إن المروءة ومكارم الخلق هي صفة ملازمة للعرب تاريخيًا، وعن مكارم الخلق ونواقضه من كذب وتملص وحسد وخلافه كان لي لقاء مع أحد الأخوة الأصدقاء في مكتبي في رام الله، فحدثني عن عمله حينما بدأ صغيرًا بعد تخرجه وفي عمله كطبيب في أحد المستشفيات.
لقي د.أسامة المشاكل منذ اليوم الأول حيث الاستخفاف والسخرية، ونظرات الكراهية غيرالمفهومة، والتقليل من شأنه!
الا أنه أي د.أسامة لم يلبث أن أثبت نفسه عندما نجح بالقيام بعدد من العمليات الجراحية الدقيقة، وطرح سلسلة من الأوراق البحثية العلمية ذات الشأن فما كان من زميله الأقدم بعشر سنوات في ذات القسم إلا زادت لديه الغيرة الشديدة كما بدت بالسخرية والكراهية منذ اليوم الاول، وعلا شأن الحسد والحقد فبدأ يدسُ عليه لدى المدير.
المديرُ كان يرى بعينين اثنتين لحسن الحظ، لكونه يسمع ويرى ليس من طرف واحد، فاستطاع تمييز الحقيقة من الأكاذيب والدسائس فلم يلقِ بالًا لما كان يدسه "أبوجهل" كما كان يسميه الزملاء بالمستشفى لعينيه المتملصتين المفرطتين بالحسد، حتى أن الممرضات كنّ يقرأن المعوذتين عندما ينظر لاحداهن، وكثيرًا ما حملَ الزملاء أيقونة الكف والعين لرد حسده كما لبسوا قلادة الخرزة الزرقاء.
أردف صديقي ومحدثي د.أسامة بالقول أن مرور السنين لم تردع أبوجهل المكشوف عن استمرار حسده وقد غزا الشيبُ رأسَه، بل تمكن منه حتى هجرته زوجته وأولاده حسب ما علمنا،ورغم ردع مدير المستشفى له. الى أن تغيّر مدير المستشفي بآخر ضعيف الشخصية حيث ركن للحسود وبدأ يتصرف وفق أهواء "أبوجهل" وحسده المتراكم المتحول لحقد شديد لكل منجز.
يذكر لي د.أسامة أن أبوجهل كان يتميز غيظًا عندما يمدح أو يثني مدير المستشفى على أحد الزملاء أو الزميلات سواء من الاطباء او طاقم التمريض! فلا يتورع وجهرًا أن ينتقص من الممدوح بخبث شديد حتى أمامه بلا خجل ولا وجل.
أما ماكان يحدث في الغُرف المغلقة مع مدير المستشفى فسيلٌ غير منقطع من الاتهامات لم تكن ذات أثر بالمدير الأول، ولكنها أثرت بالثاني الذي بدأ يقتص ممّن يعرف ولا يعرف استجابة لدسائس الحسود.
والى ذلك كان أبوجهل لايتردد بطرح أي سبب مهما كان تافهًا أو بلا صلة ليعطّل أي مقترح أوعمل يأتي من غيره، ويقزّمه حين يبرز قويًا! كما حصل من أحد العمليات الجراحية الناجحة التي تحدثت عنها المحطات الفضائية فلم يخجل وعلى ذات المحطات أن يقلّل من قيمتها بشكل مفرط وبشكل ساخرخبيث! كاد يُحدث ضجة لولا المدير الجديد ذوالأذن المصغية للحسود الكذوب المتملص من المسؤولية.
أبوجهل كان يكرهُ أي أمر لا يكون له صلة به، بل ويرفضه وينتقده الى الحد الأقصى ويقلّص من أي انجاز وكأنه بلا قيمة أو أنه مشبوه! فمتى لم يكن هو موجود فالفعل مرذول أما حين وجوده ولو كان فعله فقط نقل ورقة من غرفة الى غرفة مثلًا فهو الفعلُ العظيم؟!
والى ذلك كان يقابل زملائه الناجحين بنبش أي قضية هامشية، ليقلّل من انجازه بدلًامن أن يهنئه ويدعو له بمزيد من النجاح....(لاسمح الله).
قال لي الدكتور أسامة أن العجيب في الأمر أن الأمور التي كان يرفضها وينتقدها في شخصي أنا من ملابس أو طريقة كلام أو أفعال طبية وممارسات، كان هو يعملُ على تقليدها!؟ ما تعجبت له كثيرًا! وكأن احساسه بالنقص لم يكن يكفيه الكذب والدسّ والحسد وتقليل شأن الآخرين فوصل لدرجة التناقض الأليم بين ما يقوله، وما يفعله ما يسميه العلماء محاكاة الشخص الآخر.
شكرته على هذه القصة الأليمة، وسألته وأين هو الآن، أقصد أبوجهل؟
قال لي: لقد تمت ترقيته من قبل مدير المستشفي غير المؤهل؟
قلت له: ومازال كما هو؟
قال: لولا أنني والقلّة التي بقيت في المستشفى من "الحرس القديم" كما يقولون، ولدينا من الانجازات ما تعدى أسوار المستشفى، وإلا لكنا من زمن طويل في خبر كان!