قمة شرم الشيخ... المطلوب التطبيق وليس التعهدات

حجم الخط

بقلم عقل أبو قرع

 

 

 

غداً، يبدأ عشرات الرؤساء ورؤساء الحكومات والقادة والمسؤولين من كافة المجالات، بالتوافد الى مدينة شرم الشيخ المصرية، من أجل المشاركة في قمة المناخ الدورية السنوية، التي تحمل الرقم 27، اي الاجتماع السنوي السابع والعشرين الذي يعقد وعلى أعلى المستويات للتعامل مع التلوث والتداعيات البيئية والتغيرات المناخية في العالم، وبدون ترجمة حقيقية لقرارات هذه الاجتماعات الـ 26 السابقة الى واقع ملموس أو تطبيق يتعامل مع آثار التداعيات المناخية ويحد منها.
 وتنعقد هذه القمة في ظل أوضاع قاتمة ومتفاقمة من التدهور البيئي ومن التغيرات المناخية، التي باتت تؤثر على الحياة اليومية لمئات الملايين من البشر، وعلى نوعية وتوفر سلع وخدمات أساسية للرجال وللنساء، منها المياه والإنتاج الغذائي وتوفر الحيز المكاني بسبب الفيضانات والتصحر، وتراكم النفايات والاحتمالات الكبيرة لانتشار أوبئة أمراض قد تفتك بالمحاصيل وببني البشر.
وتعصف هذه التغيرات المناخية العنيفة بالكرة الأرضية، في ظل التحضير لقمة شرم الشيخ، والتي في العادة يشارك فيها ممثلو حوالي 200 دولة، ومن بينهم عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء والخبراء والباحثين، والتي سوف تستمر في المناقشات وعرض نتائج الأبحاث لعدة أيام، ويتم التركيز خلال هذه القمة على عرض الأدلة والبيانات ونتائج الأبحاث التي قام ويقوم بها المختصون والباحثون، سواء أكانوا يتبعون مراكز أبحاث مستقله أو هيئات أكاديمية، أو حكومات أو هيئات دولية ومنها ما يتبع منظمة الأمم المتحدة، بتخصصاتها وبرامجها المختلفة.
وسوف تنعقد قمة شرم الشيخ هذا العام، في ظل دق ناقوس الخطر الحقيقي من الصورة القاتمة التي وصلت اليها الأرض وما تحويه من نظام بيئي، بسبب تعمق وتفاقم وتواصل النشاطات البشرية التي ما زالت تساهم في التلوث بأنواعه، وبالأخص تلوث الهواء، ومن ثم الاحتباس الحراري وتشكل ما بات يعرف بغازات الدفيئة، وانعكاسات ذلك من خلال ارتفاع درجة حرارة الأرض الكبير والمستدام خلال السنوات الماضية، وتضاؤل كمية الأمطار، وتشكُّل الأمطار الحامضية، والتصحر أي عدم القدرة على زراعة التربة أو المحاصيل أو الجفاف وتهديد التنوع الحيوي، وتفشي الآفات المختلفة ومنها الجديدة وبالتالي انتشار الأمراض المعدية، وتداعي الأمن الغذائي، وتلوث المياه، وذوبان الجليد والفيضانات وما يمكن أن يجره ذلك من كوارث لم يعتدها نظامنا البيئي من قبل.
وبغض النظر عن القرارات التي تم اتخاذها في قمم المناخ السابقة، او في غيرها من القمم، فيما يتعلق بمحاربة التلوث التي تساهم به بشكل كبير دول صناعية كبرى مثل الصين والولايات المتحدة والهند والبرازيل وغيرها، وبغض النظر عن الآلية التي تم وضعها للتطبيق العملي لهذه القرارات والتي تهدف في الأساس الى تقليل كمية الغازات الملوثة التي يتم بثها الى الجو، والى التوجه أكثر نحو مصادر الطاقة النظيفة أو الخضراء، الا أن الآثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها وما زالت تحدثها هذه الدول بفعل الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية قد شملت معظم دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في إحداث التغيرات المناخية، ولكن تتحمل العواقب والآثار بشكل أكثر إيلاماً أو بدون إنصاف أو بدون عدل، وهنا نشأ مصطلح ما بات يُعرف "العدالة المناخية" أو بالأحرى عدم وجود أو غياب عدالة مناخية في العالم.
والعدالة المناخية أو البيئية غائبة منذ زمن، وربما بدون ظهور آثار ملموسة كما نلحظ هذه الأيام، ونحن نعرف أن قمة المناخ في شرم الشيخ هذا العام، لن تكون القمة الأخيرة أو الاجتماع الأخير الذي يناقش المناخ والنظام البيئي، حيث عُقدت قبلها قمم عالمية ناقشت المناخ، وشارك فيها ممثلو معظم دول العالم، ورغم ذلك لم تجد قراراتها الطريق الى التطبيق العملي.
وحين الحديث عن الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، فهذا يعني الحديث عن الحد من النشاطات الاقتصادية، او الى التوجه نحو الاستثمار أكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يؤثر على المال والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل أقطاب المال مع أقطاب السياسة، او تداخل وتأثير أصحاب المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يشير الى مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمم المناخ السابقة، وربما في القمة الحالية في شرم الشيخ، وبالأخص من قبل الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان والهند وغيرها، حيث يلعب المال الدور الرئيسي في إيصال أو بقاء السياسيين في الحكم والتحكم في القرارات.
ومع انعقاد قمة المناخ هذا العام، ومع دق ناقوس الخطر الحقيقي لكوكب الأرض، ومع تواصل غياب العدالة المناخية في هذا العالم، فإن مفهوم العدالة المناخية ينطبق كذلك علينا في فلسطين، ورغم أننا لسنا بالبلد الصناعي او الزراعي ذي التأثير الملموس على البيئة والمناخ في العالم، إلا أننا أصبحنا نتأثر بما يقوم به الآخرون في العالم، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والتنافس الشرس على هذه المصادر، فقد يكون هذا التأثير علينا كبيراً وملموساً، وبدأنا نلمس آثاره في مجالات المياه والإنتاج الغذائي والجفاف والتصحر وتراكم النفايات وانتشار الآفات واستخدام المواد الكيميائية، وهذا التأثير له أبعاد واضحة من منظور النوع الاجتماعي، حيث تتأثر المرأة وبالأخص المرأة الريفية المزارعة بصور أشد وأطول من هذه التغيرات، وفي المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة التي تؤثر على طبيعة حياتنا اليومية.