أمناء على تراث الانشقاقات ...!

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

بقلم أكرم عطا الله

 

 

 

هل بقي ما يستحق الكتابة عن ملهاة المصالحة ؟ وهل هناك ما يستحق أن نوليه اهتماما لجولات الحوار المزمنة ؟ نعيب على الإسرائيلي الذي مرمرنا في مفاوضات مطولة ولا ننتبه إلى أننا نستنسخ عنه تجربة المكر والدهاء هذه المرة ضد بعضنا، فالضحية تقلد جلادها وحين لا تجد من تمارس عليه تجربتها تمارسها على نفسها وعلى شعبها، أي مصير هذا وقع فيه الفلسطينيون ؟
أشفق على الجزائر وعلى الرئيس الجزائري لأنه صدقنا وصدق أننا صادقون ولم يقرأ تاريخا من العبث الطويل، ونحن نتنقل من دولة لأخرى ومن عاصمة لأخرى نكتب البيانات ونصيغ العبارات ونرفع سقف الآمال ونتحدث عن فلسطين بما يشبه الصدق وعن الحرص على الشعب ومستقبل الأجيال القادمة ونتحدث بكل ما يلزم من «عدة الشغل» اللازمة للتضليل والتي تتكرر كل مرة حد الملل، ونعود بلا خفي حنين وحتى لا فردة منهما.
لم تعد جولات الحوار روتيناً اعتاد المواطن على حلقاته في مسلسل طويل بات يدرك أن لا نهاية للقصة، بل أصبحت تشكل إهانة للمواطن حيث الاستخفاف به إلى هذه الدرجة دون أن تدرك أطراف الحوار أن المواطن تعلم قراءة الحالة بكل خيباتها، وقادر على إزالة طبقات كثيرة من الخداع والوصول للحقيقة بل وبات يسخر مما يقوله المسؤولون من مقاتلي ومجاهدي وفرسان الجولات المهزومة.
ليت جولات المصالحة تتوقف لتجنبنا مزيداً من خسارة الأصدقاء، فلم تبقَ عاصمة إلا وكانت شاهدة على سقوط ورقة توتنا التي كانت تغطينا واكتشفت أننا لسنا سوى قبائل متحاربة تعود للعصور الوسطى. فكل قبيلة تحسب حسابات مصالحها ومصالح أفرادها وشيوخها أما المصالح العامة فتلك كانت تكفيها جولة واحدة.
لن تكون هناك مصالحة ليس فقط لأن الإسرائيلي الذي أهداه القدر انعدام الكفاءة وانعدام المسؤولية لدى الفلسطينيين، بل لأن حسابات المصالحة تقاس على مقياس مختلف عما يتم تداوله وهو أنّ هناك أرباحا وخسائر ولا أحد يريد أن يخسر وتتغير مزاجات ورؤى الفصائل.
ارتباطاً بذلك فإن «حماس» مندفعة للمصالحة الآن لأنها تشعر بأن الانتخابات تؤمن لها الاستيلاء على السلطة، و»فتح» تخشى المصالحة لأنها تشعر بأن الانتخابات ستسحب منها كل شيء لأن المناخات السياسية أحدثت هذه النتائج.
ذات مرة أجريت مصالحة نظرية من تلك المصالحات الطويلة وكانت حماس في ذروة أزمتها وحصارها، حينها قال البعض منها: لا يمكن إجراء الانتخابات إلا بعد رفع الحصار وتأخذ فرصتها في حكومة. وهكذا يتم قياس الأشياء بما لا يعرفه الوسطاء المساكين الذين يحدثوننا عن فلسطين ونحن يفكر كل منا بمصلحة القبيلة.
ومن مكة حيث تتطهر الناس من ذنوبها وتصدق مع نفسها إلى صنعاء ثم القاهرة ودمشق والدوحة واسطنبول والجزائر، كل تلك العواصم كانت شاهدة على مسلسل خيباتنا الكبرى وفقدت شهيتها في الحديث معنا في هذا الملف.
ويبدو أن الجزائر التي دخلت بكل ثقلها لم تقرأ تاريخنا ونحن نمارس كل هذا الدهاء ضد بعضنا.
القصة أننا نريد مصالحة بضمانة مسبقة أن تفوز فيها فتح بالأغلبية والحكم، وبضمانة أن تفوز فيها حماس بالأغلبية والحكم، إنها معادلة مستحيلة فعلا هذا إذا وضعنا الإسرائيلي جانبا، وهذا متوفر الآن ومتحقق ففتح في الضفة وحماس في غزة فلماذا المصالحة التي ستفسد هذا الواقع وهذه الأغلبيات والذهاب نحو مراهنة مثل لعبة النرد وقد تأتي بنتائج يمكن أن تفتح معركة أخرى على السلطة والصلاحيات ومن الممكن أن يذهب بها ضحايا وقتلى من جديد فما الداعي لكل هذه المغامرة المجهولة ؟      
من يقنع الفصائل المتصارعة أن مجرد وجود الاحتلال على رقاب الشعب لا يتيح لها التصرف بكل هذا الترف من الوقت فيما تنزف الأرض والدماء وتشتد المعاناة وتطول رحلة الآلام ؟ من يقنعهم أن وجود الاحتلال ينبغي أن يكون مدعاة للخجل بالحديث عن الحكم والسلطة والمناصب والانتخابات والامتيازات ؟.
لدينا تاريخ طويل من الانشقاقات علينا أن نرى ذلك لنخفض من سقف أحلامنا، والحقيقة الصادمة أن ليس لدينا تجربة توحيد واحدة ....تصوروا ؟ فلماذا نحلم بما هو معاكس لكل تاريخنا وتجربتنا وإرثنا الطويل وهويتنا الانقسامية الثابتة كواحدة من الثوابت ؟
هذا ربما ما يفسر إدارة ظهر المواطن لجولات المصالحة حد اللامبالاة الساخرة التي وصفها بالكلاكيت كجزء من تصوير سيعاد تكراره طويلا لأن الممثلين سيفشلون في أداء الدور لقلة خبرتهم أو لأن مصالحهم في تكريس الفشل، ولو أن كل فصيل كان حريصا على الوطن كما حرصه على مصالح الحزب لكان وضع فلسطين والشعب الفلسطيني مختلفا.
سيسجل التاريخ أن الفصائل حين طلبت من الشعب أن يقدم الدم كان كريما، وحين طالب الفصائل بمصالحة كانت بخيلة، الضفة تفور بما يشي بتجاوز الفصائل المنهمكة في حواراتها حد الترف، فالتاريخ لا يتوقف وقد أطاحت الشعوب بكل من شارك بحروب أهلية وعمل معاكساً لمستقبلها، تغيب الفصائل ويصنع الشباب تجربتهم الخاصة بلا رأس وبلا تنظيم وهو ما هو مزعج لإسرائيل، ويفترض أن يكون مقلقا أكثر للفصائل التي بدت هرمة متثاقلة، لم يعد لديها سوى حوارات متباعدة تعيد تكرار الملهاة والمأساة وهي تجوب العواصم لتزف الفشل.