هارتس : "عرين الأسود" في بؤرة الاستهداف الإسرائيلي: شعبيتهم بازدياد

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


نشاط قوات الأمن، فجر أول من أمس (الثلاثاء)، في نابلس جزء من جهود إسرائيلية واسعة تستهدف المجموعة الفلسطينية الجديدة "عرين الأسود". هدفَ اقتحام معمل متفجرات تابع للمجموعة داخل القصبة في نابلس إلى إحباط خطط لهجمات بوساطة المتفجرات. وفي الوقت ذاته "قتل" أحد نشطاء المجموعة في انفجار بسيارته.
هذه هي الحادثة الثانية من نوعها خلال يومين، إذ يعتبر الفلسطينيون هذه الأحداث تجديداً لسياسة الاغتيالات الإسرائيلية في الضفة الغربية. قُتل في هذه العملية داخل نابلس 5 فلسطينيين، وأصيب نحو 20. وخلال تبادُل إطلاق النار لم يكن هناك مصابون إسرائيليون. وفي قرية النبي صالح شمال رام الله قُتل شاب آخر برصاص الجنود. أما بجانب حاجز سالم، شمال جنين، فأصيب مسلحان فلسطينيان بنيران قناصة الجيش الإسرائيلي الذي نصب لهما كميناً.
هناك سببان وراء التركيز الإسرائيلي على "عرين الأسود"، سبب رمزي وسبب عملي. المجموعة الجديدة، هيكليتها فضفاضة وهي غير منتمية إلى أي فصيل، على الرغم من أن أعضاءها يحصلون على تمويل من كافة الفصائل الفلسطينية، وقد نجحت في إثارة خيال جيل الشباب في الضفة الغربية. في نابلس، لديها عشرات الأعضاء ومئات الداعمين، ومنشوراتها في وسائل التواصل الاجتماعي تدفع إلى المزيد من الدعم لها والاهتمام بها.
سجلت "عرين الأسود" أيضاً نجاحات عملية خلال عمليات إطلاق النار في الطرق الالتفافية حول نابلس، حيث قُتل في إحدى العمليات الجندي عيدو بروخ من لواء "غفعاتي". هذه النجاحات دفعت بقوات الأمن الإسرائيلية إلى تركيز جهودها على المجموعة، بالإضافة إلى وجود معلومات عينية تفيد بنيّة تنفيذ عمليات. في الشهر الماضي تم إلقاء القبض على ناشط من نابلس في يافا، كان يحمل سلاحاً وعبوات أنبوبية. أعضاء "عرين الأسود" هم مَن أرسلوه إلى هناك، بهدف تنفيذ عملية في تل أبيب. وفي الأسابيع الماضية قاموا بتفجير عبوتين بجانب المستوطنات، وفي حالات أُخرى يبدو أنه حدثت "إصابة عمل" خلال التعامل مع العبوات.
أقام نشطاء المجموعة معملاً للمتفجرات في بيت سرّي داخل القصبة في نابلس. وبحسب المعلومات الموجودة، فإنهم لم يتعلموا بعد كيفية تركيب عبوات قاتلة، كتركيبة الـ TATPK التي بواسطتها فجّرت "حماس" الباصات أيام الانتفاضة الثانية. كما لم يتم حتى الآن تجنيد "استشهاديين". لكن يمكن لعبوات أنبوبية مع إضافة بعض المسامير، أن تؤدي إلى ضرر لا يمكن الاستهانة به. يبدو أن الخطة هكذا كانت.
العملية التي استهدفت معمل المتفجرات أدارها "الشاباك" و"اليمام". وفي الوقت ذاته، حيث جرى استهداف البيت داخل القصبة، جرى تفجير سيارة أحد نشطاء المجموعة، وقُتل 4 مسلحين فلسطينيين برصاص الجيش، عندما حاولوا الوصول لمساعدة أصدقائهم الذين كانوا تحت النار. ولتأمين القوات، استخدم الجيش طائرات من دون طيار، إلا أنه لم يستعملها بعد للهجوم. أحد القتلى هو مسؤول كبير نسبياً في المجموعة، وديع الحوح.
أعلنوا في الجيش أنهم يتوقعون عمليات إضافية في القصبة داخل نابلس، وأيضاً في مخيم اللاجئين الفلسطينيين. الهدف المعلن هو ألا يشعر المطلوبون في هذه المناطق بالأمان، حيث نادراً ما تعمل ضدهم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية. تقول إسرائيل: إنها لن تسمح بمدن تكون ملجأ للمطلوبين في الضفة.

الناخبون غير مبالين
لا يمكن تجاهُل العلاقة ما بين الجهود الأمنية والخلفية السياسية. بالنسبة إلى الحكومة، من المهم قبل الانتخابات أن تثبت أنها تعالج تهديد "الإرهاب" الجديد والمتصاعد. الجيش و"الشاباك" مُطالبَان بنتائج، وهو ما يفسر الوجود الاستثنائي لرئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي ورئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، في غرفة العمليات خلال تنفيذ العملية. أحد الأسئلة الآن هو ما إذا كان هناك تأثير لارتفاع منسوب "العنف" في الضفة ومحاولات تنفيذ عمليات انتقامية في الانتخابات. حتى الآن، يبدو أن أغلبية الناخبين غير مبالية، ما دام لا يوجد مصابون كُثر في الجانب الإسرائيلي. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من الممكن أن تؤدي حالة النزيف اليومي في الضفة الغربية إلى قمع التصويت في أوساط المجتمع العربي داخل إسرائيل.
وبالنسبة إلى الجانب الفلسطيني، فإن "عرين الأسود" نجحت في تسويق نفسها كظاهرة جديدة ومحبوبة. وعلى الرغم من قلة عدد أعضائها نسبياً، فإن أيّ ادعاء بشأن تفكيكها في الوقت القريب لن يكون صادقاً، لأنه لا توجد هنا هيكلية تنظيمية ممأسسة أو هرمية واضحة، وبالتالي من الصعب حصرها في ناشط معين، يُقتل أو يُعتقل.
"عرين الأسود" هي بالأساس فكرة، أكثر مما هي بنية تنظيم، ومن الصعب وقف امتدادها. حقيقة أن مئات الفلسطينيين تجمعوا حينها حول المستشفى في نابلس، حيث كانت جثامين الشبان والمصابين، تؤكد أن ما نراه هو ظاهرة جدية. شعبية "عرين الأسود" متصاعدة، ولن تُقمع بسهولة في الوقت القريب.
ومن المهم أيضاً الانتباه إلى الموقف المزدوج للسلطة الفلسطينية في علاقتها بـ"عرين الأسود"، إذ إن جزءاً من أعضائها تخرّج من صفوف "فتح". فوزيرة الصحة الفلسطينية باركت في الآونة الأخيرة أعضاء المجموعة خلال زيارة في نابلس، أما محمد إشتية، رئيس الوزراء، فزار مخيم جنين، والتقى والد منفّذ عملية ديزنغوف التي قُتل فيها ثلاثة إسرائيليين. في إسرائيل يعتقدون أن القيادة في رام الله، التي أرسلت في البداية أجهزة الأمن لوقف النشطاء في نابلس، تبث رسائل إشكالية الآن. يبدو أن السلطة تدير الآن معركة واسعة، بأدوات متعددة. لقد خسرت جنين لصالح التنظيمات المحلية، وفي نابلس ما زالت تحاول أحياناً، لكن النتائج محدودة، لذلك دخلت إسرائيل إلى الصورة.
لكن في الوقت ذاته، ومع ارتفاع عدد القتلى المستمر في أوساط الفلسطينيين، تتصاعد الأصوات في قيادة السلطة أيضاً لدعم النضال الشعبي ضد إسرائيل. القضية هنا أن التعريف الإسرائيلي والتعريف الفلسطيني للنشاط الشعبي مختلفان جوهرياً عن بعضهما. بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإن رمي الحجارة على الجنود- وفي أغلب الأحيان أيضاً على سيارات مدنية يستقلها المستوطنون - جزء من نضال شعبي، أما بالنسبة إلى جزء كبير من الإسرائيليين، فإن هذا "عملية إرهابية". الدعوات إلى احتجاجات شعبية لا تجد حتى الآن استجابة على الأرض، رغم كثرة عمليات إطلاق النار. الرأي السائد في إسرائيل هو أنه كلما ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين يرتفع خطر اندلاع مواجهات شعبية واسعة.
في الجانب الإسرائيلي، لا تزال الحكومة الحالية ورؤساء أجهزة الأمن يرفضون مطالبات اليمين الديماغوجية بعملية "سور واقٍ 2" في الضفة. الظروف على الأرض مختلفة عما كانت عليه في سنة 2002. وحتى الآن، يبدو أن الرد سيكون مركزاً على شمال الضفة، وليس على إرسال آلاف الجنود لاحتلال المنطقة من جديد. من الممكن إعادة فحص هذه السياسة إذا تغيرت تركيبة الحكومة، بعد الانتخابات.

عن "هآرتس"