اللاجئون في القطاع

jccx
حجم الخط

قلّ ما أكتب في المجال الداخلي اليومياتي والخدماتي، ولا أعرف إن كنتُ أهرب أم أتهرّب من الكتابة في هذه الشؤون والشجون للنقص الشديد لديّ والافتقاد إلى المعلومة والمتابعة المطلوبة أو بسبب ميلي الدائم نحو الكتابة في الشأن السياسي الوطني العام أو الشؤون الإقليمية والدولية بحكم دراستي وعملي وخبرتي الخاصة في هذه المجالات.
الألم الذي شعرت به وأنا أستمع صبيحة يوم أمس، على شاشة تلفزيون فلسطين حول معاناة اللاجئين الفلسطينيين في القطاع والذي أفترض أنه ألم شعر به كل من شاهد الفقرة التي تعرضت لأوضاعهم في برنامج «فلسطين هذا الصباح».
لم أكن أتصوّر أبداً أن أحوال اللاجئين الفلسطينيين في القطاع قد وصلت إلى هذه الدرجة من البؤس وإلى هذه الدرجة من المهانة التي وصلوا إليها.
ما شهدته وما شاهده مئات آلاف الفلسطينيين صبيحة الأمس، يجب أن يؤشر لنا بالقلم العريض على أن هؤلاء الناس وهم أهلنا وعزوتنا وجزء مكافح من شعبنا يتعرضون لمأساة إنسانية من حيث الشكل والمظهر ولكنها مشكلة وطنية من حيث الجوهر والمضمون. 
مشكلة يجب وبسرعة أن تدق ناقوس الخطر على كل نواقيس الخطر التي يمكنها أن تعلي الصوت بكل قوة وشجاعة.
ففي ظل هذه الأجواء الباردة والماطرة بصورة خاصة في هذا الموسم تغرق المخيمات وتدخل المياه إلى منازل الناس وتغرقها، وتختلط مياه الأمطار بالمجاري وتفيض على هؤلاء الصابرين الصامدين ولا أحد يتحرك لوضع حد مهما كان بسيطاً ومتواضعاً لهذه المعاناة، وهذه الكوارث التي يعيشها اللاجئون هناك. 
هذه مصيبة بحد ذاتها، أما المصيبة الأكبر فهي أن وكالة الغوث تحت ذرائع وحجج في أغلب الظن واهية تتنصل من مسؤولتيها في توفير الحدود الدنيا من البنى التحتية الكفيلة بالتخفيف عن معاناة الناس إن لم نقل وضع حدٍ نهائي لهذه المعاناة.
أما المصيبة الطامة فإن البلديات الفلسطينية تحت ذريعة أن وكالة الغوث هي الجهة المسؤولة عن إقامة هذه البنى وان البلديات ليس لها شأن خاص على هذا الصعيد تتنصل هي أيضاً، من المسؤولية.
وكأن المسألة هنا كيف تلقي الجهات المنوط بها التصدي لهذه المأساة باللائمة على بعضها البعض، أو كأن مسؤولية البلديات تنتهي عند مآسي الناس لمجرد أن الجهات المسؤولة رسمياً عن هذه المأساة لا تقوم بواجباتها حيال معاناة الناس.
لو وقفت المسألة على هذه الحدود لقلنا إن وكالة الغوث والبلديات تتنصل فقط من المسؤولية أما وبعد كل هذا التقصير، وبعد كل هذا التهرب من المسؤولية الإنسانية والوطنية على حدٍ سواء فأن تطلب البلديات من الناس دفع «المستحقات» المالية المترتبة عليهم نظير «الخدمات» التي «تقدمها» البلديات لهؤلاء اللاجئين فهذا والله كثير، وهذا والله خارج نطاق العقل والدين والوطنية والشهامة والرجولة.
هذا استهتار بالمواطن وحقوقه وهذه المسائل لا يمكن إلاّ أن تسمى بأنها سطو على آخر ما تبقى في جيوب هؤلاء الفقراء من نقود هذا إذا كانوا أصلاً يمتلكون شيئاً لقوت أطفالهم وإن كان في جيوبهم شيء لجباية البلديات.
أما المضحك المبكي وكما تابعت على البرنامج فإن البلديات قد أوعزت إلى «الشرطة» بتحصيل أموال الجباية من هؤلاء اللاجئين تحت طائلة «القانون» وتحت طائلة العقاب.
هل تصدقون أيها الفلسطينيون أن هذا يحدث في بلادنا؟
وهل تصدقون أن هذا يحدث لأهلنا في القطاع؟
وهل وصلنا إلى هذه الدرجة من التجرّد التام والكامل؟
كل المشاعر والمسؤوليات وتحولنا إلى جباة من أناس هم في الأصل الأكثر فقراً والأكثر معاناة في عموم الوطن؟
وهم قد باتوا على نفس درجة الفقر والشقاء لإخوتنا وأهلنا في مخيمات الشقاء في سورية ولبنان وربما بلدان أخرى؟
وإذا كانت حكومتنا لا تملك القدرة والوسائل للتدخل السريع بصورة مباشرة فلماذا لا تقوم بإثارة المسألة على كل صعيد، ولماذا لا تتحمل وزارة الحكم المحلي المسؤولية في التصدي لهذه المشكلة؟
ثم لماذا نسكت على وكالة الغوث إذا كانت مقصرة في هذا المجال؟ ولماذا لا تتحمل البلديات فوراً هذه المسؤولية إذا كانت وكالة الغوث عاجزة فعلاً عن عمل أي شيء على الإطلاق؟
ثم كيف نسمح بأن تتم جباية بدل الخدمات على خدمات لا تقدم؟ أو على خدمات تقول البلديات نفسها إنها خارج نطاق مسؤوليتها وخارج نطاق موازاناتها واختصاصها؟
ثم كيف نسمح أن يتم استخدام الشرطة «لإنقاذ» هذا السطو على جيوب المواطنين دون أن نفضح هذا السطو إذا كنا عاجزين عن التدخل لوقف هذه المأساة؟
إن ما عرض على تلفزيون فلسطين هذا الصباح يستحق الإشادة بالقائمين على إثارة هذا الأمر ويستحق الثناء على كل من تشجّع لتوضيحه إلى الرأي العام.
لقد نجح القائمون على التقرير في حزّ مشاعرنا ولهذا فلهم كل الشكر والامتنان.
أما «جباة آخر الزمن» فعليهم أن يشعروا بالخجل، وعلى كل الجهات التي يهمها السطو على آخر ما تبقى في جيوب أهلنا هناك أن يخجلوا، وعلى وكالة الغوث أن توقف البحث عن الذرائع للتنصل والتجرد من أدنى المشاعر الإنسانية.