جريمة إسرائيلية على وقع الانتخابات

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

أقل ما يمكن أن يقال بحق إسرائيل بعد عملية اقتحامها بكل تلك القوة العسكرية الغاشمة لمدينة نابلس، والإقدام على اغتيال خمسة مقاومين، وجرح أكثر من عشرين آخرين، إنها ارتكبت جريمة حرب منظمة، وهي قوة الاحتلال التي لا تتورع منذ خمسة عقود عن ارتكاب مثل تلك الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، الذي هو ليس آمنا في وطنه وبيته بسبب ذلك الاحتلال. وإسرائيل لم تقم فقط بتجاوز السلطة التي وقعت معها قبل ثلاثة عقود على اتفاقيات دولية لا تبيح لها اقتحام المدن الفلسطينية دون أخذ الإذن من والتنسيق مع السلطة الفلسطينية وحسب، بل أقدمت على ارتكاب جريمتها خارج إطار القانون الدولي، وهي تسمح لنفسها باغتيال الفلسطيني لمجرد الشبهة، وهو نائم في بيته، أي ليس حتى بادعاء الدفاع عن النفس، أو القتل ردا على التهديد أو ما شابه ذلك.  
وتكرار مثل ذلك القول، لا يعد دون جدوى بالنظر إلى أن ارتكاب جرائم الحرب من قبل إسرائيل، ليس جديدا، فلا بد من تذكير المجتمع الدولي دائما، ومنه الجانب الأميركي على وجه التحديد، الذي ما زال يغمض عينيه عن جرائم إسرائيل المقيتة، واللافت للنظر أن إسرائيل التي حاولت منذ سنوات أن تظهر جيش وشرطة الاحتلال كقوة «محايدة» في الصراع بين الفلسطينيين والمستوطنين، ظهرت هذه المرة بشكل سافر، ذلك أن المقاومة الشعبية أجبرت جيش الاحتلال على الإفصاح عن وجهه، وكشف طبيعته الفاشية، بعد أن أظهرت بأن المستوطنين ورغم أنهم دائما ما يعتدون على الفلسطينيين بحماية جيش وشرطة الاحتلال، إلا أنهم ليسوا ندا للشعب الفلسطيني، ولا لمقاومته الشعبية الباسلة.  
أما دفع الاحتلال بكل تلك القوة العسكرية، فذلك يظهر اشتداد عود المقاومة الشعبية المسلحة بالوحدة الوطنية عبر «عرين الأسود»، والتي بإعلانها تحدي الاحتلال عبر وسائل الأعلام، دفعت حكومة لابيد/غانتس إلى فقدان عقلها، وهي أي الحكومة الإسرائيلية، كانت قد أعلنت نيتها توجيه ضربة لعرين الأسود، التي أظهرت شجاعة وجرأة رفعت من معنويات الشعب، ومثلت حافزاً لانخراط الشباب الفلسطيني بأعداد كبيرة في خضم الانتفاضة الثالثة، ورغم بشاعة العملية العسكرية الإسرائيلية وضخامتها وعنفها، إلا أن «عرين الأسود» واصلت التحدي، حيث تصدت لمدة ساعات لاقتحام جيش الاحتلال، وما زالت تواصل تحديها، بما يعني أن حرب استقلال دولة فلسطين، التي كنا قد تنبأنا بها منذ وقت قد انطلقت، ولا راد لها، إلا بتحقيق هدفها في نيل الحرية والاستقلال.  
ورغم أنه لا مناص من اندلاع المواجهة بكل أشكالها وأدواتها، طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، إلا أن ارتفاع منسوب العنف هذه الأيام يعود بدرجة كبيرة إلى الاستحقاق الإسرائيلي الخاص بانتخابات الكنيست الخامسة التي تجري خلال أقل من أربع سنوات، لم تنجح إسرائيل خلالها سوى بتشكيل حكومتين استمرت كل واحدة منهما مدة عام فقط، فحاجة كل من لابيد وغانتس إلى تعزيز فرصة بقائهما في الحكم، دفعتهما إلى استمرار ممارسة القتل بحق الفلسطينيين، حيث استشهد خلال هذا الشهر نحو ثلاثين فلسطينيا، واستشهد منذ بداية العام، أي خلال الحكومة البديلة عن حكومات نتنياهو أكثر من مئة وثمانين فلسطينيا، وربما يطول هذا الحال، بالنظر إلى أنه من غير المتوقع أن ينجح أحد المعسكرين المتنافسين في الفوز بأغلبية مريحة، وتشكيل حكومة مستقرة.  
وحقيقة الأمر، رغم أن غانتس ولابيد لم يحققا «الهدوء المنشود» في الضفة الغربية، ولم تنجح عمليتهما المسماة بكاسر الأمواج والمنطلقة منذ آخر آذار الماضي، في كسر إرادة مقاومة الاحتلال، إلا أن استمرار عرض المشهد الدموي في مدن الضفة الغربية، يرضي شهوة القتل لدى الناخبين المتطرفين الإسرائيليين، وهو الذي ما زال يمنع حسم نتيجة الانتخابات لصالح معسكر نتنياهو اليميني، رغم أن الأمر كان يظهر مع تبكير موعد الانتخابات على أن عودة نتنياهو إلى كرسي الحكم، ما هي إلا مسألة وقت ليس إلا، لذلك فإن استمرار دفع بيني غانتس ولابيد بجيشهما إلى المدن الفلسطينية وإعادة احتلالها كل يوم، يبدو أمرا مرجحا، لكن بالمقابل، فإن المرجح أيضا هو أن ذلك سيكون دافعا لاستمرار المقاومة، وتعزيز ظاهرة الوحدة الميدانية التي تمثلها «عرين الأسود» بحيث يمكن أن تعمم على كل مدن الضفة الغربية وحتى قطاع غزة.
هي أيام مريرة، قد تصل ذروتها اليوم الجمعة، أي قبل أيام قليلة من اصطفاف الإسرائيليين أمام صناديق الاقتراع، حيث رغم أن المرجح هو أن لا يفوز أحد المعسكرين بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة، إلا أن تصاعد نفوذ الإرهاب اليميني متمثلا بكتلة بن غافير وسموتريتش، تبدو مؤكدة، مع تراجع تأثير ونفوذ الكتلة العربية، لذلك فإن إدارة جو بايدن إضافة إلى عاصمتين عربيتين قد حذرت بنيامين نتنياهو من تولي بن غافير لحقيبة وزارية، تنفيذاً لما كان قد وعد به وأعلنه نتنياهو بنفسه، ضمن حملته الانتخابية، لخطب ود ناخبي اليمين المتطرف الإرهابي.  
على كل حال، ليس هذا المهم، فقد قالت التجربة إنه لا يعول على اختلافات توجهات الحكومات الإسرائيلية، وما يفرض الاختلاف على أي حكومة إسرائيلية، ليس طبيعتها، إن كانت يمينية أو يسارية، متطرفة أو معتدلة، بل المقاومة الفلسطينية والأداء الفلسطيني على الجهة المقابلة، هما من يفرض على إسرائيل طبيعة تعاملها مع الشعب والسلطة الفلسطينية.  
لذا فإنه لا بد من القول، إنه قد باتت باليد الفلسطينية اليوم، الوصفة الذهبية المتمثلة بالوحدة الميدانية ونموذجها «عرين الأسود»، وهي نواة الانتفاضة الثالثة، ومقاومة الاحتلال إلى حين دحره، على طريق حرب الاستقلال، هذه القوة لا بد من التمسك بها، وحيث ظهر غضب الاحتلال جليا عليها عند اقتحامه نابلس قبل أيام، فذلك لأنه يدرك جيدا، خطورتها على احتلاله وأهميتها على الجانب الفلسطيني، من حيث إنها تضع حدا لكل ما مضى من إحباط ومن انقسام وضعف، لذا لا بد من مواصلة طريق المقاومة الشعبية بكل الوسائل والطرق ضمن إطار الوحدة الميدانية، وإذا كان ضعف الاحتلال يمثل فرصة لنا، فلا بد من مواصلة المقاومة وفتح كل الآفاق لها لمقارعة الاحتلال على كل الجبهات الرسمية والشعبية، المدنية والسلمية والمسلحة، خاصة وهو يعاني من عدم استقرار سياسي، ومن خوف داخلي، بل ومن مشاكل على الصعيد الإقليمي، ومن عدم قدرة على تحديد الموقف تجاه الصراعات الكونية أيضاً، فكل هذا يمثل ضعفاً إسرائيلياً، يعزز من إمكانية تحقيق النصر بكنس الاحتلال، خلال المدى المنظور في الأفق من سنين قليلة قادمة، والشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى بايدن ولا لغيره لينتزع حريته واستقلاله، فما زال شبابه يقاتلون حتى النصر أو الشهادة.