تستغل إسرائيل على نحوٍ بشع، انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها، وتشنّ حربها الخاصة على الفلسطينيين، من دون أن تتوقع ولو الحدّ الأدنى من انتباه المجتمع الدولي.
الأمر يتعدّى دوافع استغلال وتوظيف الدم الفلسطيني في التنافس الانتخابي، بين مجموعاتٍ كبيرة من الأحزاب والشخصيات الطامحة إلى أن يكون المشروع الصهيوني التوسُّعي يتجه نحو الانتقال إلى مرحلة جديدة من تحقيق أهداف السيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً الضفة الغربية والقدس.
إذا كان الدم الفلسطيني موضوع استغلال بشع من قبل الأحزاب الإسرائيلية، فإن هذا الاستغلال لن يتوقف، بل وسيتصاعد إلى مستويات خطيرة، طالما أن أزمة النظام السياسي في إسرائيل مستمرة وتتجه نحو التفاقم.
آخر استطلاعات الرأي، قبل عشرة أيام من موعد الانتخابات العامة الإسرائيلية، يشير إلى أن أيّاً من الفريقين، لا يستطيع الظفر بتشكيل حكومة.
معسكر «اليمين» بقيادة نتنياهو يحصل على ستين مقعداً فيما يحصل معسكر «الكوكتيل» على ستة وخمسين مقعداً، وما تبقّى يذهب إلى «القائمة العربية المشتركة» من دون «التجمُّع».
اللافت في هذه اللوحة، أن حزب الصهيونية الدينية، الذي يشكّل جزءاً من معسكر نتنياهو، سيحظى بثلاثة عشر مقعداً، ليكون الكتلة الثالثة في الكنيست بعد «الليكود»، وهناك «مستقبل».
يؤشر هذا على ازدياد وتصاعد العنصرية الإسرائيلية، وتأثيرها في اللوحة السياسية، وأيضاً في ميدان المجابهة، بما يفتح المجال لسيناريوهات وتوقعات صعبة بالنسبة للفلسطينيين.
ثمة توقعات تشير إلى أن حزب الصهيونية الدينية، يمكن أن يدفع الأوضاع نحو تهجير مئتي ألف فلسطيني من أراضي 1948، إلى المناطق المصنّفة (ج) في الضفة الغربية.
وبصرف النظر عن مدى واقعية هذا السيناريو، إلّا أنه يقع في صُلب المشروع الصهيوني الذي يعمل كل الوقت لتحضير الميدان، من أجل تحقيق مثل هذه السياسة.
لقد سبق لليبرمان أن اقترح في سنوات سابقة، أن تتضمن المفاوضات السياسية هذا الموضوع، حين كان الأمر مطروحاً ولو نظرياً، على أن عملية تبادل الأراضي ينبغي أن تستهدف منطقة «المثلث» شمال فلسطين بما يعني انتقال ثلاثمائة ألف فلسطيني من الداخل إلى أراضي السلطة الفلسطينية.
يدرك القائمون على المشروع الصهيوني، وهم يشكّلون الأغلبية الساحقة من اللوحة الحزبية، والنُخب الأمنية والسياسية، أن الفلسطينيين لن يبرحوا أرضهم، وممتلكاتهم، ولذلك لا بد من استعمال القوّة المفرطة على نحوٍ متزايد، لإرغامهم على الهجرة.
تكذب إسرائيل حين تسوّق فكرة «السلام الاقتصادي»، الذي يُقصد منه أن يكتفي الفلسطينيون، بممارسة حياة أفضل، ولكن من دون حقوق سياسية، ذلك أن مثل هذه الفكرة، لا تحلّ مشكلة الميزان الديمغرافي الذي يميل شيئاً فشيئاً لصالح الفلسطينيين، كما يعالج مسألة «الدولة الواحدة»، التي يتعايش فيها الشعبان بهذه الطريقة أو تلك.
«السلام الاقتصادي» مجرّد مرحلة من مراحل المخطط الصهيوني، الذي لا يرى للفلسطينيين وجوداً سواء في الداخل أو في الأراضي المحتلة العام 1967.
ولكن وفي ضوء استمرار الفلسطينيين بالتمسك بحقوقهم الوطنية بحدّها الأدنى، الذي تتيحه الشرعية الدولية، ثمة ضرورة للتفكير في اتجاه تحويل التسهيلات الإسرائيلية، نحو تعزيز صمود المواطن الفلسطيني في أرضه، والاستمرار في مقاومة الإرهاب والعنصرية الإسرائيلية.
ثمة من قال إن الفلسطينيين أو الإيرانيين ليسوا هم العدوّ الأساسي لإسرائيل، وإنما عدوّها الأساسي هو العنصرية، التي يشكل اليوم عنوانها بن غفير، والصهيونية الدينية.
هذا التوصيف الذي صدر عن مسؤول أمني إسرائيلي سابق كان قد ردّده، وكتب عنه أكثر من كاتب، ومؤرّخ، وناشط سياسي وأمني، وهو يعني أن القلعة الإسرائيلية التي تبدو في أفضل مستويات قوتها، ستتم عملية تدميرها بموجب آلية التدمير الذاتي.
في الواقع فإنّ رفض الطبقة السياسية الإسرائيلية لمبدأ التفاوض على أساس «رؤية الدولتين»، وقرارات الشرعية الدولية، يرغم كافّة الأحزاب السياسية الإسرائيلية الفاعلة، على الانجرار خلف بن غفير، والذي تحظى أفكاره، وأفعاله، بقبولٍ واسع، وينخرط فيه المزيد من المستوطنين، والإسرائيليين عموماً.
إسرائيل العنصرية، تنحدر يوماً بعد آخر، نحو الانحطاط والعزلة، عَبر آليات الصراع الداخلي، والرغبة في إقامة الدولة الصهيونية التي لا يمكن بأيّ حالٍ أن تكون ديمقراطية، ما يواجه انتقادات متزايدة، وسط الكيانات الصهيونية في الخارج.
الولايات المتحدة، التي قال رئيسها جو بايدن، إنه يفتخر بصهيونيته، تساهم عملياً في تسريع الانحدار، حين تتبنّى فكرة الدولة اليهودية الديمقراطية، وتعتقد أن مثل هذه الفكرة، تساهم في استقطاب المال اليهودي والجماعات اليهودية في الولايات المتحدة.
ثمة تسابق، أيضاً، في أميركا بين «الديمقراطيين» و»الجمهوريين» على استقطاب الصوت والدعم اليهودي، والذي يتطلّب تسابقاً على من يقدم الأفضل لإسرائيل.
هكذا تبدو مواصلة الحديث عن «رؤية الدولتين» من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية، مجرّد نصيحة، لكنها تفعل ما يلزم لمسايرة إسرائيل التي ترفض رفضاً قاطعاً وجذرياً هذه الفكرة.
إزاء ذلك، وفي مواجهة تصاعد العنصرية، والإرهاب الإسرائيلي، الذي بات يستخدم كل وسائل القتل، من الطائرات المسيّرة، إلى المروحيات، وعمليات التفجير، والإعدام الميداني، والحصار المشدّد، لا بدّ من إسناد الشباب الفلسطيني الذين يتصدُّون بقوة لذلك.
لا نرى أن إطلاق الصواريخ من غزة يشكل الردّ الأفضل في هذه المرحلة، وإنما تعزيز وتطوير المقاومة الشعبية بكل أشكالها وتنشيط الخطابين الإعلامي والسياسي من قبل كافّة مكوّنات المجتمع الفلسطيني لفضح وتعرية السياسة الإسرائيلية على المستوى الدُولي، وفضح سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الدول الاستعمارية المساندة بقوّة والمتواطئة مع العنصرية والإرهاب الإسرائيلي.