لم يُثر إعلان رئيس الحكومة الانتقالية في إسرائيل، يائير لبيد، تأييده "حلّ الدولتين"، في سياق خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نحو ثلاثة أسابيع، أي صخبٍ سياسيّ في دولة الاحتلال. ما يعود إلى أن تداول معظم ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي هذه العبارة، منذ انطلاق ما تعرف بـ"عملية التسوية" مع الفلسطينيين ذات الصلة بمفاوضات أوسلو، يجري على قاعدة مفهوم إجماعيّ بشأنها، لا بأس من تكراره بين الفينة والأخرى، وينطوي على ما يأتي: أولًا، أن يكون قيام الدولة الفلسطينية نتيجةً لمفاوضات مباشرة بين قيادة فلسطينية موحّدة وإسرائيل، وأن تُحلّ القضايا والموضوعات المركزية، ومن ضمن ذلك مسائل الحدود والقدس واللاجئين، عن طريق المفاوضات فقط، لا من طريق قرارات صادرة عن هيئات الأمم المتحدة أو أي جهات أخرى.
ثانيًا، أن تكون الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة أيضًا نتيجة مفاوضات مباشرة بين الجانبين، وأن لا تكون هذه الحدود قائمةً على أساس خطوط الهدنة من عام 1949.
ثالثًا، ضرورة وجود قيادة فلسطينية موحّدة تمثّل عموم الشعب الفلسطيني، تكون قادرة على تقديم تعهدات، أبرزها الحفاظ على أمن إسرائيل، وتنفيذها (وضع غير متوافر حالياً بسبب الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة).
رابعًا، يجب أن تعترف الدولة الفلسطينية بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، وأن تعترف إسرائيل في الوقت ذاته بالدولة الفلسطينية دولة قومية للشعب الفلسطيني (بغية دفن موضوع الحقوق القوميّة للفلسطينيين في أراضي الـ48). خامساً، ينبغي أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ومُقيّدة في قدراتها العسكرية والأمنية، وكذلك في كل ما يتعلق برموز السيادة الأُخرى.
وبخصوص "الدولة الفلسطينية"، ينبغي إعادة التذكير بأن رؤية رئيس الحكومة الإسرائيلية، إسحاق رابين، الذي وقّع اتفاق أوسلو، في ما يخصّ مسائل التسوية الدائمة، تضمّنت، وفق ما ذكر في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر 1995، إقامة "كيان فلسطيني يشكل وطنًا لمعظم السكّان الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية"، مشيرًا إلى أن هذا الكيان سيكون "أقلّ من دولة". وليس مبالغة القول إن هذا المفهوم الإسرائيلي لـ"حلّ الدولتين" يحظى بإسناد أميركي منذ أعوام طويلة.
لعلّ ما استلزم إعلان تأييد "حل الدولتين" الآن، تصاعد المقاومة في شمال الضفة الغربية، بعد أن كانت الحاجة إلى الالتفات إلى القضية الفلسطينية في مستواها الأدنى من جرّاء "هدوء الأوضاع الأمنية" في الضفة من جهة، ومن جهة أخرى على وقع ما يوصف بأنه معايشة إسرائيل سيلًا من الاتفاقيات السياسية مع دول عربية مختلفة يثبت صواب منهج "إدارة الصراع" أو "تقليصه"، والذي اعتمدته الحكومات في إسرائيل منذ عام 2000، بموازاة سحب البساط من تحت المقاربة حول حيوية الاتفاق مع الفلسطينيين، وكونه الشرط والمحطة الأولى في مسار المصالحة مع العالم العربي.
عن "البربرية الإسرائيلية الجديدة"...
طبعًا، لم تُعدم الأصوات الإسرائيلية، وإنْ كانت قليلة، التي ظلّت تؤكد أن ذلك الهدوء مُجرّد وَهْم، وأنه على الرغم من محاولات تحسين واقع الفلسطينيين في الضفة، ومن حالة العبث السياسي السائدة، فإن شعبًا تحت الاحتلال العسكري لا بد وأن ينتفض، بالضرورة، طال الزمان أو قصُر.
ويبدو أن هذه من أهم رسائل المقاومة في شمال الضفة، رسالة تقول إن التغيرات الإقليمية التي حصلت أخيرًا، بما في ذلك الاتفاقيات السياسية التي وقعتها إسرائيل مع دول عربية، قد تستدعي إعادة نظر جيو- سياسية في عدة قضايا، بيد أن ثمّة متغيرًا واحدًا ثابتًا لا يجوز القفز عنه، أن ملايين الفلسطينيين في المنطقة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، يعيشون تحت احتلال إسرائيلي ونظام تمييز عنصري، وهو واقعٌ يستحيل أن تنهيه ولا أن تغيّره حتى كل الزيارات والرحلات الجوية المباشرة ما بين الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وغيرها وبين إسرائيل. عن "عرب ٤٨"