مسيرة غباء: إسرائيل أغضبت روسيا وخيّبت أمل الولايات المتحدة!

حجم الخط

بقلم: الون بنكاس

 

 



مطلوب قدرة كبيرة نوعية وسياسية نادرة، وتفكير إستراتيجي وابداعي، ودقة عالية، ورؤية مستقبلية حادة بشكل خاص من أجل القيام بما فعلته إسرائيل منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وهو خلق عداء أوكراني، وغضب روسي، وخيبة أمل أميركية، كل ذلك بدون أن تحقق أي مصلحة لها. من اجل دمج فشل أخلاقي مع فشل سياسي فإنه مطلوب قدرة خاصة.
هناك من سيقولون، إن الأمر يتعلق بفشل متوهم. وسيقول آخرون، إن هذا عدم قدرة تجريدية سياسية، أو تفكير استراتيجي متحجر. ربما يدور الحديث عن تمسك ثابت بافتراضات أساسية خاطئة، أو مزيج بين اعتبارات ساخرة وسوء فهم للمشهد. ازداد كل ما قيل، مؤخراً، عندما تبينت أبعاد التحالف الروسي – الإيراني، وما زالت إسرائيل ترفض الوقوف إلى جانب أوكرانيا والولايات المتحدة باسم المصالح المتوهمة. هنا أصبحت السياسة المعيبة فشلا سياسيا.
حتى غزو روسيا لأوكرانيا فإن الموقف الحيادي الذي تبنته إسرائيل كان موقفا خاطئا. اعتبرت إسرائيل العلاقات السليمة مع روسيا مصلحة سياسية وضرورة عسكرية تقتضي التنسيق مع روسيا في نشاطات ضد الإيرانيين في المجال الجوي السوري. دون الدخول إلى الأهمية والجدوى المشكوك فيها لهذه النشاطات فإن سياسة إسرائيل المنطقية حتى ذلك الحين كانت الحفاظ على علاقات سليمة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
طالما أن بوتين كان ينشغل بالتهديدات والذهاب حتى الحافة، فإنه لم يكن لإسرائيل أي سبب أو جدوى من التصريحات المؤيدة للأميركيين أو المناوئة لروسيا. الولايات المتحدة، رغم أنها لم توافق على كل ادعاءات إسرائيل، إلا أنها تعاملت معها كدولة هامشية في المعادلة، ولذلك لم تضغط عليها. وموقف إسرائيل لم تكن له أي أهمية.
بعد ذلك جاء الغزو الروسي، قصف المدن في أوكرانيا والقتل الجماعي للأبرياء والتهديد بالتصعيد العرضي، إلى مولدافيا أو حتى دول "الناتو" البلطيقية، والتهديد بـ"يوم القيامة" عن طريق استخدام السلاح النووي. قاد الرئيس الأميركي سياسة متشددة ضد روسيا، وبلور حلف "الناتو"، وزاد التحالف، ووفر المساعدة والسلاح بمبلغ 20 مليار دولار لأوكرانيا وقام بتسمية بوتين بـ"الجزار" و"مجرم حرب" وشخص "محظور أن يبقى في منصبه".
ماذا بالنسبة لإسرائيل؟ غير موجود. الحليفة الكبرى لأميركا، إسرائيل، التي تحصل منها على 3.8 مليار دولار مساعدات عسكرية في السنة، لم تفعل أي شيء ولم تقل أي شيء. إسرائيل، التي تذكر العالم بالكارثة في كل مناسبة، وتحذر من جرائم الحرب، وتدين النفاق بخصوص كل انتقاد لها، فجأة أصبحت محايدة.
من اجل صد الانتقاد الموجه لحيادها المتورع، أعلنت إسرائيل عن نفسها وبغطرسة بأنها "وسيطة". لا توجد لإسرائيل تجربة في الوساطة. لذلك، لا توجد لها ثقة تنبع من ذلك، ولا توجد لها رافعة ضغط على روسيا أو أوكرانيا، ولا توجد لها ثقة من قبل روسيا أو أوكرانيا ولا توجد لها موافقة منهما على تقديم اقتراحات لهذا الجانب بحيث يتم احترامها من قبل الجانب الآخر. عندما انتهت المغامرة المضحكة هذه كانت لإسرائيل فرصة لتغيير مقاربتها، لكنها قامت بفعل العكس.
دمج المنطق الاستراتيجي لإسرائيل أساسين، الإعجاب ببوتين والموافقة على افتراضاته الأساسية الخاطئة مثل أن بوتين هو شخص قوي وجدي وتوجد له نظرية سياسية منظمة، وهو يستخف بأميركا، وعمل أحد الرؤساء، ترامب، لديه، والثاني، بايدن، سيتلاعب به ويديره بسهولة، حيث يوجد لبوتين جيش حديث وقوي، وستخضع أوكرانيا بدون حرب (الولايات المتحدة مذنبة لأنها دعت أوكرانيا للانضمام لـ"الناتو"، الذي سيتم حله بسبب تناقضات داخلية)، وإذا حدث غزو، من المرجح ألا يحدث، فإن بوتين سيحتل كييف خلال 72 ساعة. بوتين عبقري استراتيجي. ملاك.
كل هذه التقديرات بالطبع تبين أنها خاطئة. كل هذه التقديرات وافقت عليها إسرائيل كأمر مفهوم ضمنا.
دخول إيران إلى المعادلة كان يمكن أن يغير التفكير في إسرائيل، لكن هذا لم يحدث. بقيت إسرائيل داخل فضاء مريح وكسول، فضاء لنفي الواقع الذي يستند إلى خطأ رئيسي: مجرد الافتراض بأن روسيا هي حليفة في الموضوع الإيراني. هذا الافتراض، الذي ارتكز إلى تضارب مصالح وعداء بين طهران وموسكو، تبين أنه خطأ في اللحظة التي بدأ فيها الغزو. أصبحت شراكة المصالح السورية – الإيرانية مهمة منذ تموز 2015 عندما وصل قاسم سليماني، قائد قوة "القدس" في الحرس الثوري الإيراني، لزيارة في موسكو لتنسيق النشاطات بين إيران وسورية. بالنسبة لإيران كان الهدف تحويل دمشق إلى عاصمة عربية أخرى توجد لها فيها أدوات نفوذ قوية مثلما هي الحال في بغداد وبيروت وصنعاء وغزة.
في العام 2016، عندما كانت روسيا وإيران متواجدتين في سورية قام بوتين بإقناع ترامب بأنه حليف، وأن الموضوع الإيراني غير مهم. في إسرائيل، استخلصوا درسا بعيد المدى، وهو أن الولايات المتحدة ربما ستنسحب من الاتفاق النووي مع إيران في موازاة خطوات روسية لإخراج إيران من سورية. انسحبت الولايات المتحدة حقا من الاتفاق، وبدأت إيران من جديد وبصورة كثيفة في تخصيب اليورانيوم، ولم يكن هذا مهما أبدا لروسيا، بالأساس لم يتم طرد الإيرانيين من سورية، وفي إسرائيل، استمروا في النظر إلى روسيا كقوة مهمة.
بعد ذلك، جاء غزو أوكرانيا وفجأة أصبحت إيران وروسيا حليفتين، حتى لو كان ذلك لأسباب مؤقتة، حيث كانتا تحت الضغط الأميركي. في هذا الشأن، يوجد لطهران ما تعلمه لموسكو بشأن تكتيكات التملص والالتفاف. الخلافات بينهما في الرأي بخصوص أوزبكستان، وبالأساس كازاخستان، تلاشت، ضمن أمور أخرى، بسبب أن الصين مشاركة، وبقي فقط المحور المناهض لأميركا.
عن هذا الشرخ وفي موازاة الفشل العسكري الكبير لروسيا في أوكرانيا وانهيار عقيدة "حرب مهجنة" ومعها القوة العظيمة لروسيا التي لم نكف في إسرائيل عن الإعجاب بها، وفي الخلفية صورة للمسيرات الإيرانية التي تحطم نفسها فوق مبان سكنية في أوكرانيا، قررت إسرائيل أنه حتى الآن فإن الحيادية هي السياسة الصحيحة وأنها لن تقوم ببيع السلاح لأوكرانيا.
ستطلب الولايات المتحدة وسيتوسل "الناتو" وستستنجد أوكرانيا من اجل الحصول على السلاح الدفاعي، لكن إسرائيل ستواصل كونها محايدة، أي مؤيدة لروسيا. لماذا كل ذلك؟ لأن بوتين هو "القيصر الذي هو ليس لاساميا" وأن هناك 25 طائرة مسيرة روسية في سورية، وأنه إذا باعت إسرائيل منظومات لأوكرانيا فإن "هذا السلاح ربما يصل إلى إيران"، إيران التي تزود روسيا بالصواريخ. حتى هذا لا يعتبر تناقضا، هذه مسيرة غباء كاملة.

عن "هآرتس"