاطلاق في مصاف البشر الا طبقة ابنائهن فلذات اكبادهن ، منارة فخرنا و عزتنا .
و عليه فإنه ليس لأحد كائنا من كان ، في المال والجاه والسلطان والصولجان ، ان يستطيع مس شعرة واحدة من مكانتكن و هامتكن و قيمتكن وقامتكن ، لأنها ببساطة مسورة بسور اشد قوة و مناعة من سور الصين العظيم ، انه سور الشعب والامة و التاريخ العريق و الدين الحنيف. سور المستقبل بالتطلعات العظام التي وضع احدى لبناته ابنك المقدام .
إنه ايتها الام جرح آخر في الكف المجروحة ، هذه المرة بيد وأداة فلسطينية ، انه جرح غائر ، قديم قدم الفتنة والتمزق والتشرذم والنزول المبكر عن الجبل لاقتسام الغنائم و نزعات التفرد والاستئثار والتفوق .
ولكن من قال ان جرح الكف يضاهي جرح القلب ، و كيف لهذا ان يتفوق على ذاك ؟
في هذه الجملة الاعتذارية الخالصة الصادقة المباشرة ، نربأ بالتسييس والاستثمار من جهة ، فهذه دماء غالية لا يمكن ان تعرض كبضاعة في السوق ، و لا يمكن بالتالي تبهيتها و تبخيسها و التقليل من شأنها ، كأن شيئا لم يكن ، من جهة أخرى .
ومن غيرك الاقدر على التضميد ، من غيرك المؤهل على غض الطرف عن صغائرنا وانت التي كبرت باستشهاد ابنها حتى اصبحت بحجم الشعب والوطن والكفاح والتحرر . ما الذي يجعل ام ناصر ابو حميد الذي يعاني سكرات الرحيل وهي في العقد السابع من عمرها ، تجوب ساحات الوطن لتلقي كلمات مواساة و تضامن مع امهات الاسرى الاداريين المضربين حتى وصلت ليلة امس الى خيمة الدهيشة ، فهي ام شهيد و خمسة اسرى مؤبدين . ألقت كلمتها فبثت في عروقنا دفقة دم جديدة و في قلوبنا شحنة اصرار على مواصلة الدرب ، تساءلت بيني و بين نفسي ، وأكيد ان الكثيرين سألوا مثلي : من يجب ان يواسي من يا محافظ نابلس .