على مدار سنوات من جولات الحوار الوطني لم تنجح الجهود الوطنية والعربية والإقليمية في استعادة الوحدة السياسية بين فصائل العمل الوطني والإسلامي؛ وتحديدًا طرفي الانقسام فتح وحماس، فقد كانت المصلحة الضيقة للتنظيم تعلو على المصلحة الوطنية العليا للشعب والقضية؛ لكِن المقاومة المسلحة التي أحياها مؤسس "كتيبة جنين" جميل العموري، صاحب المقولة الشهيرة "لا تطلقوا رصاصكم في الهواء" والتي جاءت استجابة وحماية لأسرى نفق الحرية الذين انتزعوا حريتهم في السادس من سبتمبر العام الماضي، نجحت في توحيد أطراف النزاع في العمل الميداني.
تصاعد منحنى العمليات
فكرة العموري، امتدت إلى نابلس وأنشأت ظاهرة" الدخيل والشيشاني والنابلسي"، ولتعود إلى جنين أكثر بريقًا وتبرز والد الشهيدين رعد وعبد الرحمن فتحي خازم، فيصبح الأخير محط جذب للفلسطينيين أينما كانوا في الداخل والخارج بخطابه الوحدوي الجامع.
مُؤخرًا برزت مجموعة "عرين الأسود" التي استطاعت تنفيذ العديد من عمليات إطلاق النار ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، الأمر الذي استدعي المنظومة الأمنية للاحتلال الدعوة إلى تكرار عملية "السور الواقي2" التي أدت لنزع سلاح المقاومين إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2002.
وفي الأسابيع الأخيرة، جرت مفاوضات بين مسؤولين أمنيين في السلطة الفلسطينية ومجموعة من المقاومين أطلقوا على أنفسهم لقب "عرين الأسود" في نابلس، حسب ما زعمته القناة 12 الإسرائيلية.
ووفقاً لزعم القناة العبرية، فقد عرضت السلطة عليهم الاندماج في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وشراء الأسلحة منهم، ليُصبحوا موظفين يتقاضون رواتب مقابل نزع سلاحهم ووقف عمليات إطلاق النار في شمال الضفة.
وحسب مراسل القناة إيهود بن حمو، فقد استمرت المفاوضات لبعض الوقت، لكِن مصادر فلسطينية صرحت بأنها انفجرت أمس دون إبداء الأسباب.
من جهته، رأى المحلل السياسي من جنين، فادى جمعة، أنَّ "كتيبة جنين" و"عرين الأسود" مجموعات فلسطينية مشكلة بهدف المقاومة وقد جاءت نتيجة التفاف الفلسطينيين نحو ظاهرة المقاومة الفلسطينية، لافتًا إلى أنَّ الفلسطينيين بالفطرة يميلون نحو ظاهرة المقاومة، وبالتالي ما داموا تحت الاحتلال سيستمر دعمهم لها.
وأضاف جمعة، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "كلما زادت هجمة الاحتلال الإسرائيلي على أراضينا ومنازلنا وقرانا ومدننا ستتنامي فكرة المقاومة"، مُردفاً: "هذا الأمر تاريخي، فعندما تشكلت "كتيبة جنين" في مدينة جنين ومخيمها، كان الاحتلال قد اقتحم المدينة قبل عشرين سنة للقضاء على مقاومتها؛ لكِن بعد 22 سنة لا زال الفلسطينيون يُقاوموا وبالتالي فهي ظاهرة بالفطرة".
هاجس زوال دولة إسرائيل
وأرجع تنامي الهجوم الإسرائيلي على الضفة الغربية وغزّة، إلى هاجس يتكون لدى الصف الأول في القيادة الإسرائيلية، بانهيار كيان "إسرائيل" وهو الأمر الذي تمت ملاحظته في تصريحاتهم السياسية، ومثال ذلك قول نفتالي بينت "إنَّ الدولة تقف على حافة انهيار حقيقي، وتشهد حالة غير مسبوقة من قرب الانهيار".
وأكمل: "كذلك عبّر بيني غانتس، عن قلقه بشأن مستقبل إسرائيل بسبب فقدانها السيطرة على النقب والجليل، وأيضاً إيهود باراك في كتابه تحدث عن مخاوف من قرب زوال إسرائيل، وكذلك نتياهو قال "سأجتهد؛ كي تبلغ إٍسرائيل عيد ميلادها المئة"؛ وهو ما يُبيّن تخوفهم من انهيار إسرائيل في عقدها الثامن".
وأردف: "بالتالي فإنَّ هذه التخوفات ليست من باب الترف السياسي، بل بسبب وجود تخوف حقيقي لديهم؛ الأمر الذي جعلهم في حالة استنفار عسكري دائم في محاولة لإثبات أنّ إسرائيل قوية ولن تنهار".
وأشار إلى أنَّ المقاومة الفلسطينية لم تتوقف تاريخياً بسبب الهجمات الإسرائيلية، حيث يتعرض شعبنا ومقاومته للاستهداف المباشر منذ النكبة ولم يكل أو يمل، كما أنّ كافة الاحتلالات لأرض فلسطين كان مصيرها الزوال".
وبالحديث عن تمهيد هذه المجموعات المسلحة لقيام انتفاضة فلسطينية مسلحة، قال جمعة: "إنّه يجب دراسة ما يقوم به الاحتلال حتى نستطيع البدء في انتفاضة وهبة عارمة"، مُشيراً إلى أنَّ الاحتلال استطاع تحييد العرب بتحويلهم للعب دور الوسيط، رغم أنّهم جزء من الصراع، ومن ثم استطاع تقسيم العرب في الفلسطينيين في الداخل والضفة وغزة، ومن ثم يُحاول فصل الضفة عن غزة والعكس، وتقسيم المقسم، وكأن ما يحدث في جنين مثلاً لا علاقة له فيما يحدث بنابلس.
وأوضح أنَّ نجاح أيّ هبة مرهون بشمولها كافة الفلسطينيين بكل مكوناتهم، مُردفاً: "يجب أنّ يتوحد شعبنا في كافة أماكن تواجده بإلغاء التقسيم الجهوي والسياسي أيضًا؛ حتى تكون ثورة متكاملة للشعب الفلسطيني بكامل مكوناته، وبالتالي يجب أنّ يكون لها صوت وبرنامح واحد وخارطة طريق واحدة للثورة؛ حتى نكون ذاهبين بانتفاضة حقيقة كما ثورة 36 التي شارك بها كل الشعب الفلسطيني كما الانتفاضة الأولى والثانية".
مزقت خطط الإقليم وأمريكا
بدوره، قال المختص في الشأن الإسرائيلي، شاكر شبات: "إنَّ تنامي ظاهرة المجموعات المسلحة ليس عملاً طارئاً أو طفرة، وهو ليس عملاً جديداً، فمنذ بدايات الاحتلال ظهر العمل العسكري المسلح بأنماط مختلفة، حيث يتصاع ويتراجع وفقاً لظروف ومعطيات سياسية وأمنية وأيضاً تبعاً لظروف الميدان".
وأرجع شبات، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أسباب تنامي ظاهرة المجموعات العسكرية في شمال الضفة وتحديداً جنين إلى العديد من العوامل منها "الموروث التاريخي الذي لعب دوراً مهماً في وجود هذه المجموعات، حيث إنَّ جنين ونابلس لهما تاريخ طويل في مقاومة الاحتلال".
واستطرد: "كذلك التركيبة السكانية والثقافة الوطنية المتوارثة، والأهم من ذلك كله وجود الاحتلال الذي تعتبر مقاومته هي المنطق الطبيعي".
واعتبر أنَّ "التسميات ونوعية المجموعات وحالة الاندماج بين مكوناتها من خلفيات تنظيمية مختلفة هو الجديد الذي أنجح هذه الظاهرة؛ لأنّها تجاوزت الانقسام السياسي والاختلافات العميقة بين التنظيمات الفلسطينية".
وأشار إلى أنَّ وجود هذه المجموعات المسلحة تسبب ليس فقط بقلق أمني لدى الاحتلال ومستوطنيه، بل أنّها ساهمت في بعث الروح الوطنية من جديد، والتأكيد على رفض التعايش مع الاحتلال ورفض مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
وختم شبات حديثه، بالقول: "إنَّ هذه المجموعات مزَّقت كل الخطط التي رسمتها دوائر الاحتلال ودول الإقليم المطبعة والراعي الأمريكي الذي اعتقد أن التحسينات الاقتصادية هي البديل لإدارة الصراع والالتفاف علي الحقوق الوطنية الفلسطينية"، مُستدركاً: "وجود هذه المجموعات واستمرارها ليس مرتبطاً فقط بإجراءات القتل والاعتقال التي تشنها قوات الاحتلال، بل بمدى احتضان الجمهور الفلسطيني لهذه المجموعات ودعمها".