تعقد الانتخابات النصفية الأميركية يوم الثلاثاء القادم، وسط مخاوف من تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية نهاية العام 2020، وانحياز الآلاف من أنصار الحزب الجمهوري لمقولات دونالد ترامب بشأن التلاعب بالعملية الانتخابية.
لم تشهد البلاد استقطاباً سياسياً حاداً كما تشهده وشهدته منذ عامين تقريباً، إذ يتصاعد العنف السياسي يوماً بعد يوم، إلى درجة تحذير الرئيس الديمقراطي جو بايدن قبيل موعد الانتخابات النصفية، من تصاعد ما وصفه التطرف الجمهوري بسبب احتمالات رفض المرشحين الجمهوريين نتائج الانتخابات النصفية.
سبق ذلك حادثة مرعبة تتصل بالجو السياسي المشحون، حيث تعرض زوج رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي للضرب في منزله على يد رجل كان يصيح "أين نانسي"، وبدا أن الهجوم مرتبط بالتطرف السياسي الذي ينحاز إليه بعض الجمهوريين الموالين لترامب.
المشكلة أن القاعدة الجماهيرية المناصرة لترامب كبيرة، وتقاسمه الرأي بشأن التلاعب في انتخابات 2020، وكذلك تمكن الرئيس الجمهوري السابق من كسب تأييد مئات الأعضاء من الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، وكأنه يسيطر على الحزب.
في إطار حرصه على تحقيق فوز كبير في الانتخابات النصفية أمام الديمقراطيين، يواصل ترامب دعمه السخي للمرشحين الجمهوريين في عدد من الولايات الأميركية، ويضع كل ثقله السياسي لكسب هذه المعركة الانتخابية، لأنها بمثابة طوق النجاة بالنسبة له.
أهم أداة يتداولها الجمهوريون أمام قاعدتهم الجماهيرية مسألة التضخم الاقتصادي وجنون الأسعار وارتفاع المحروقات، ولا يحتاجون إلى تعبئة الأميركيين الذين يشعرون بالضيق من عدم تمكن الإدارة الحالية من ضبط التضخم الاقتصادي.
تحت هذا البند من المحتمل جداً أن يخسر الديمقراطيون تحت قبة البرلمان، سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، والمشكلة ستكون "عويصة" جداً أمام الرئيس بايدن إذا خسر الديمقراطيون في مجلسي الشيوخ والنواب، لأنه حينذاك سيتحول إلى رئيس مع "وقف التنفيذ".
صحيفة الواشنطن بوست أجرت استطلاعاً قبيل موعد الانتخابات النصفية، كشفت فيه أن أكثر من نصف المرشحين الجمهوريين يشككون بالنتائج الرسمية لانتخابات 2020، وهؤلاء عددهم 291 من أصل 569 مرشح جمهوري.
الصحيفة المذكورة ترجح فوز الجمهوريين المحسوبين على ترامب، في الوقت الذي يواظب فيه الأخير على دعم كل المرشحين الجمهوريين انطلاقاً من عدم التشويش على العملية الانتخابية وضمان فوزهم وبالتالي بداية عودة ترامب مرة أخرى إلى الواجهة السياسية.
كل ما يريده الرئيس السابق هو العودة إلى سباق الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2024، ويعلم أن فوز حزبه وتحديداً مناصريه، سيفتح المجال أمام تجميد الملاحقات القضائية بحقه، وهذا ما يفسر انشغاله بدعم المرشحين والانتقال من ولاية لأخرى لمؤازرتهم.
ما يجري الآن يعكس حملة مكثفة من الاستقطاب السياسي للتأثير على العملية الانتخابية، ومن المرجح أن تشهد البلاد تسيد الخطاب العنصري والإقصائي، ولا عجب أن تتكرر نسخ متنوعة من الاعتداء على سياسيين ومناصرين للحزب الديمقراطي خلال الانتخابات وبعدها.
باستثناء موقفهم بشأن حق المرأة في الإجهاض واحترام الرأي والرأي الآخر، لا يمتلك الديمقراطيون "كروتاً" كثيرة رابحة، والسبب أن الأميركيين يقيمون العملية الانتخابية بناءً على مدى رضاهم من السلوك الاقتصادي، والنتيجة أن بايدن فشل بنظرهم في هذا الامتحان.
هذه الانتخابات مهمة جداً في هذا السياق التاريخي، لأنها قد تمهد الطريق بشأن مستقبل الحزب الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية بعد عامين من الآن، لكنها أيضاً تعكس القلق من ترسخ ثقافة التشكيك بنتائج العملية الانتخابية.
وسط أجواء العنف التي تعيشها الولايات المتحدة على وقع ثقافة استسهال حمل السلاح وتوسع خطاب الكراهية والعنصرية، من غير المستبعد أن تصب نتائج الانتخابات النصفية المقبلة الزيت على نار الانقسام السياسي واستفحال العنف.
المشكلة في ترامب نفسه، فإذا ربح فريقه هذه الانتخابات ستحضر معه كل عناوين الاستقطاب والخصومة السياسية، وإذا فشلوا فقد لا يعترفون بنتائج الانتخابات، وبالتالي كارثة جديدة تضاف إلى سلسلة الكوارث السياسية.
تصاعد العنف السياسي من شأنه الإطاحة بالقلعة الأميركية من الداخل، ولا عجب أننا نشهد اليوم فصلاً من فصول الهبوط الأميركي، إذ ليست المشكلة في ترامب نفسه، وإنما الخوف من النماذج المستنسخة التي على شاكلته.
المشكلة مرةً أخرى في الحزبين الديمقراطي والجمهوري اللذين خاطبا المواطن الأميركي طيلة السنوات الماضية في جيبه وليس في وعيه، واليوم يدفعان ثمن غياب هذا الوعي الذي من شأنه أن يحمي الديمقراطية من هبوب رياح التغيير إلى الأسفل.