قريبون من «نقطة الغليان»: قبل أن تصل نيران جنين ونابلس بقية الضفة وغزة ..

حجم الخط

بقلم: تل ليف رام

 

 


يتصاعد الوضع الأمني – في الساحة الفلسطينية، في «يهودا» و»السامرة» وشرقي القدس – أسبوعاً بعد اسبوع. الاضطرابات القاسية في شرقي القدس، بعد أقل من اسبوع منذ وقوع العملية في معبر شعفاط، والتي قتلت فيها العريف نوعا لازار وأصيب فيها حارس بجراح خطيرة، هي إشارة تحذير واضحة. التصعيد والعمليات الكثيرة في منطقة نابلس، متداخلاً مع التدهور في شرقي القدس عشية الانتخابات في إسرائيل، يقود الميدان الى شفا الغليان، وضع يذكرنا بعشية حملة «حارس الأسوار». توجد فوارق كبيرة بين بؤر التصعيد في شمال السامرة وفي شرقي القدس. ولا يمكن ربط كل شيء برزمة واحدة. فليس حكم نابلس وجنين كحكم شرقي القدس، التي توجد تحت مسؤولية حكومية حصرية لإسرائيل. لكن عندما تشتعل عدة جبهات بالتوازي، فان احتمال أن تتسبب بتسخين ساحات اخرى يكون اكبر كموجة عدوى. سيكون الكثير موضوعا في الايام القادمة على الأكتاف الهزيلة لشرطة إسرائيل. كلما نجحوا في السيطرة بسرعة على جيوب الفوضى واعادة النظام يقل احتمال التصعيد في ساحات اخرى.
في هذه الاثناء قطاع غزة صامت. مرة أخرى يثبت أنه عندما تكون «حماس» معنية بذلك لا تطلق مفرقعة واحدة من القطاع، رغم ما يجري في الأشهر الأخيرة في الضفة. وحتى مقتل «مخربين» نشطاء متماثلين مع «الجهاد الاسلامي» لم يؤدِ في الاشهر الاخيرة الى إطلاق النار من غزة.
يمكن الحديث عن عدم رغبة «حماس» في الدخول، الآن، في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكن اكثر من ذلك؛ فقد تعلمت «حماس» من حملة «حارس الاسوار» أنه قبل أن تنتقل الاحداث الى غزة يمكنها أن تجني مكاسب كثيرة من تصعيد أمني واسع في الضفة، في شرقي القدس، وفي اوساط «عرب إسرائيل» دون أن تدفع ثمناً في القطاع. منذ اشهر تشعل «حماس» المنطقة بتحريض منفلت العقال. صحيح أنها ليست الجهة الرائدة، لكنها هي التي من المتوقع الآن أن ترتفع درجة اخرى توجيه «الإرهاب» والتحريض كي تحدث تصعيداً أكبر.
ستحاول «حماس» هذه المرة ايضا على ما يبدو أن تبقى على الجدار، لكنها تعرف جيداً أنها كمن تدعي بأنها درع القدس والأماكن المقدسة بأنه اذا انزلق التصعيد الى احداث خطيرة في الحرم فستشتد الضغوط عليها لترد وتطلق الصواريخ من القطاع. غزة، كما أسلفنا، هادئة تماماً، لكن التغيير في صورة الوضع مع القطاع يمكن أن يكون سريعاً اذا لم ينجح جهاز الامن في أن يوقف المنزلق السلس للأيام الأخيرة.
في الشهر الأخير سقط ثلاثة مقاتلين من الجيش الإسرائيلي في عمليات إطلاق نار وتبادل لإطلاق النار مع «المخربين»، وقتلت مواطنة إسرائيلية في حولون. بين ثلاثة احداث مختلفة في طبيعتها - في المعبر في شعفاط، في ارض مفتوحة غير بعيدة عن جنين، وفي العملية الاخيرة في المدخل الخلفي لشافي شمرون– تثور عدة نقاط مشتركة.
في كل الاحداث سعى «المخربون» ليفاجئوا الجيش بالنار من مسافة قريبة، ومع كل الصعوبة في الحكم المسبق قبل ان تنتهي التحقيقات، فان هذه ثلاثة احداث لم تنته فقط بنتائج قاسية لكن تنشأ منها اسئلة عن جودة اداء القوات في الميدان ومدى اليقظة والتأهب حيال وضع عملياتي في مهام الحراسة الاعتيادية والمتآكلة.
تشخص خلايا «مخربين» احتمال تنفيذ عمليات اطلاق نار على مقاتلي الجيش الإسرائيلي والهروب السريع من ساحة الحدث، الى جانب عمليات «ارهاب» اخرى موجهة ضد إسرائيليين في الضفة. من الاحداث الثلاثة الاخيرة التي سقط فيها مقاتلون من الجيش الإسرائيلي يمكن استخلاص دروس عديدة، ويوجد الكثير جدا مما يمكن تعلمه وتحسينه.
أمام واقع متغير وعمليات اطلاق نار، تصبح مهنية اكثر كلما مر الوقت، فإن الجيش ملزم بأن ينفذ على وجه السرعة التكييفات اللازمة. مقابل جنين، التي كانت في بؤرة التوتر على مدى الاشهر الاخيرة، فإن نابلس تحتل منذ بضعة اسابيع الصدارة، إذ ان العمليات التي تخرج منها تشكل بشكل فوري خطرا على مواطنين إسرائيليين كثيرين.
الواقع المركب في نابلس محمل بالعبء على اي حال باحداث عنيفة بين الفلسطينيين واليهود. كلما استمرت موجة «الارهاب» القاسية حول نابلس هكذا بالتوالي تتزايد المواجهات العنيفة من اليهود والفلسطينيين في المنطقة. انجراف في منطقة نابلس من شأنه أن يؤدي الى تصعيد في الضفة بكاملها. حالياً لم يحصل هذا بعد، لكن في جهاز الامن، بعد شهر عنيف على نحو خاص، يفهمون اننا قريبون جدا من النقطة التي بعدها سيكون صعبا جداً وقف الانجراف.
من هنا على الاقل، على مستوى التخطيط، على الجيش ان يكون جاهزاً، بعد اشهر من النشاط، مع قوات تعزيز كثيرة أوقفت التدريب ودخلت الى روتين ساحق ومتواصل في الضفة، فان تصعيداً اضافياً من شأنه أن ينتقل ايضا الى باب العمود والحرم يمكنه أن يصل بسرعة اكبر مما نعتقد الى قطاع غزة ايضا. في هذه اللحظة لا توجد لذلك معلومات استخبارية ومؤشرات على الارض، لكن الماضي القريب علمنا كم سريعاً أنه يمكن لقطاع غزة ان ينقلب.
هذا الاسبوع، لأول مرة منذ زمن طويل، نصبت إسرائيل حواجز دخول وخروج من مدينة نابلس. ثلاثة مداخل فقط بقيت مفتوحة، وبسرعة كبيرة اصبح هذا هو الخطاب المركزي في المدينة. مقارنة بجنين، التي يعتقدون في إسرائيل ان السلطة الفلسطينية فقدت السيطرة هناك، في نابلس يعطون عندنا فرصة لأجهزة الامن الفلسطينية لان تتصدى للوضع.
بزعم محافل الجيش، نرى في الايام الاخيرة في الميدان نشاطاً لأجهزة الامن الفلسطينية في محاولة لكبح ميل توسع ما يسمى تنظيم «عرين الاسود». المشكلة في القضاء على هذا التنظيم هي أن جزءاً منه فقط يمكن تحديده بمعلومات مسبقة كون هذه الفكرة في الغالب تنتشر في الشبكات الاجتماعية في الرواية العلمانية – الوطنية التي تنجح في اجتذاب الشباب في نابلس ممن كانوا في الماضي غير مرتبطين بـ «الارهاب».
معضلة الجيش الإسرائيلي وقيادة المنطقة الوسطى هي في اختيار مستوى النشاط الهجومي في قلب المدينة نابلس. بالطبع عندما تكون اخطارات مركزة لعملية على الطريق لا توجد اي معضلات وتدخل قوات الجيش الى نابلس. المطالبات التي تنطلق في إسرائيل تجاه الجيش لسحق قدرات التنظيم الجديد، اعتقال او تصفية نشطاء «الارهاب» في نابلس تتجاهل ان قسما كبيرا من التنظيم يندرج ضمن فكرة مشتركة وليس مؤسسة واحدة.
بقدر كبير، النجاحات الاخيرة في عمليات إطلاق النار، الصدى والكشف الاعلامي الكثير للتنظيم وللفكرة الجديدة من شأنها أن تصبح ظاهرية اوسع. حملة واسعة في نابلس قد تكون لها مضاعفات تؤدي الى تصعيد امني في الضفة. من هنا فانه في هذه المرحلة يعتقد جهاز الأمن انه رغم العمليات الاخيرة ليس من الصائب الاعلان او تنفيذ حملة واسعة في شمال «السامرة» او في نابلس.
الكثير منوط في الايام القريبة القادمة ايضا بالتطورات في الميدان، حين تزيد أحداث امنية وعمليات ناجحة الضغط الجماهيري والسياسي لتوسيع النشاط العسكري. بين الجيش والقيادة السياسية يوجد توافق على أنه لا مكان في هذه اللحظة لحملة واسعة في شمال «السامرة». لكن امكانية التصعيد الكبير تبدو، هذه المرة، أقرب عندما يجتذب التصعيد الى شرقي القدس أيضا.

عن «معاريف»