إصلاح العلاقة الأمريكية - السعودية أمر بالغ الأهمية لمصلحتهما الجيوستراتيجية المتبادلة

الون-بن-مئير.jpeg
حجم الخط

بقلم: البروفيسور ألون بن مئير


ساهم سوء فهم الولايات المتحدة لعلاقاتها الثنائية مع المملكة العربية السعودية على عدد من الجبهات بشكل ‏كبير في التوتر الحالي المتصاعد بينهما. ومن الأهمية بمكان أن يقوم البلدان في هذا المنعطف بإعادة ضبط ‏علاقتهما وتجديد شراكتهما الجيوستراتيجية.‏

‏ تشير حتى مراجعة سريعة للعلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على مدى السنوات العديدة ‏الماضية إلى أن الولايات المتحدة أساءت بشكل عام فهم علاقاتها الثنائية مع المملكة العربية السعودية. الفكرة ‏السائدة هي أن السعوديين يحتاجون إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير من العكس ، مما يضع الولايات المتحدة ‏في وضع يسمح لها بتقديم مطالب إلى الرياض بدلاً من العمل عن كثب كحلفاء لهم مصلحة جغرافية ‏استراتيجية مشتركة. وبهذا الصدد أزعم من طرفي على أن التوتر الحالي المتصاعد بين البلدين لم يكن ليبلغ ‏الحدّ الأدنى له لو تلقى الرئيس بايدن نصيحة أفضل حول طبيعة العلاقات الأمريكية السعودية ، سواء خلال ‏حملته الرئاسية أو منذ دخوله البيت الأبيض قبل نحو عامين‎. ‎

وصف بايدن أثناء ترشحه لمنصب الرئيس المملكة العربية السعودية بأنها "منبوذة" ، وأن لقيادتها "قيمة ‏تعويضية ضئيلة للغاية". وعندما قررت أوبك خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا ، هدد بايدن ‏السعوديين بالقول: "... عندما يعود مجلسي النواب والشيوخ للإنعقاد، ستكون هناك بعض العواقب لما فعلته ‏‏(السعودية) مع روسيا ". وزاد الطين بلة عندما تعهد بعدم التحدث مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ، ‏المعروف باسم‎ ‎‏"إم.بي.إس"(‏MBS ‎‏)، الذي يُعتبر هو الملك في الواقع. وربما الأسوأ من ذلك كله ، أنه ‏استغرق أكثر من عام من توليه المنصب لتعيين سفيراً في الرياض ،وهو المنصب الذي لا يزال ترشيحه معلقًا ‏، الأمر الذي يعتبره السعوديون أكثر أشكال عدم الاحترام الصارخة التي يمكن أن تظهرها الولايات المتحدة‎. ‎

قد يعتقد المرء أنه بمجرد أن يقرر بايدن زيارة المملكة ، في المقام الأول للمطالبة بزيادة إنتاج النفط في أعقاب ‏أزمة الطاقة التي أثارتها الحرب في أوكرانيا ، فإنه سيبذل جهدًا لإصلاح العلاقة. وفي الواقع ، حدث العكس ‏تمامًا. لقد أهان محمد بن سلمان برفضه مصافحته وألقى محاضرات على السعوديين حول انتهاكاتهم لحقوق ‏الإنسان. علاوة على ذلك ، فإن محمد بن سلمان زعيم جديد وعديم الخبرة ولا يقدّر بالضرورة أهمية التحالف ، ‏الأمر الذي زاد من زعزعة أسس العلاقة الأمريكية - السعودية. ومن المؤكد أنها كانت زيارة مشؤومة. كان ‏ينبغي أن يقوم بايدن بالرحلة بقصد إصلاح العلاقة بين البلدين، ولكن نتيجة هذه الرحلة بدون هذا القصد زادت ‏ببساطة الأمور سوءًا ، خاصة بسبب ازدرائه للنظام الملكي السعودي الذي كان ظاهرا على مدار العامين ‏الماضيين‎. ‎

علاوة على ذلك ، فسّر السعوديون خطوات الولايات المتحدة على أنها بقصد لتقليل اعتمادها على النفط ‏السعودي ، ومحور توجهها نحو آسيا لاحتواء النفوذ الصيني المتنامي كدليل على اهتمام الولايات المتحدة ‏الضيق بحماية شراكتها الجيوستراتيجية وانعكاساتها على أمنها القومي. وأخيرًا ، أدى استمرار انتقاد بايدن ‏العلني لانتهاكات السعوديين لحقوق الإنسان إلى مزيد من نفور محمد بن سلمان ، الذي يعتبر نفسه مصلحًا ‏ورفض التدخل الأمريكي في شؤون بلاده الداخلية ، وهو ما ينسبونه إلى غطرسة الولايات المتحدة وابتعادها ‏عن الواقع‎. ‎

يتجلى من وجهة نظر السعوديين سوء فهم الولايات المتحدة للبلاد من خلال عدة مجالات‎: ‎

مبيعات الأسلحة: عندما يدلي الديموقراطيون رفيعو المستوى ببيانات وقحة في السياسة الخارجية ، كما حدث ‏عندما قدم السناتور ريتشارد بلومنثال والنائب رو خانا مشروع قانون "للإيقاف الفوري لجميع مبيعات الأسلحة ‏الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية" في أعقاب خفض إنتاج النفط ، فهذا يوضح أين يكمن موقف الحزب ‏ككل بشكل عام. علاوة على ذلك ، لم يتكلم بايدن حتى الآن ضد هذا القانون ، مما يوضح مدى خلل وجهات ‏نظر الإدارة بشأن مشروع مبيعات الأسلحة بالكامل إلى المملكة العربية السعودية‎. ‎

بادئ ذي بدء ، بيع الأسلحة للسعوديين ليس مساهمة خيرية. إنهم يدفعون عشرات المليارات من الدولارات ‏لشراء الأسلحة وهو ما تستفيد منه الصناعة العسكرية الأمريكية بشكل كبير. إنه يسمح للولايات المتحدة بأن ‏يكون لها موطئ قدم قوي في المملكة العربية السعودية من خلال المدربين والدعم اللوجستي والأفراد ‏العسكريين مما يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط ، وكل ذلك مع ‏تعزيز العلاقات بين البلدين التي تدرّ المليارات من الفوائد الاقتصادية.‏

المصالح الوطنية: إن نهج السياسة الأمريكية كما يراها السعوديون تجاههم يقوم على فرضية ما هو الأفضل ‏للولايات المتحدة باعتبارها القوة المتفوقة في علاقاتهم الثنائية، أي أن الولايات المتحدة كانت باتّة وغير مقيّدة ‏أو مشروطة إلى حد ما في مطالبها من حيث الولاء السعودي طارحة للسعوديين خيارين أساسيين ، كما كان ‏وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز يردّد على لسان الولايات المتحدة: "هل أنت معنا أم ضدنا ؟"‏

‎ ‎لقد خفّضت الولايات المتحدة من المصالح السياسية للسعوديين والاعتبارات الاقتصادية في كثير من الأحيان ‏، كما تجلى الأمر في قرار الرياض بدعم خفض أوبك للنفط. لقد أراد السعوديون على وجه الخصوص الحفاظ ‏على استقرار الأسعار وخاصّة بسبب قلقهم من الركود العالمي الوشيك ، بالإضافة إلى أنهم يريدون الاستعداد ‏للطلب المتزايد على النفط بفصل شتاء غامض. ومن خلال النظر إلى العلاقة بشكل واضح وأعمق ، يشعر ‏السعوديون بالضعف والقيود التي لم يعودوا على استعداد لتحملها‎. ‎

انتهاكات حقوق الإنسان: هذه القضية تثير استياء السعوديين بشدة لأنهم يزدرون إلقاء المحاضرات عليها ‏وانتقادهم علناً بها. وعلى الرغم من وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ، فإن السؤال ‏هو: إذا كانت الولايات المتحدة تريد للسعوديين إنهاء أو تقليص انتهاكاتهم لحقوق الإنسان بشكل كبير ، فهل من ‏الممكن تحقيق ذلك من خلال التوبيخ العلني أو من خلال المناقشات وراء الكواليس؟ الجواب واضح. إن إدانة ‏وإهانة السعوديين علنًا بشأن سجلهم في مجال حقوق الإنسان يخدم عكس الهدف النهائي للولايات المتحدة. ‏بمقدور الولايات المتحدة بالأحرى أن تشير من خلال أوضاع محددة إلى مدى استفادة النظام الملكي إذا شعر ‏الناس بمزيد من الحرية والإبداع ولا يخضعون للاحتجاز التعسفي والعقوبات غير المتناسبة وعدم المساواة ‏بين الجنسين ، وما إلى ذلك‎. ‎

المطلوب الآن هو فتح فصل جديد في العلاقات بين البلدين ، وتحديداً من خلال الاعتراف بالدور الحاسم ‏للمملكة العربية السعودية على عدة جبهات‎: ‎

كصانعة سلام: في اجتماع عُقد مؤخرًا بين الرئيسين الأمريكي والإسرائيلي ، بايدن وهرتسوغ ، قال الأخير: ‏‏"اعتقد حقًا بأن المملكة العربية السعودية لاعب مهم جدًا في المنطقة وأيضًا ركيزة مركزية للغاية في العالم ‏الإسلامي". أجل، بدون موافقة المملكة العربية السعودية لم تكن قد أبرمت اتفاقيات إبراهيم التي أوجدت على ‏حد تعبير هرتسوغ "نقلة نوعية استراتيجية ، شيء كنا نحلم به منذ زمن طويل".‏

يظل السعوديون ، الذين قدموا مبادرة السلام العربية في عام 2002 ، ملتزمين بإنهاء الصراع الإسرائيلي ‏الفلسطيني بينما يتعاونون ضمنًا مع إسرائيل في مجموعة من القضايا ، بما في ذلك تبادل المعلومات ‏الاستخباراتية وشراء التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة وبالتأكيد تبادل الآراء وتقييم المخاطر فيما يتعلق ‏بالتهديد الإيراني. وبالإضافة إلى ذلك ، صوّت السعوديون لإدانة ضم روسيا للأراضي الأوكرانية ويواصلون ‏جهودهم لمساعدة أوكرانيا ، هذا ضمن العديد من الجهود الأخرى.‏

إنتاج النفط: بغض النظر عن النزاع الأمريكي - السعودي تظل الرياض أكبر منتج للنفط. وبالنظر إلى أزمة ‏الطاقة العالمية ، يمكن للسعوديين إحداث فرق كبير. صحيح أن السعوديين ما زالوا يريدون موازنة وضبط ‏العرض والطلب على النفط وحماية مصلحتهم الوطنية، ولكن مع ذلك ، ينبغي على إدارة بايدن العمل مع ‏السعوديين في معالجة أزمة النفط العالمية من خلال مفاوضات هادئة ، وذلك لسببين: أولاً ، في الخامس من ‏كانون الأول (ديسمبر) سيبدأ الحظر النفطي الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الخام الروسي المحمول ‏بحراً ، مما قد يؤدي إلى اندلاع أزمة جديدة مع اقتراب برد الشتاء. وثانيًا ، في 4 كانون الأول (ديسمبر) سيعقد ‏الإجتماع القادم لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حيث ينبغي أن تتوصل الولايات المتحدة والسعودية قبل ‏انعقاده إلى تفاهم متبادل المنفعة حول إنتاج النفط‎. ‎

إصلاح العلاقات: بالتأكيد ، هناك العديد من المجالات الأخرى يمكن من خلالها للولايات المتحدة والمملكة ‏العربية السعودية أن تتعاونا بشكل كامل وينبغي عليهما فعل ذلك. هذا يشمل التعاون الكامل في التعامل مع ‏التهديد الإقليمي الإيراني وطموح إيران في أن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة التي يحتمل أيضا ً أن تكون ‏مجهزة بأسلحة نووية، والعمل كذلك معًا لإنهاء الحرب في اليمن ووقف الموت والدمار المروعين ؛ والمساعدة ‏في التخفيف من حدة الحرب الأهلية الدائرة في السودان حيث يموت آلاف الأبرياء دون أي إغاثة تلوح في ‏الأفق ؛ والاستمرار في تعزيز السلام بين إسرائيل والدول العربية الأخرى والضغط معًا لتسوية الصراع ‏الإسرائيلي - الفلسطيني المستمر منذ أكثر من سبعة عقود‎. ‎

وعلى الرغم من التقلبات في العلاقات الأمريكية - السعودية ، فقد استمر تحالفهما سبعة عقود وأثبت مرونته ‏وأهميته الجيواستراتيجية بعيدة المدى لكلا البلدين. حان الوقت الآن لإعادة النظر في علاقتهما وتجديد التزامهما ‏بالتحالف والصداقة ، وهو أمر محوري للسلام والاستقرار الإقليميين في منعطف تاريخي من الاضطرابات ‏العالمية‎.‎