الواضح أن الحضور العربي في الكنيست القادم سيتراجع وأن الأحزاب العربية ستشهد انحساراً موجعاً مع تكرار الانتخابات في السنوات الأخيرة. ومرد ذلك جملة من الأسباب.
بعد أيام ستشير نتائج الانتخابات الإسرائيلية إلى الواقع السياسي الجديد الذي قد يشهد على مجموعة من التحولات والتغيرات في السياسية الإسرائيلية.
لن يتم حل المعضلة المستعصية حول وجود توافق برلماني متين لأي حكومة جديدة إذ إن أي حكومة لن تحظى إلا بدعم محدود يكاد يسقط أمام أي هزة أو خلاف حزبي بين مكونات الحكومة الجديدة.
بالطبع الصراع ما زال على حاله بين حكومة قد يقودها نتنياهو أو حكومة يتناوب على رئاستها أحزاب الوسط من أجل منع نتنياهو من مواصلة هيمنته الأخيرة على السياسة الإسرائيلية.
في الصراع الصهيوني الداخلي على رئاسة الحكومة هناك أمر بات واضحاً ومؤكداً يتعلق بدور العرب في تقرير مصير الحكومة وزعامتها.
ليس لأن العرب قوة كبيرة في الكنيست إذ إن تمثيلهم أقل بقليل مما يمكن أن يكون عليه لو قام جميع المواطنين العرب بالتصويت لحزب عربي واحد، ولكن طبيعة الصراع البرلماني في إسرائيل جعلت من الأحزاب العربية قوة مرجحة لصالح أحزاب الوسط واليسار.
في أوقات مختلفة لم يكن هناك اهتمام بالأحزاب العربية إذ إن الاصطفاف في المشهد السياسي الإسرائيلي لم يكن كما هو عليه الآن، وكان يمكن أن تقوم أحزاب يسارية بدعم حكومة يمينية أو أن تقوم أحزاب يمينية بالدخول بائتلاف لتشكيل حكومة بقيادة أحزاب يسارية.
وفي كل الأحوال لم يكن قبل ذلك للصوت العربي تأثير حقيقي في مجريات السياسة الإسرائيلية. ربما في حالة سابقة ساهمت الأحزاب العربية في دعم اليسار لكن حتى دعمها لم يكن ليؤثر بشكل جدي على مخرجات الواقع الحكومي.
الآن أو للدقة حتى الآن بات واضحاً أن هناك تعويلاً على الصوت العربي وعلى الأحزاب العربية في تحديد من يتولى رئاسة الحكومة.
حدث الأمر قبل ذلك خلال الصراع في السنوات الثلاث الماضية إذ إن الأحزاب العربية رأت نفسها في الجبهة المضادة لنتنياهو خاصة بعد برنامجه عن يهودية الدولة وسياسات ضم مناطق الضفة الغربية وغير ذلك.
الأجندة الداخلية المتعلقة بالعنف في المجتمع العربي لم تكن قد ظهرت على السطح.
ما أقوله إن الأحزاب العربية اصطفت في الصراع الحزبي الداخلي في الكنيست مع الجبهة المناوئة لنتنياهو وصار شعارها مع أحزاب الوسط واليسار لا لعودة «بيبي». وعليه صار صوتها مهماً؛ مهماً بقدر هذا الاصطفاف وبقدر السعي مع غيرها من أجل منع نتنياهو من العودة.
صحيح أن هناك اختلافاً في توجهات القائمتين «الموحدة» و»المشتركة» إذ إن «الموحدة» لم يكن لديها مشكلة في الدخول مع نتنياهو في حكومة واحدة لولا رفض حلفاء الأخير القبول بأن تكون الأحزاب العربية هي التي ترجح كفة الحكومة لاعتبارات أيدلوجية، وهو موقف استمر بعد ذلك وعكس نفسه على طبيعة الاختلاف بين «الموحدة» و»المشتركة» في التعاطي مع أزمة تشكيل الحكومة.
بالنسبة للموحدة فإن فكرة أن تكون جزءاً من الحكومة لا غبار عليها إذ إن الأساس أن يكون للتمثيل البرلماني ثقل في صناعة القرار ولا يكون مجرد تمثيل انتخابي على أساس عرقي.
أما «المشتركة» التي تشترك في توجه اليسار في الحيلولة دون عودة نتنياهو وليس اليمين من تشكيل حكومة فهي لا ترى نفسها جزءاً من أي حكومة. لننتبه فإن أزمة اليسار ليست مع اليمين بل مع زعيم اليمين، أي نتنياهو. تذكروا أيضاً أن أحزاب الوسط من لابيد وغانتس عرضت فكرة أن يقوم الليكود بترشيح شخص غير نتنياهو لتولي الحكومة ولم يتم الاتفاق على ذلك.
الأزمة هي مع نتنياهو. لذلك يصعب القول بوجود اصطفاف حقيقي. هناك اصطفاف في خيارات الناخب وهي الخيارات التي أنتجت برلماناً منقسماً بالكاد بالتساوي بين مربع اليمين وأطرافه ومربع الوسط وأطرافه، ما حال دون استقرار المركب البرلماني في إسرائيل.
مرة أخرى فإن الأحزاب العربية لم تكن ذات توجه واحد ووجهة نظر واحدة في ملف حساس مثل هذا. لم يطلب أحد منها أن تتناغم في كل شيء. المؤكد أنه يجب أن تكون هناك فروقات في التوجهات الاجتماعية والاقتصادية ولكن في ملف هو عصب نظرة المواطنين للدولة كدولة تصادر حقوقهم المدنية والسياسية والتمثيلية كان من المعيب أن تكون هذه الاختلافات هي الفيصل في العلاقات الحزبية العربية الداخلية.
حتى حين دعمت «المشتركة» غانتس في تشكيل الحكومة امتنع أعضاء حزب التجمع في القائمة عن الموافقة. كان هذا الاختلاف الداخلي في مكونات القائمة ينذر بما حدث من انشقاق وتفكك في مكوناتها حيث لن تعود قائمة واحدة وسترجع أحزابها إلى قواعدها كما كانت.
تم الأمر على مراحل تمثل في خروج الإسلاميين في الانتخابات السابقة وتشكيلهم قائمة موحدة وبعد ذلك الاختلاف مع حزب التجمع في هذه الانتخابات وخروجه وحيداً. يصعب تقييم الأمر لكن يمكن توقع النتيجة. القائمة المشتركة التي كانت في لحظة ثالث الأحزاب في الكنيست لم تعد كذلك وصار الخلاف هو أساس أي حوار حزبي عربي داخلي بحيث بات الاتفاق متعذراً.
الاستطلاعات تشير إلى تراجع محتمل للحضور العربي في الانتخابات الجارية، بحيث بالكاد يمكن للعرب أن يصلوا للحد الأدنى لهم، ومع صعود نتنياهو المرتقب والتوقع بأن يحصل على النسبة المطلوبة لتشكيل الحكومة القادمة، وهذا قد لا يحدث رغم ذلك، فإن تأثير العرب سيصبح معدوماً. لكن مع ذلك يظل السؤال الحقيقي حول الخطاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي في الداخل وغايات العمل السياسي.
ثمة فلسفة وطنية أصيلة قائمة على الحفاظ على الهوية الفلسطينية للفلسطينيين في الداخل ومنع الأسرلة والانصهار، وهناك خطاب بحاجة لتجديد ينطلق من التمسك بهذه المفاهيم ولكن مع لغة جديدة وتوجهات اقتصادية واجتماعية مختلفة.
المؤكد أن الصوت العربي في الداخل ليس بخير، ومن المؤكد أن حالة الصراع العربية في الداخل ليست صحية، ومن المؤكد أننا كلنا لن نكون بخير.