يديعوت: إسرائيل أسيرة لـ «رؤية تعيسة» في صراعها مع الفلسطينيين

حجم الخط

وكالة خبر

 

“طالما بقيتم تحتلون الجزائر ستخوضون حرباً بلا توقف. سيخيل لكم أحيانا ان الحرب انتهت، لكن كراهية هؤلاء الناس لكم لن تقل. فتحت رماد اللهب شبه المنطفئ ستبقى جمرات مشتعلة، وفي اول فرصة ستشتعل نار كبرى”. هذا ما كتبه البارون لكييه في العام 1831، بعد سنة من احتلال فرنسا للجزائر، وإعلانها جزءاً من الجمهوريةـ حيث شجعت مئات آلاف الفرنسيين على الاستيطان هناك. وكان المؤرخ اليستر هورن اختار هذا الاقتباس مدخلا لكتابه “حرب ضروس ضد السلام: حرب الجزائر 1954 – 1962″، في العام 1977، وهو ذو صلة بالعام 2022 أيضا، في ضوء ما يحصل في “المناطق”.

يتحطم القلب عند رؤية صور القتلى في المواجهات الاخيرة، في ضوء المعرفة المريرة بان حياة العائلات الثكلى لن تعود ابدا الى ما كانت عليه. وليس في ما يقال هنا ما يبرر “الارهاب” الرهيب، او تدفيع الثمن الدموي الذي يجبيه هذا “الارهابإن “الحرب الضروس للسلام” احدى الوثائق الاهم التي يجب أن توضع على طاولة اصحاب القرار.

عدد الفرنسيين، الذين استوطنوا الجزائر في 130 سنة من احتلالها، اقترب من المليون. استثمرت فرنسا مالا طائلا في المقدرات وفي القوى البشرية كي تقضي على حركة التحرير الجزائرية، بما في ذلك اقامة “خط موريس” على حدود تونس على طول نحو 300 كيلو متر كي تمنع تهريب العتاد القتالي والاشخاص – جدار كهربائي بارتفاع 2.5 متر بقوة 5000 واط، ملغوم من طرفيه. في العام 1956، عندما احتدم الصراع أقر الرئيس الفرنسي، غي موليه، “ان يستخدم الحيش كل وسيلة لازمة”، لاجل قمع الثورة، وقوة بشرية وصلت الى نصف مليون جندي. “نحن نقتل واحدا منهم عندما نتمكن من إمساكه”، يقتبس هورن عن مقابلة مع أحد المستوطنين الفرنسيين. “لكن في الغداة يأتي واحد آخر ويبدأ من جديد”.

في العام 1959 عرض الرئيس شارل ديغول تقرير مصير للجزائر. واستغرق هذا ثلاث سنوات الى أن حصل. في اثنائها شقت الدبابات طريقها الى ميدان كونكورد في باريس كي تحمي المدينة من انقلاب متوقع قاده المستوطنون في الجزائر. الاستنتاج من سنوات الصراع كان أن الامتيازات التي عرضها الفرنسيون لم تغير الوضع ولا الازدهار الاقتصادي ايضا. ما اراده الجزائريون هو أن يروا آخر الجنود الفرنسيين يغادر.

الجزائر هي ليست الضفة الغربية، والمسافة بين العاصمة الجزائر وباريس لا تشبه المسافة التي بين رام الله والقدس، او بين قلقيليا وكفار سابا. ولم يكن بين الجزائريين من اعتقد أن تحرير بلاده ليس المرحلة الاولى في الطريق الى احتلال باريس. ولم يتجول آباء الفرنسيين في صحارى الجزائر. ولم يكن لهم مغارة الماكفيللا، عاليه، مخماش وعناتوت.

ولم يكن لهم نبي في تقوع. لكن موجات الصراع في “المناطق” تثبت بأن شيئا لم يتغير في الــ 55 سنة الاخيرة. لا في فترات الازدهار ولا في أيام الدرك الاسفل. لا عندما قيد عدد العاملين المسموح لهم الدخول الى اسرائيل ولا عندما تضاعفت هذه الأعداد مرتين أو ثلاث مرات. لا عندما قفز عدد الحواجز ولا عندما هبط. لا عندما دخلت القوات الى القصبة ولا عندما خرجت منها. موجات الصراع غيرت فقط، في الهوامش، مزاياها.

انتفاضة الجماهير وانتفاضة الافراد، العمليات العدائية المنظمة والعمليات العدائية غير المنظمة. يبدو أنه لا يوجد هناك جواب، واسرائيل، مثلما يفهم من اقوال رئيس الوزراء، يائير لابيد، في خطابه في الامم المتحدة يتعين عليها أن تعمل على حوار سياسي يقوم على اساس اعتراف بالحاجة لاقامة دولة فلسطينية. دولتان للشعبين. هذا سيستغرق وقتا، وايجاد الشريك المناسب ايضا، وبلورة خطة ايضا، ورسم خريطة تأخذ بالحسبان ما حصل في المنطقة في يوبيل السنوات الاخيرة، لكن الفكرة في أنه فقط اذا ما أمسكنا “مخربا” آخر، وهدمنا منزلين آخرين، واعتقلنا مئة شخص آخرين سيأتي الهدوء، هي فكرة تعيسة. دوما ستبقى جمرات مشتعلة مثلما كتب البارون لكييه قبل 190 سنة كي تشعل نارا كبرى.