بعد 9 أشهر على انتخابها نتائج عمل اللجنة التنفيذية ... كتلة أصفار

تنزيل (22).jpg
حجم الخط

بقلم معتصم حمادة

 

 

  عند انعقاد الدورة 31 للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في شباط (فبراير) الماضي، ساد اعتقاد (مجهول المصدر) أن ثمة خطوة إيجابية ستخطوها القيادة الجديدة لرئاسة المجلس الوطني، وللجنة التنفيذية في تنظيم عمل كل منهما، بحيث ينتظم انعقاد المجلس المركزي مرة كل ثلاثة أشهر، واللجنة التنفيذية مرة شهرياً كحد أدنى.

 كما جاء البيان الختامي، الذي حمل قرارات واضحة بشأن انتظام عمل المؤسسة التشريعية، ويعيد التأكيد على قرارات الدورات السابقة للمجلس الوطني والمركزي، خاصة بما يتعلق بوقف العمل بالمرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، وإعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، ووقف الرهان على الرباعية الدولية، لصالح البديل المتمثل بالمؤتمر الدولي لحل القضية الفلسطينية، تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها ورعايتهما.

 «خيبة الأمل»، هو التعبير الأكثر دقة الذي يمكن اللجوء إليه في توصيف نتائج عمل اللجنة التنفيذية، في السياق؛ هيئة رئاسة المجلس الوطني، فمنذ شباط (فبراير) أي تاريخ انعقاد دورته الأخيرة، والمجلس المركزي معطل، ولم يلتزم نظام الاجتماع مرة كل ثلاثة أشهر، ويبدو أن بعض أمراض اللجنة التنفيذية قد انتقلت إليه، حين بدأ يستعيض عن اجتماعاته النظامية بما يسمى «الاجتماعات التشاورية»، حيث يلتئم بمن حضر (أي من يحضر من أعضائه في رام الله والضفة الفلسطينية)، وبعض الكلام للحاضرين، تنتهي جولة الكلام ببيان ختامي لا يتجاوز هو الآخر حدود «الكلام»، بدون أي فعل، متخلياً عن صلاحيته، باعتباره يمتلك تفويضاً بصلاحيات المجلس الوطني، لحين تشكيل المجلس الجديد، كأعلى سلطة تشريعية في م. ت. ف، وبذلك تكون هيئة رئاسة المجلس الوطني قد تخلت عن صلاحياتها التي منحها إياها المجلس المركزي في دورته الأخيرة، وتقاعست عن أداء واجبها، وتخلفت عن دورها في تنظيم أعمال المجلس المركزي، رغم كل ما شهده الشعب  الفلسطيني من أحداث، وحولت صلاحيات المجلس المركزي، من سلطة تشريعية تملك زمام القرار، إلى مجرد هيئة (منقوصة العضوية) تشاورية، تكتفي بإبداء الرأي (الذي لا يؤخذ به)، وتهبط بالقرار إلى مستوى التوصيات والمطالبات التي سرعان ما تتبخر في سماء الصمت، وسماء الآذان الصامّة.

وهكذا؛ فقد المجلس المركزي دوره كسلطة تشريعية من واجبها مساءلة السلطة التنفيذية على أداء دورها، بموجب البرنامج السياسي الذي كلفها به المجلس المركزي.

 أما اللجنة التنفيذية، فالأمر معها أكثر تعقيداً، فهي من جانب، خالفت قرار المجلس المركزي بانتظام اجتماعها شهرياً، وما نذكره من اجتماعاتها، خلال 9 أشهر أربعة فقط، كل ما صدر عنها هو مجرد بيانات، لا تتجاوز حدود الكلام الإنشائي، وتخلو من أية قرارات ذات صلة بالبرنامج الذي رسمه لها المجلس المركزي في دورته الأخيرة.

وفي النظم البرلمانية يمنح البرلمان، أياً كان اسمه (مجلساً وطنياً، مجلس الشعب، مجلس الأمة ... الخ)، ثقته للحكومة، بموجب برنامج عمل (بيان وزاري) تتقدم به إلى «المجلس الموقر»، كأساس للمساءلة القانونية، وعلى قاعدة البيان الوزاري (أي خطة عمل الحكومة) يعقد البرلمان جلسات عامة للمساءلة، كما تعقد لجانه البرلمانية كل في اختصاصه، لمساءلة الوزارات المعنية كل وزير على حدة.

وبنت الديمقراطيات البرلمانية، لها في العالم، تقاليد عريقة باتت تشكل مؤشرات واضحة، لمدى نجاح الديمقراطية ورسوخها، في هذا النظام البرلماني أو ذاك، وعندما يتبين للبرلمان أن الحكومة قد أخلت بواجباتها، إما على صعيد الوزارة الواحدة، أو كحكومة بكامل عضويتها، يسحب ثقته، إما من الوزير المعني، أو من الحكومة ورئيسها، ويفتح الباب لمشاورات جديدة، لتشكيل حكومة بديلة ترث السابقة، وتتجاوز أخطاء السابقة ومساوئها، وعندما يفشل البرلمان نفسه في أداء واجبه، يصدر مرسوم بحلّه لإعادة انتخاب برلمان جديد، بحلة جديدة.

أين نحن الآن كفلسطينيين من تلك التجارب. من الواضح أن المجلس المركزي الحالي، الذي تشكل دون الاستناد إلى معايير واضحة (بعضهم انضموا إلى «المركزي» دون أن يكونوا أعضاء في المجلس الوطني، وهذه مخالفة قانونية ودستورية فاقعة، يعلم بها كل أعضاء المجلس المركزي، وصمتوا عنها، لا لشيء سوى لهيمنة الفرد على الجماعة)، ولا ندري ما هي الفترة القانونية لعمر المجلس المركزي الحالي، وقد تمتد دون احتساب للسنوات، تعبيراً عن خلل وفساد في المؤسسة.

 عند انتخاب اللجنة التنفيذية الجديدة، كان من الواضح أن مهمتها الرئيسية هي العمل على ترجمة بيان المجلس المركزي، باعتباره البيان «الوزاري» للتنفيذية، فهي وفقاً لقرارات الدورات السابقة للمجلسين الوطني والمركزي، حكومة الدولة الفلسطينية في المنفى، أما المجلس الوطني فهو برلمانها، وبالتالي فإن العلاقة بين «المركزي» الحالي وبين اللجنة التنفيذية، هي العلاقة بين البرلمان وحكومته، بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، واليد العليا في المساءلة هي للسلطة التشريعية.

قلنا مضى على تشكيل (انتخاب) اللجنة التنفيذية حتى الآن 9 أشهر، عقدت خلالها، كما نعرف، أربعة اجتماعات، لكن السؤال الجوهري هو: ماذا حققت من برنامجها القائم على إعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، وتنفيذ قرارات وقف العمل بالمرحلة الانتقالية، بما في ذلك وقف العمل باتفاق أوسلو، والتزاماته واستحقاقاته السياسية والاقتصادية، والأمنية وغيرها ؟ ...

بجملة واحدة: ما زالت قرارات المجلس المركزي معطلة حتى الآن، إذ ما زال اتفاق أوسلو هو البرنامج السياسي للقيادة الرسمية، ولسلطة الحكم الإداري الذاتي، وما زالت الالتزامات باستحقاقات الاتفاق قائمة وملزمة للسلطة وللقيادة الرسمية.

فمنذ 17/11/2020، وبموجب بيان رسمي، أعلنت القيادة الرسمية التزامها اتفاق أوسلو مع وصول الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن إلى البيت الأبيض، واعتبرت ذلك انتصاراً (!) على نتنياهو الذي – قيل – أنه اعترف باتفاق أوسلو، دون أن تبادر حكومته، آنذاك، إلى أية خطوة تؤكد هذا الالتزام.

ومنذ 17/11/2020 وحتى الآن، ومسار أوسلو هو خط عمل القيادة الرسمية وسلطة الحكم الإداري الذاتي، وخطط عملها، ومحور تحركاتها السياسية محلياً، وعلى الصعيد الدولي.

• فلم يتم تعليق الاعتراف بدولة الاحتلال، إلى أن تعترف بالدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وتوقف الاستيطان، والاعتراف بإسرائيل ما زال قائماً ...

• ما زال التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال قائماً، لم يلغِ، وفي اجتماع لجنة المتابعة الأخير في رام الله، أعيد التأكيد على «ضرورة» التنسيق الأمني، باعتبارها الوسيلة لمنع ما يسمى «الفوضى» في مناطق السلطة، دون أي توضيح لمعنى «الفوضى»، هل هي «فوضى» المقاومة الشعبية أم «فوضى» المجموعات المقاومة المسلحة، أم «فوضى» المستوطنين ؟! ... علماً أن السلطة لا تتصدى للمستوطنين، وأن من في السلطة لا يكفون عن التأكيد على ضرورة سلطة واحدة، قانون واحد، بندقية واحدة، ورفض العنف والإرهاب، وبذلك يكون معنى «الفوضى» قد بات مفهوماً.

• وما زالت العلاقات الاقتصادية في أحسن حالاتها، تطورت أكثر فأكثر في ظل «الحل الاقتصادي»، حل «الاستسلام مقابل الاقتصاد».

• وما زالت الرباعية الدولية هي الأمل المنشود، لاستئناف العملية التفاوضية.

• وما زال حدود الهم السياسي يقف عند العمل على «حماية حل الدولتين» (كما صرح بذلك أمين سر اللجنة التنفيذية مؤخراً)، وما زال الهدف المنشود، حالياً، هو البحث عن «أفق سياسي للحل»، كما صرح بذلك رئيس السلطة في لقاءاته مع القيادات العربية في الجزائر.

إذن؛ ما زالت اللجنة التنفيذية، كهيئة تساوي حكومة دولة فلسطين في المنفى، تلتزم اتفاق أوسلو واستحقاقاته والتزاماته.

وما زالت هيئة رئاسة المجلس الوطني تتواطأ مع اللجنة التنفيذية، وتعمل على استبعاد مساءلتها عن أدائها السياسي وفقاً لقرارات المجلس.

فإلى متى تستمر هذه اللعبة السمجة، التي يلعبها الطرفان على حساب المصالح الوطنية العليا لشعب فلسطين؟ وإلى متى تبقى مؤسسات م. ت. ف، التشريعية والتنفيذية، تفتقر إلى ثقة الشارع الفلسطيني بها؟

• وما هو الحل؟

كعضو في المجلس الوطني، وفي اللجنة السياسية للمجلس، أدعو كافة أعضاء اللجان البرلمانية ورؤسائها، إلى عقد اجتماعات عاجلة وفورية، لبحث الحالة الفلسطينية (تخلف اللجنة التنفيذية وهيئة رئاسة المجلس الوطني عن أداء دورها) والدعوة إلى دورة عاجلة للمجلس المركزي، يقف فيها أمام ما تحقق من برنامجه الوارد في البيان الختامي للدورة الـ 31، ويحاول أن يضع النقاط على الحروف، في مساءلة جريئة للجنة التنفيذية، بكامل أعضائها ولهيئة رئاسة المجلس، الأمر الذي يتطلب، حقاً من أعضاء المجلس المركزي، التجرد من عضويتهم الحزبية والحركية، وتغليب انتماءهم إلى المجلس المركزي، واحترام عضويتهم فيه، على أي انتماء، وأية عضوية أخرى.

فما يجري في الساحة الفلسطينية خطير ولا يحتاج إلى إعادة شرح، وكذلك ما يجري إقليمياً ودولياً خطير جداً، وما أسفرت عنه الانتخابات الإسرائيلية من نتائج، يدعونا للتعامل مع قضايانا بمنظار أعمق، بعيداً عن الحسابات الفئوية الضيقة.

وبدون ذلك، وإذا ما استمر الأمر على ما هو عليه، سنضطر لإعادة قول ما قلناه سابقاً عن مصير الخطاب الفلسطيني في نيويورك.

إن ما تستحقه اللجنة التنفيذية من علامات، على أدائها السياسي، كحكومة لدولة فلسطين ... لا تتجاوز كتلة الأصفار.