يرجع أحد المسؤولين الكبار في السلطة الفلسطينية، السبب في خروج الرئيس محمود عباس في خطابه الأخير مساء يوم الاربعاء الماضي، من مدينة بيت لحم، إلى رغبته في التأكيد على أن وضعه الصحي جيدا، وأنه لا يعاني من أي أمراض كما أشيع قبل ذلك بأيام، ولقطع الطريق مجددا أمام بعض القيادات التي أعادت من جديد طرح «منصب نائب الرئيس» في الحوارات المغلقة. كما يربط الكثيرون السبب في القرار المفاجئ للرئيس بتعيين مشرفا جديد للتلفزيون ووكالة الأنباء الرسمية «وفا»، إلى ذات السبب السابق.
وعلمت «القدس العربي» اللندنية من مصادر خاصة، أن عددا من قيادات فتح ذات الثقل بدأت فعليا الحديث في «الصالونات السياسية» عن ضرورة اتخاذ الرئيس قرارا بإصدار مرسوم جديد، يعين بموجبه نائبا له، مثيرين بذلك بشكل كبير الوضع الصحي للرئيس عباس، من خلال إشاعات سربت عن تدهوره، وهو ما جعل مؤسسة الرئاسة تعلن بشكل مفاجئ الثلاثاء الماضي، عن «خطاب مهم» للرئيس في اليوم التالي في مدينة بيت لحم، قبيل حضوره قطاس منتصف الليل للطوائف الشرقية.
وأكد مقربون من الرئيس، أن ما يثار حول مرضه «إشاعات لا أساس لها من الصحة»، ويؤكدون أن الرجل يتمتع حاليا رغم تجاوزه سن الثمانون بصحة عاليا.ومن بين هؤلاء شخصية اعتادت على مرافقة الرئيس في بعض من رحلاته الخارجية.
وقالت لـ "القدس العربي"، إن الرئيس يكون أكثرهم ديناميكية وحركة في اللقاءات السياسية مع الزعماء والرؤساء العرب والأجانب»، مستدلا على ذلك في استمرار العديد من الرحلات الخارجية لأكثر من يوم، بحيث تشمل أكثر من دولة. يذكر أنه تلا الإعلان عن الخطاب أن خرجت تسريبات تفيد بأن الرئيس ينوي تعين نائبا له. وتربط المصادر الخاصة التي تحدثت لـ «القدس العربي»، الإشاعة الجديدة بـ «رغبات مروجيها في تحقيقها لتصبح واقعا ملموسا»، رغم علمهم بأن الخطاب لن يحتوي على هكذا قرار.
وعلى أرض الواقع وفي الضفة الغربية تحديدا، شرعت بعض القيادات الفتحاوية الراغبة في خلافة الرئيس عباس، في الحديث العلني داخل صالوناتها السياسية، عن ضرورة تعيين «نائب للرئيس»، ولا يخفي هؤلاء رغبتهم في شغل المنصب، الذي سيكون بوصلتهم نحو الكرسي الرئاسة، حال تنحي الرئيس أو أصابته بمكروه، وهؤلاء يرغبون باستحداث المنصب، حتى لا يتجه المقعد الرئاسي للشخصية الثانية في اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير، وهو عمليا من يشغل منصب أمين السر، الذي كلف به الدكتور صائب عريقات مؤخرا بدلا من ياسر عبد ربه، الذي خلعه الرئيس عباس من هذا المنصب، وهو ما يعزز لطارحي فكرة «النائب» أن الرئيس لا يرغب في تبني أفكارهم في هذا الشأن.
ووقت تعيين الدكتور صائب عريقات لهذا المنصب، وهو من المقربين جدا من الرئيس، ذكرت تقارير أن من بين المعارضين لذلك كان نائب أمين سر اللجنة التنفيذية اللواء جبريل الرجوب.
وبعد حديث امتد لأكثر من شهرين في الصالونات المغلفة، عن ضرورة تعيين «نائب للرئيس» خشية من القادم المجهول، وفي ظل محاربة الرئيس عباس لهذه الفكرة، خرج عدد من القيادات للحديث العلني عن الملف.
وفي هذا الشأن ذكر موقع «الرسالة نت» المقرب من حماس، نقلا عن مصادر فتحاوية تلميحها لوجود «ضغوط عربية» تمارس على الرئيس عباس من أجل تسليم السلطة وزعامة فتح لشخص آخر.
ووفق الموقع فقد ذكر أن الرئيس طلب من بعض القيادات النافذة في الحركة، تجهيز الأسماء التي تحظى بالقبول، لضمان خوض الانتخابات الداخلية لزعامة فتح في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن قرار الرئيس عباس نهائي وأبلغ بتجهيز الأسماء خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.
وحسب الموقع فإن فتح بدأت فعلياً في طرح الأسماء لخلافة عباس، وأبرزها عريقات، الذي يحظى بنصيب الأسد، وكذلك عضو اللجنة المركزية للحركة محمد اشتيه، والأسير داخل سجون الاحتلال مروان البرغوثي.
وسبق ذلك أن لوحظ أن هناك انتقادات علنية وجهت للرئيس استخدمت فيها مؤسسة الإعلام الرسمي، بخروج اللواء الرجوب على شاشة تلفزيون فلسطين، يوجه العديد من الانتقادات العلنية للرئيس، ومنها قراره بإقالة عبد ربه من أمانة سر اللجنة التنفيذية.
وفي حديثه قال الرجوب إن هناك «تخبطا سياسيا»، وقال أن التخبط لدى القيادة تمثل في موضوع عد جلسة للمجلس الوطني، وعقد المؤتمر السابع لفتح، وفي العلاقة مع حماس، وكذلك العلاقة مع الإقليم، وفي المجلس المركزي.
وخلال المقابلة غير المعتادة في التلفزيون الرسمي، بأن تحمل انتقادات حتى لو مبطنة لنهج الرئيس عباس، قال الرجوب إن هناك من القيادات «طلعوا بالغلط»، وانتقد آليات الاختيار والتعيين داخل حركة فتح، وقال أن بوصلة الحركة مؤخرا باتت غير واضحة، وأصبحت «فصيل الفرد لا فتح لها لجنة مركزية»، مشيرا إلى أن السلطة المطلقة «مفسدة»، وهو ما فسر أنه انتقادات للرئيس.
ولم تطل فترة خروج الرجوب على شاشة التلفزيون الفلسطيني الرسمي، بهذا الشكل غير المعتاد، الذي أثار الشكوك حول قدرة الرئيس على الاستمرار في قيادة دفة حكم السلطة الفلسطينية بقوة جعلت خصومه ضعفاء أمامه، حتى خرج الرئيس عباس بقرار سريع، عين فيه مشرفا جديدا للتلفزيون، ليكون أيضا رئيسا لمجلس إدارة وكالة الأنباء الرسمية «وفا»، وهو الناطق باسم فتح أحمد عساف، وهو من جيل الشباب، إذ يبلغ من العمر «42 عاما»، ومعروف بمواقفه المؤيدة والمساندة للرئيس، وهو ما فهم على أن الخطوة هدفها تمتين جبهة الرئيس، في وجه خصومه من داخل السلطة وحركة فتح.
وما يؤكد وجود خلاف في وجهات النظر، خروج الناطق باسم فتح أسامة القواسمي، بعد يوم من تصريحات الرجوب على التلفزيون الفلسطيني، يؤكد خلالها أن الحركة «تقف خلف الرئيس محمود عباس أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تحاول النيل من معنويات شعبنا وقيادته الوطنية»، والقول إن «بوصلة حركة فتح كانت وستبقى نحو القدس العاصمة وإن التناقض الأساسي والمركزي كان وسيبقى مع الاحتلال».
وبما يؤكد وجود خلافات وصراعات بين أكثر من مسؤول من الساعين للاستحواذ على منصب الرئيس مستقبلا، شن قبل أيام النائب عن حركة فتح جمال حويل هجوما عنيفًا على من وصفهم بـ «المتصارعين على الرئاسة» داخل الحركة، ودعا إلى ترتيب أطر وصفوف الحركة «قبل فوات الأوان».
وكتب النائب الفتحاوي على صفحته على موقع «فيسبوك» «صراع الرئاسة قبل الأوان.. وعلى ماذا؟». وأضاف وهو ينتقد من لا يتحدث علنا عن المقعد «الكل يصرح ويقول بأنه زاهد ولا يريد الرئاسة، والكل يضمر ويعمل بكل قوة حتى لو سال الدم وبكل الاتجاهات من أجل الرئاسة».
وأكد أن جيل الشباب والقواعد «ملوا الخداع والصراع»، مضيفا بلغة تحذير «سيفاجأ الجميع بأنكم إذا بقيتم هكذا، فلن ينال أي منكم الرئاسة». وأشار إلى أن الرئاسة «يقررها نبض الشارع الذي يجب أن تأخذوا بقراره».
وقال موجها حديثه للخصوم المتصارعين «مشكلتكم أنكم تعتقدون بأنكم الحصان الوحيد في حلبة السباق نحو الرئاسة. اصحوا يا نايمين، هناك حماس المنظمة، وهناك مستقلين أصبحوا قادة بتضحيات فتح، وهناك أغلبية صامتة كرهت كل الفصائل»، مضيفا «اصحوا يا نايمين (أفيقوا) بلاش (حتى) بكرة تنحكموا (تحكموا) من الإدارة المدنية».
ودعا حويل كل «المناضلين الشباب» وطلبة الجامعات إلى الجهوزية لـ «حماية فتح من المأجورين والرويبضة والمتسلقين»، وتابع موجها حديثه لشبيبة فتح «أنتم من دفع ضريبة الدم وسنوات عمركم في السجون والمطاردة»