مثلث مرسيليا من مد الموسيقى.. إلى جزر السلطة

آمال الهاني صحفية تونسية.jpg
حجم الخط

تونس - وكالة خبر- بقلم: آمال الهاني

هنا في اكبر وأكثر شوارع تونس العاصمة شهرة، شارع الحبيب بورقيبة، حيث التقاء الجنوب بالشمال التونسي، حيث يجتمع الغني والفقير الرجال والنساء الصغار والكبار المعلم والتلميذ لكل منهم حاجة فيه.

إما لاقتناء بعض الحاجيات أو لتناول المأكولات أو لشرب فنجان قهوة والاستماع إلى دقات قلب هذا الشارع من بكاء طفل إلى قهقهات نسائية إلى أولائك البياعة المتجولون احدهم قد يبيعك الورد والأخر قد يبيعك السجائر.

فهكذا هو شارع الحبيب بورقيبة أو ما يسمى عند التونسيين ب "الافني"، يشعل دخان المظاهرات فهو شارع حاضر على كل انتفاضات التونسيين، متصنت لهتافاتهم وخزين لتحركاتهم، كما انه لبعضهم أول نبض حب لعلاقاتهم.

شارع الحبيب بورقيبة علامة لتونس

هو كذلك باعتبار تواجد "المنقالة" فيه من جهة وتواجد تمثال ابن خلدون في الجهة الأخرى، ففي منتصف المسافة بينهما، بالتحديد في مدخل شارع مرسيليا، في نقطة التقاءه مع شارع الحبيب بورقيبة وبمقابلة نهج ابن خلدون، تتمغنط الاذان لسحر هذا المثلث البرمودي الخاطف.

نهج مرسيليا بتونس العاصمة حيث التقاء الثقافات و التفاف النوتات حول الكلمات المعبرة حيث يخلق شارع اختصاص غناء وموسيقى بتونس، ليكون مكان راحة وصفاء للمتفرجين و يعتبر عند البعض هاجس الدولة.

ما ان تمر بجانب هذا الشارع حتى يستوقف سمعك مقطوعات موسيقية راقية بل ويستوقف نظرك تواجد حشد كبير من الناس كبارا وصغار نساء ورجالا، تبعث فيك سحرا يدفعك للاكتشاف من يقف وراء هذا الجمع؟ لتقترب بلهفة وابتسامة تجهل سرها.. لترى نهاية أناس يتمايلون مع الألحان غير مبالين ببعض، في جو من الضحك والتصفيق.

على رأس هذا الشارع بالعاصمة، صيفا كان أو شتاء صباحا أو في المساء، يلتقي بعض الشبان من أعمار متفاوتة من سن العشرين لسن الثلاثين، لا يبدو عليهم أية ترف كما لا يبدو عليهم المعاناة ما لك إلا إن تركز سوى في الوشم المتوزع على مناطق عدة من الجسم وان تبحث في هيئتهم الغريبة الغربية بعض الشيء من ملابس و"ستايل" الشعر، مع هالات سوداء تعانق الأعين من شدة السهر على حد تعبير احدهم، بحثا عن لحن يسحر مارة غدا على هذا الشارع، قمة في الإبداع متلحفة في بساطة الحضور..

موسيقى الشارع.. حبل النجاة

يقول انيس.ع وهو عازف ومغني شارع من جهة الشمال الغربي، انه احترف العزف مع أصحابه، جمع المال واشترى قيثارة ثم صاحب الطريق منذ ذاك الوقت، لم يكمل دراسته لظروف عائلية قاهرة، فتمرس موسيقى الشارع مقابل بعض الدنانير لضمان "ملاوي" من نهج ابن خلدون وفنجان قهوة وبعض السجائر، كما اضاف ا.ع انه غير مرحب به من قبل عائلته بسبب الوشم والموسيقى، فيقول أن الشارع هو مهربه حيث انه المكان الوحيد الذي يلتقي فيه الاستاذ والطالب من دون علو، ويلتقي فيه العامل والموظف من دون بيروقراطية فكلنا سواء في الشارع و"الموسيقى التي تعزف على الطريق اصدق من اية لحن اخر، فاقول لا واعبر عن احاسيسي، عن ارائي وعن كلماتي بلحني"

هوس الشرطة

يضيف ا.ع انه تعرض للتهديد من قبل اعوان الامن في نهج مرسيليا، ف"موسيقى جيتارتي وغنائي راحة للبعض كما انهم نفسهم يمثلون ضغط لرجال الشرطة هنا، ربما لاننا في وقت اختلط فيه الحابل بالنابل ولم يعط هناك فرق بن المتسول والمتحيل وبين عازف الطريق وقاطع الطريق، فعادة ما يدعوني بالمتسول"

"اسمع تمشيش نلقاك غادي بعد " كلمات صدرت من ضابط شرطة موجهة لانيس، وحين استفسرنا عن السبب اجابنا انه يقصد بانه لا يريد من انيس واصدقائه التواجد بمدخل شارع مارسيليا في المساء، هذا النوع من الفن يمثل لنا اشكالا خاصة في هذا الشارع، لانه قلب البلاد، حيث يختلط الكل.

كلمات بسيطة في شكلها ولكنّ مضمونها تنوء بأوجاع انيس وزملائه في فن الشارع، قد حولت حاضرهم الى جحيم لا يطاق على حسب كلماته.

انا فرح بابتسامة المارة..

"قد يكون هذا الفن مشكلة بالنسبة لاعوان الامن هنا، لكن انسى التوتر حالما اشاهد ضحك البعض ورقص البعض الاخر على الحاني، اني اغني للشارع ولقلب من في الشارع، لا ارجو مالا ولا اود مسرحا للغناء، فانا واصدقائي نرنوا بكلماتنا نحو السماء، اننا الكلمة الحرة، صادقنا الطريق وطرقنا قلب العدو والصديق"

تقول ر.ناجي لا ارى تصنعا في هذا النوع من الفن، اني مستمعة وفية، كلما مررت من هنا اتذكر اغاني من نوع "عايشة" او "اصابك عشق" فلهذا المكان رائحة خاصة في قلبي، احبهم ولا ارى سبب في ايقافهم او التصدي لهم.

كما يضيف ح.دخيل هم نقاء هذا البلد لقد مللنا من الاغاني الخادشة للحياء، نريد احترام هذا النوع من الفن الراقي على حد تعبيره

يختم العم كريم قائلا هؤلاء الشباب مشهورين في نهج مارسيليا وقلة من لا يحبهم، يجعلوني ابتسم رغم يومي التعيس في العمل.

لم تعد شوارع تونس تقتصر فقط على مظاهر الفساد والتحيل بل تتعدى ذلك لتصل للغناء والموسيقى، هي كما اعتبرها البعض وقفة من الضوضاء اليومية التي يتغنى بها الشارع التونسي في العادة. فن الشارع، رسالة يفهمها كل من مركزه على حدا

"الموسيقى قد تكون يوما ما لغة عالمية للجنس البشري" كما اقر به افلاطون واليوم هي لغة في تونس يتعامل بها البعض فيما بينهم، تجعل المار يختفي في جاذبية مرسيليا ليس بحرا انما موسيقى.