مرة أُخرى إسرائيل أسيرة لنظريتها: ستكون النتيجة سيئة

يوسي ميلمان.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوسي ميلمان

 


فوجئت إسرائيل في «يوم الغفران»، سنة 1973 في سيناء وهضبة الجولان، بعد أن كانت أسيرة نظرية تبنّتها القيادة العسكرية، وبصورة خاصة أجهزة الاستخبارات، ووافق عليها المستوى السياسي بسرور ومن دون اعتراض. وفي يومنا هذا أيضاً، فإن المستوى السياسي والعسكري أسير نظرية تخص الفلسطينيين، هي نتاج تفكير مغلق، وعمى سياسي وعسكري، بالإضافة إلى استعلاء وعنجهية في التفكير.
النظرية التي تنمّيها إسرائيل منذ عدة أعوام تقوم على أن السلطة الفلسطينية ليست شريكة لأنها ضعيفة، فاسدة، وتمر في عملية انتقالية بين جيل المؤسسين ياسر عرفات ومحمود عباس. وهناك نقطتان أساسيتان توجهان التفكير الإسرائيلي: الأولى أن مصلحة الشعب الفلسطيني، على الأقل في الضفة الغربية، هي اقتصادية، وما دام يُسمح لأكثر من 100 ألف فلسطيني بالعمل في إسرائيل والمستوطنات، فلا حاجة إلى تحريك المسار السياسي، أما الثانية، بسبب مصلحة السلطة الاستمرار في الحكم، فإن أجهزتها ستواصل العمل كمقاول ثانوي في صراع «الشاباك» والجيش ضد «الإرهاب» وضد تقوية «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في الضفة الغربية. لذلك، فإن أكثر ما تستطيع إسرائيل القيام به هو الصمود وإدارة الصراع.
ولكن يبدو أن هذه النظرية خاطئة. فمع كل عملية داخل الخط الأخضر، أو في الضفة، ومع كل دخول لقوات الجيش إلى البلدات الفلسطينية واستعمال قوة مبالَغ فيها - وهو ما يؤدي إلى مزيد من الضحايا الفلسطينيين - يتزعزع «الوضع القائم» الذي تقدسه إسرائيل. فمنذ بداية العام، قُتل 107 فلسطينيين و24 إسرائيلياً، وتم اعتقال 2000 فلسطيني، وتسجيل 1900 «عملية إرهابية»، و2200 خطة لتنفيذ عمليات.
وعلى الرغم من ذلك، فإنهم في إسرائيل يستمرون في التفكير من خلال مصطلحات الماضي، عبر مفاهيم الانتفاضة الأولى والثانية، وانتفاضة الأفراد وانتفاضة السكاكين. باتت إسرائيل تغوص عميقاً في موجة «إرهاب» و»عنف» من نوع جديد. تتفكك السلطة الفلسطينية، ومعها تضعف أجهزة الأمن التابعة لها. وفي الخلفية، يزداد تأثير «الجهاد الإسلامي» و»حماس»، والأهم من هذا أنه نشأت مجموعات مسلحة - السلاح موجود بوفرة، ومن السهل الحصول عليه - لشباب لا يخضعون لأي من التنظيمات أو القيادات.
يقال: إن نظام أبارتهايد يتمأسس في إسرائيل، وهذا صحيح. لكن الخطورة الكبيرة تكمن في أن يحوّل هذا الصراع إسرائيل والفلسطينيين إلى نموذج البلقان. الحروب التي اندلعت بعد تفكيك يوغوسلافيا جاءت بعد أن قامت مجموعات ذات خلفيات مختلفة، إثنية، وعرقية، وقومية، بخلق معادلة لا تسمح بحياة مشتركة بعد الآن. كانت الحرب هناك عبارة عن اشتباكات لا تتوقف، ما أدى إلى سفك الدماء، والتطهير العرقي، والقتل، والاغتصاب، والخرق المستمر والمنهجي لحقوق الإنسان، والقيم الإنسانية الأساسية كافة.
هذا ما يمكن أن يحدث في الضفة والمدن «المختلطة» في إسرائيل. لا يزال من الممكن منع هذا. على إسرائيل أن تعيد طرح حل الدولتين على النقاش العام، كما أعلن مؤخراً رئيس الحكومة يائير لابيد، وليس هذا فقط: عليها أن تتخذ خطوات حقيقية لتحريك المسار السياسي، بهدف تقوية السلطة الفلسطينية وإعادة الأمل بحلّ.
في المرحلة الأولى يمكن أن تكون هذه الخطوات رمزية، كنقل قرى في مناطق «ج» - التي تمتد على نحو 60% من الضفة - إلى السلطة الفلسطينية، وتجديد اللقاءات والحوارات الدبلوماسية بين سفراء السلطة وإسرائيل في العالم، أو أي مبادرة أخرى ترتبط برفع العلم الفلسطيني رسمياً في إسرائيل بمناسبات مختلفة.
خطوات كهذه، إلى جانب تقليص العمليات الليلية التي يقوم بها الجيش و»الشاباك» وتؤدي فقط إلى رفع حدة الاشتباك - وهذا كله من دون التنازل عن الحاجة إلى إحباط عمليات - هي التي ستساعد إسرائيل على التحرر من نظريتها نسخة 2022.

 عن «هآرتس»