لا يلوح في الافق نهاية للهجوم الروسي على أوكرانيا. لكن مسار الحرب يثير أسئلة مهمة لمستقبل المتحاربين والعالم. والحقائق تتمثل في مقتل الالاف وتدمير مجتمعات بأكملها وإجبار الملايين على الفرار، وكثيرون منهم لن يعودوا أبدًا، وخسائر مئات المليارات في البنية التحتية لاوكرانيا والاقتصاد العالمي. وروسيا أيضًا عانت من خسائر فادحة، لا تعويض في الارواح والاموال والمكانة. وقبل الهجوم الروسي، حذر الرئيس الاميركي جوزيف بايدن القادة الاوروبيين من نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكنهم لم يهتموا، مما ترك لبوتين طريقًا مفتوحًا لابطال التهديد المتزايد الذي رأه في أوكرانيا التي تزداد ارتباطًا بالغرب الذي يسلحها. وفي وقت مبكر هيمنت هواجس تشكك في قدرة الرئيس الاوكراني الذي تحول إلى رئيس للبلاد على أن يقدم نموذجًا لقائد في زمن الحرب أو يحظى بالدعم الكافي من شعبه للانخراط في صراع طويل الامد. وتباطأت أوروبا في تخصيص الموارد الازمة للدفاع ضد التهديدات الروسية. وفي البداية، استولت روسيا بسهولة على مناطق شرق أوكرانيا، وحشدت الولايات المتحدة عقوبات غربية ضد الاوليجاركية الروسية "القلة الثرية صاحبة النفوذ السياسي" والمؤسسات المالية والصادرات الروسية. وعلى سبيل التصدي لكل هذا، اجتذبت الدبلوماسية الروسية دعم الصين، مع امتناع معظم الدول الاخرى عن الانحياز إلى أي طرف. لكن تطورات الاحداث في الآونة الاخيرة تشير إلى حدوث تغيير في مصائر أوكرانيا وروسيا. فقد أثبت الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه ليس فقط ناشطًا فعالا حصل على دعم كبير من الغرب، بل ألهم شعبه ليتصدى للهجوم الروسي. وأظهر الاوكرانيون الذين مكثوا في البلاد عزيمة وطنية. وسمحت الاسلحة المتقدمة والتدريب والدعم المالي الذي تلقته أوكرانيا، أساسًا من الولايات المتحدة، للقوات الاوكرانية بوقف التقدم الروسي في بعض المناطق، مع استعادة مساحات كبيرة من الاراضي الشمالية الشرقية. وبوتين يواجه ضغوطًا متزايدة في الداخل والخارج، صحيح أن الجيش الروسي يتعرض لصعوبات غير متوقعة، لكن مازال لدى روسيا أصول ومظاهر المعارضة يقابلها وجود متشددين روس يشاركون شكاوى بوتين من الغرب ورغبة الرئيس الروسي في استعادة المجد المفقود. لكن يجب الانتباه إلى أن اليأس يجعل العدو أكثر خطورة وليس أقل. صحيح أن أوروبا موحدة إلى حد كبير في دعم أوكرانيا، لكن مع حلول فصل الشتاء، قد يؤثر نقص الوقود على مواقف الاوروبيين. وكلما طال أمد الحرب، زادت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن وجود سبعة ملايين نازح أوكراني. والدعم الاميركي الملحوظ من الحزبين لاوكرانيا أدى إلى موافقة الكونجرس على أكثر من 66 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية هذا العام. لكن هل سيستمر هذا المستوى من الالتزام؟ والنجاحات الروسية المبكرة أنعشت بصيص أمل لدى الكرملين في الاضطلاع بدور قيادي مناهض للغرب بين الدول التي شكلت ذات يوم حركة عدم االنحياز أثناء الحرب الباردة. لكن هذا البصيص ربما يخفت. وإذا أحرزت أوكرانيا التحرير الكامل لاراضيها الاوكرانية، فستظهر تحديات أخرى تطرح بعض الاسئلة. فمن سيساعد في دفع كلفة إعادة البناء في أوكرانيا؟ وما مدى سرعتنا في العودة إلى التركيز على التحديات التي يفرضها تغير المناخ؟ وهل ستصبح روسيا المهانة والتي أصابها الدمار أكثر خطورة من النظام الحاكم الحالي؟ وماذا عن نفوذ الصين التوسعي؟ خلاصة القول: هذه الحرب ما كان يجب قط أن تقع، وبغض النظر عن الطريقة التي ستنتهي بها، فتأثيرها سيكون مقضًا لمضاجع العالم وصناع القرار، مثلما فعلت كارثة العراق قبل عقد من الزمن.