الثمن الأمني لوجود اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 



حسب الاستطلاعات، فإن العنف في "المناطق" لا يؤثر في هذه الأثناء بشكل مباشر على الانتخابات، التي يتوقع أن تنتهي بسباق كتف إلى كتف بين الكتلتين. ولكن عند النظر إلى الصورة الكبرى، ورغم النقاش المتزايد في سياسة الهوية التي تقسم المجتمع في إسرائيل، لا يمكن تجاهل الدور المهم للنزاع الفلسطيني في التطورات، حتى لو كانت أغلبية المصوتين تفضل إبعاده. تصميم حكومات إسرائيل المختلفة على مواصلة التمسك بالضفة الغربية وتوطين آلاف المستوطنين فيها صعّب جداً على حل النزاع.
رغم أنه سيكون هناك بالطبع من سيقولون: إن الفلسطينيين لم يكونوا مستعدين للاتفاق في كل الأحوال.. في حين أن موجة "الإرهاب"، التي بدأت بعد اتفاقات أوسلو وبلغت الذروة في الانتفاضة الثانية، رسخت الخوف في أوساط الجمهور الإسرائيلي من عواقب المزيد من الانسحابات في "المناطق"، إلى جانب تأثير التغيرات الديموغرافية، فإن الخارطة السياسية تحركت نحو اليمين، ربما بصورة لا رجعة عنها. لذلك، تم تمهيد الطريق لحكم بنيامين نتنياهو الطويل، وهو الشخص الذي وعد الإسرائيليين بأنه يعرف كيفية الحفاظ على أمنهم الشخصي.
لكن منذ العام 2017 تقريباً، حصلنا على نتنياهو بنسخة متطرفة وخطيرة. فجهود بقائه في الحكم تحولت معركة بقاء شخصية، هدفها الرئيس وقف الإجراءات القانونية ضده، وبالتالي إبعاده عن السجن. في هذه المعركة فإن جميع الوسائل صالحة. وهذه الأمور صحيحة أكثر في محاولة نتنياهو العودة إلى الحكم بعد فترة توقف لأقل من سنة ونصف السنة. في الأشهر الأخيرة تعزز التحالف غير المقدس لـ"الليكود" مع بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. هذان الاثنان، مثل رؤساء الأحزاب الدينية، على استعداد لاعتباراتهما، لإعادته إلى الحكم حتى لو كان سموتريتش يعتبر نتنياهو "كذاباً أشر"، كما تبين، هذا الأسبوع، من التسجيلات التي كشفها ميخائيل شيمش في "كان".
لكن إذا فازت كتلة نتنياهو، وإذا اختار رئيسها التحالف مع الأصوليين ومع اليمين المتطرف بدلاً من ائتلاف مليء بالتوتر مع بيني غانتس، فستعود حركة الدائرة إلى المكان الذي بدأت فيه، أي "المناطق". الخلاف هنا ليس فقط على سيادة القانون، الذي يخطط نتنياهو وشركاؤه إلى خصيه. رغم المقالات الكثيرة في الصحيفة التي تدعي عكس ذلك، إلا أن هناك فرقاً كبيراً بين حكومة يمينية ضيقة وحكومة التغيير الحالية في النظرة إلى الفلسطينيين. صحيح أن بيني غانتس اخطأ عندما تفاخر بقتل العرب في غزة وكان يائير لابيد يمكن أن يكون سخياً أكثر في تقديم بادرات حسن نية سياسية. ولكن توجد للشركاء الروّاد لنتنياهو طموحات أكثر بكثير بعيدة المدى وخطيرة في الساحة الفلسطينية، مقارنة حتى مع كل ما وافق عليه هو نفسه في السابق.
إذا شكّل نتنياهو مثل هذه الحكومة، فمن المرجح أنه سيختار تحييد الكابينيت وتحويله إلى نوع من الحكومة، ليس له أي وزن أمني. ستكون النقاشات الإستراتيجية مقتصرة على حوض السمك الذي يوجد في مكتب رئيس الحكومة، وستشمل كبار قادة أجهزة الأمن. "الليكود" ليس لديه حتى مرشح واضح لمنصب وزير الدفاع. في هذه الظروف فإن رئيس الأركان القادم، هرتسي هليفي، سيكون له دور حاسم في الدفاع عما بقي من الاعتبارات الأمنية، لا سيما الحفاظ على قواعد سلوك مناسبة للجيش الإسرائيلي في "المناطق". أيضاً الآن لا يتميز الجيش بذلك. فرئيس الأركان الحالي، أفيف كوخافي، بدأ مؤخراً بإسماع صوت مرتفع وواضح ضد "التجاوزات" في "المناطق" (بشكل معين هذه الأعمال يتم وصفها دائماً بالتجاوزات). وحتى الآن يمكن التقدير إلى أي تعقيد يمكن أن تودي بنفسها الحكومة مع وجود بن غفير وسموتريتش في الكابينيت، المطالبة بفرض عقوبة الإعدام على "المخربين" بعد عملية القتل الأولى أو قضية إليئور أزاريا.
هذه ليست الساحة الوحيدة التي يتوقع أن تكون فيها مشكلات. فمنذ أحداث "حارس الأسوار" في أيار 2021، يبدو أن المجتمع العربي قريب من اشتعال آخر، حيث يندمج التوتر مع الغضب المتزايد من عجز الحكومة والشرطة في معالجة منظمات الجريمة. وإذا فشلت الأحزاب العربية في أعقاب نسبة التصويت المنخفضة، وتضاءل التمثيل العربي في الكنيست، فإن من شأن العلاقات مع الدولة أن تضعف أكثر. هذا يمكن أن يكون أرضاً خصبة لاندلاع عنف آخر على صيغة تشرين الأول 2000 أو أحداث السنة الماضية.
رغم تجربة نتنياهو الكبيرة، على الأغلب أيضاً الحذرة، في مجال العلاقات الخارجية، فإنه يتوقع حدوث صعوبات أيضاً مع الجارتين الصديقتين، الأردن ومصر. علاقة نتنياهو مع ملك الأردن، الملك عبد الله، متعكرة منذ سنوات، وفي البلاط الملكي تشكّكوا فيه بأنه شريك في الخطوات المناوئة للأردن التي قامت بحياكتها السعودية وعدد من أعضاء الإدارة الأميركية. العلاقة مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كان فيها صعود وهبوط.
في الساحة الدولية، فإن منظومة العلاقات المهمة والأكثر حساسية هي مع الأميركيين. رغم البيانات الودية والعلنية، إلا أنه ليس لإدارة بايدن أي أوهام بخصوص نتنياهو. في واشنطن سيوافقون على أي خيار للمصوّتين في إسرائيل، لكن الرسائل يتم نقلها طوال الوقت عبر قنوات مختلفة: حتى لو فاز، فإنه من الأفضل أن يخلي رئيس "الليكود" هذا المنصب، وألا يعلّق الآمال على ممثلي الكهانية وأحفادها الروحيين في الكنيست. هذه ظاهرة ينظر إليها الأميركيون بدهشة رغم التشابه بينها وبين ما يحدث لديهم.

عن "هآرتس"