في الماضيين البعيد والقريب على حد سواء ، لم يكن عدد الاسرى الاداريين ليتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ، و لم يكن تحديد اعتقال الاسير إداريا قبل اعتقاله ، بل بعد الاعتقال و بعد التحقيق و بعد التعذيب واحضار الشهود و ماكينات كشف الكذب ، و تمديد الاعتقال عدة مرات ، وحين كانت تفشل كل هذه الاجراءات ، يلجأ ضابط المخابرات ، و ربما لجنة مشتركة من المخابرات و بقية الاجهزة لاصدار أمر حبس إداري .
اليوم يوجد رهن هذا الحبس حوالي ثماني مائة اسير إداري ، غالبيتهم العظمى تم تمديد حبسه للمرة الثانية والثالثة والرابعة ، بعضهم يتم اعتقاله الاداري للمرة الثانية والثالثة والرابعة ، لتتجاوز مدة حبسه الاداري عشر سنوات .
لا يفترض النظر الى هذا العدد من الاسرى الاداريين الثماني مائة كما هم و على ما هم عليه ، فنصفهم تقريبا سيتم تجديد حبسه خلال الاشهر القليلة القادمة ، من النادر جدا اكتفاء المخابرات بإداري واحد ، الدارج تقريبا عشرين شهرا الى 24 شهرا ، بمعنى انه حتى مطلع العام الجديد سيكون العدد الاجمالي قد جاوز الألف .
غالبية الاسرى الاداريين الثلاثين ، الذين أضربوا عن الطعام قبل اسبوعين ، اعتقلوا اداريا قبل هذه المرة ، وانتظروا ان تنتهي مدة محكومياتهم رغم تجديدها ، و لكنهم سرعان ما يتم اطلاق سراحهم حتى يتم اعادة اعتقالهم اداريا من جديد ، بعض من هؤلاء الثلاثين اضربوا عن الطعام عشرات الايام قبل هذه المرة ، و ها هم اليوم يعودون للاضراب من جديد ، و لكن بأعداد أكبر .
و بالمناسبة ، بعض من هؤلاء الاسرى الطلائعيين فكروا في الاضراب الفردي منذ لحظة اعتقالهم الاخير ، لكن قيادة الجبهة في السجون على ما يبدو لديها بعض من تحفظات هذا النوع المحدود من مواجهة السجان ، فإقنعتهم تدبير اضراب اوسع من اسير او اسيرين ، لتحدد ساعة صفر 25 ايلول الماضي بثلاثين رفيقا قابلين للزيادة بأفواج اخرى ، يدور الحديث عن عشرين اسيرا خلال ايام قليلة و ربما أكثر من فصائل أخرى ، و قد انضم الاسير الرمز زكريا الزبيدي ، الى اضراب الثلاثين للتضامن معهم ، رغم عزله و رغم انه لم يحكم بعد .
يبلغ غسان من العمر ثماني سنوات ، قتلوا اخاه الوحيد "أركان" قبل اربع سنوات عن اربعة عشر عاما ، فدخل في صراع طفولي : الى اين ذهب ؟ كان والده "ثائر" يخفف عنه و طأة غياب "اركان" الموحش ، حتى تم اعتقاله نيسان الماضي اداريا أربعة أشهر ، و في اليوم الذي انتظرنا عودته في آب ، جاءني "غسان" ليخبرني أنه تم تمديد اعتقال ابيه اربعة اشهر أخرى ، سألته : ماذا يعني مددوا اعتقاله اداريا . قال : لا أعرف ، ولكني أعرف انه لن يعود اليوم الى البيت . قبل ايام ، قال لي : ان اباه سيضرب عن الطعام ، سألته : ماذا يعني . قال : لا أعرف . و لكني على يقين ان "غسان" سرعان ما سيعرف .