إذا لم يحدث تحول غير متوقع في الأحداث فإن الحكومة الإسرائيلية ستكون لأول مرة في تاريخ البلاد مشكّلة من أحزاب متدينة في الأساس تمتلك 33 مقعداً في الائتلاف، حيث سيكون لأحزاب “الصهيونية المتدينة” و"شاس” و”يهدوت هتوراه”، ضِعفا عدد المقاعد التي ستكون لحزب "الليكود".
من المتوقع أن يكون لذلك تداعيات كبيرة على قضايا الدين والدولة في إسرائيل، حيث وضع كل من هذه الأحزاب بالفعل خططاً لعكس الإصلاحات التي وضعتها الحكومة المنتهية ولايتها ولتأسيس إصلاحات جديدة لتعزيز السيطرة الأرثوذكسية على الحياة الدينية في اسرائيل.
لكن على الرغم من هذه الأحزاب الدينية، التي تمثل غالبية الحكومة، إلا أنها ستكون مقيّدة إلى حد ما بالأجزاء الليبرالية – بالمعنى الكلاسيكي للمصطلح – والعلمانية في "الليكود"، بزعامة بنيامين نتنياهو، والذي سيظل أكبر حزب في الائتلاف.
وتشير شلوميت رافيتسكي تور-باز، مديرة مركز المجتمع المشترك في المركز الإسرائيلي للديمقراطية، إلى أن هذا موقف جديد بالنسبة لـ "الليكود"، حيث يكون الحزب بشكل عام أكثر تحفظاً في القضايا الدينية، ويشارك منذ فترة طويلة في ائتلافات حكومية ضمت أحزاباً حريدية ودعم سياساتها.
وأضافت: "لم تكن هناك من قبل حكومة ليكود-حريديم لم تضم قوة معتدلة – حزب يسرائيل بيتنا، كولانو، أزرق أبيض، العمل – كان هناك دائما طرف عمل على إضفاء التوازن على الأمور. الآن لا يوجد هناك طرف كهذا. لكن الليكود هو خليط من الأشخاص، هناك العلمانيون، وهناك المحافظون. لا أعتقد أنهم سيغيرون الوضع الراهن بهذه السرعة".
وتقول رافيتسكي تور-باز، المتزوجة من موشيه تور-باز، وهو عضو في حزب “يش عتيد”، الذي سينضم الآن إلى مقاعد المعارضة: “لقد وصلنا إلى نقطة من السخافة بحيث سيكون الليكود هو الحزب المعتدل”.
تاريخياً، كانت إحدى القوى الرئيسية في تخفيف الإكراه الديني في إسرائيل هي نظام المحاكم، الذي ألغى التشريعات وسمح بتفسيرات أكثر ليبرالية للقوانين القائمة. تحدث كل حزب في الائتلاف القادم المفترض عن الحاجة إلى تقليص السلطات القضائية بشكل كبير ومنع التدخل القضائي.
ويقول الحاخام سيث فاربر، رئيس منظمة “عتيم” للحقوق الدينية الأرثوذكسية، إنه قد يكون لذلك تأثير كبير على قضايا الدين والدولة في المستقبل، ما يزيل أحد السبل التي اعتمد عليها الإسرائيليون لحماية الحرية الدينية.
وأضاف فاربر: “من الأشياء التي أبقت قضايا الدين والدولة – على الرغم من تعقيدها – تحت المراقبة هي سلطة المحاكم. لكن الآن هناك مخاوف محتملة من تقليص سلطة المحاكم، وهذا مدعاة للقلق”.
يرى تاني فرانك، مدير مركز اليهودية وسياسة الدولة في معهد شالوم هارتمان والناشط منذ فترة طويلة في قضايا الدين والدولة، أن هذه الأحزاب من المرجح أيضا أن تكبح نفسها إلى حد معين خشية أن تؤدي المبالغة في سياساتها إلى إثارة رد فعل شعبي عنيف.
وقال فرانك: “إنهم يدركون أن أي شيء يفعلونه سيبدو – وبشكل له ما يبرره – خطوة أخرى نحو الإكراه الديني. ولقد سئم الناس من ذلك بالفعل”.
وعلى الرغم من أن زعيم حزب “الصهيونية المتدينة”، بتسلئيل سموتريتش، دعا إلى أن تصبح إسرائيل “دولة هالاخاه”، أي دولة تحكمها "الهالاخاه" أو الشريعة اليهودية، إلا أنه من غير المرجح، كما يقول فرانك، أن يحدث ذلك، أو على الأقل لن تصبح إسرائيل أكثر تديناً مما هي عليه بالفعل.
وقال فرانك بضحكة ساخرة: “أجد نفسي مضطراً لتذكير الناس بأننا نعيش نوعاً ما في وضع ’دولة هلاخاه’ بالفعل… ولكنني لا أعتقد أننا سنعيش في ’دولة هالاخاه’ بالكامل. لا أظن أنه سيكون هناك غدا حظر على المثليين من الظهور في الأماكن العامة”.
لكنه شدد على أن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك تحولات كبيرة في قضايا الدين والدولة، بما في ذلك التراجع في قضايا حقوق مجتمع الميم (المثليين)، لا سيما وأن حزب “نوعم” المعادي للمثليين بشكل صريح، والذي يعد جزءا من قائمة “الصهيونية المتدينة”، في صدد الانضمام إلى الائتلاف. لكن فرانك يرى أن المخاوف من حدوث تحول جذري بين عشية وضحاها في إسرائيل إلى دولة دينية خالصة قد تكون مبالغاً فيها.
بحسب فرانك، فإن هذا لا ينبع بالضرورة من عدم وجود رغبة، وإنما بسبب القيود السياسية. حتى مع وجود أغلبية لهذه الأحزاب، فإن تمرير أي تشريع يتطلب قدراً معيناً من الرصيد السياسي، وهناك قضايا أخرى ستفضل هذه الأحزاب استثمار رصيدها فيها خلال المفاوضات الائتلافية.
بالنسبة للأحزاب الحريدية فإن مثل هذه الأولويات ستشمل تخصيص المزيد من الأموال للرجال الذين يدرسون في المعاهد الدينية، وإلغاء متطلبات العمل من أجل الحصول على مخصصات لرعاية الأطفال، وإلغاء الضرائب على أدوات المائدة أحادية الاستعمال والتي أثارت استياء شديدا، وايقاف الإصلاح المقترح لزيادة المنافسة بين مزودي خدمات الاتصال “الكوشير”.
وقال: “لكن كل ما لا يتطلب تشريعات سيكون تغييره أسهل بكثير”.
سيكون بإمكان وزير الصحة المقبل، على سبيل المثال، ابطال قرار وزير الصحة الحالي، نيتسان هوروفيتس، بشأن علاج التحويل – وهو علاج علمي زائف لتغيير الميول الجنسية للشخص، والذي ثبت أنه غير فعال ويزيد من احتمالية الانتحار – أو قراره السماح للرجال المثليين بالتبرع بالدم.
ما الذي سيحدث؟
على رأس جدول الأعمال التشريعي، سيتم إلغاء إصلاحات الحكومة السابقة للطريقة التي يتم بها منح المطاعم ومصنعي المواد الغذائية شهادة كوشر (حلال بحسب الشريعة اليهودية)، على الأقل جزئيا.
الإصلاح، الذي تم إقراره في تشرين الثاني الماضي سيسمح لوكالات اعتماد الكوشير الخاصة، بدلا من النظام الحالي الذي يمكن فيه فقط للحاخامات – من خلال حاخامات السلطات المحلية – منح شهادات كوشير رسمية في قطاع الأغذية. على الرغم من أن بعض الجوانب الأولية للإصلاح دخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني، إلا أنه من المقرر أن تبدأ الخصخصة الرئيسية فقط في الأول من كانون الثاني 2023.
وقد شجبت الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة، أو الحريدية، الإصلاح من البداية، بدعوى أنه سينجم عنها تراجع في معايير الكشروت. إلا أن الكثيرين يرون أن معارضة الإصلاح نابعة من حقيقة أنه سيقلل من سلطة الحاخامية الكبرى ويخفض رواتب مشرفي الكشروت، الذين تعد الأغلبية الساحقة منهم من الحريديم.
على الرغم من أنه قد لا يتم إبطال بعض الجوانب التقنية للإصلاح، إلا أنه من المرجح أن يتم إلغاء الجوانب المتعلقة بالخصخصة، مع الاحتفاظ بالسلطة في مجال الحاخامية الكبرى فقط، حسب تقييم فرانك.
بشكل عام، يقول فرانك إن هذا الائتلاف المفترض سيركز على الأرجح على تقوية الحاخامية الكبرى، وتكريس السلطات القائمة في القانون، ومنحها صلاحيات إضافية، مثل السماح للمحاكم الحاخامية بالفصل في النزاعات النقدية، وهو أمر لا يمكن أن تفعله حاليا سوى المحاكم المدنية.
تقول رافيتسكي تور-باز إنه في الأشهر الأولى من عمر الائتلاف القادم، من المرجح أن تسعى الحكومة الجديدة إلى استرضاء قاعدة ناخبيها – وفي بعض الحالات بلا مبرر – من خلال إبطال كل ما فعلته الحكومة السابقة.
ومع ذلك، كما تقول، بعد تلك الفترة الأولية التي ستستخدمها لـ”إثبات انتصارها وفعل الأشياء ’لمجرد القيام بها’”، ستتمكن هي وغيرها من النشطاء والباحثين في قضايا الدين والدولة “من بدء محادثات والتوصل إلى حلول وسط”.
ولكن بالإضافة إلى الأشياء التي تتطلع الأحزاب المتدينة إلى القيام بها بنشاط، هناك أيضا العديد من الاتجاهات المستمرة التي بدأت في الحكومة المنتهية ولايتها، والتي من المرجح أن تتوقف، خاصة تلك المتعلقة بالنساء.
دفع كهانا، على سبيل المثال، إلى تعيين نساء في مناصب في المجالس الدينية المحلية. من المرجح أن يظل من تم تعيينهن بالفعل في مناصبهن، وفقا لرافيتسكي تور-باز، ولكن من المستبعد أن يكون هناك المزيد من التعيينات على هذا المنوال في المستقبل.
تم تعليق التسوية المتعلقة بالحائط الغربي، والتي من شأنها منح مكانة رسمية للتيارات غير الأرثوذكسية في إدارة الموقع المقدس، لسنوات بسب معارضة المشرعين الأرثوذكس والحريديم. تقول رافيتسكي تور-باز إن إن هذا من المرجح أن يظل هو الحال في ظل الائتلاف المقبل، ما لم يحدث تطور غير متوقع.
يقول فاربر، الذي تتعامل منظمته “عتيم” بشكل مكثف مع قضايا اعتناق اليهودية وتساعد الإسرائيليين في تفاعلهم مع الحاخامية، إنه كان يأمل في تناول قضايا جديدة، ولكن في ضوء نتائج الانتخابات فإن منظمته تتجه بدلا من ذلك إلى “موقف دفاعي”.
وأضاف: “كانت لدينا قضايا كنا نأمل بالدفع بها قدما. كنا نأمل في جعل التحقيقات اليهودية أقل تطفلا وإهانة”، في إشارة إلى التحقيقات التي تجريها الحاخامية عادة على أشخاص من الاتحاد السوفييتي سابقا، للتأكد من أنهم يهود قبل أن يتمكنوا من الزواج.
إلى جانب القضايا التي سترغب الحكومة في الدفع بها إلى الأمام، سوف تشرف الحكومة المفترضة أيضا نظرا إلى التوقيت على انتخاب الحاخامين الأكبرين لإسرائيل العام المقبل، ما سيضمن لها أن يكونا من المتشددين. ومع ذلك، أشار فرانك إلى أن هذا كان من المحتمل أن يكون هو الحال أيضا حتى لو ظل الائتلاف المنتهية ولايته في السلطة.
القضايا المثيرة للجدل
بالإضافة إلى القضايا الدينية الأكثر إجماعا والتي يمكن لجميع أجزاء هذه الحكومة المفترضة أن تدفع بها قدما أو تقلبها بسهولة، هناك العديد من القضايا الأكثر إثارة للجدل، والتي سيكون من الصعب على الحكومة الدفع بها قدما.
إحدى هذه القضايا المثيرة للجدل هي قانون العودة الذي يحكم الهجرة في إسرائيل ويضمن الجنسية لأي شخص لديه جد يهودي واحد على الأقل أو أي شخص تحول إلى اليهودية. هذا المعيار يختلف عن التعريف الأرثوذكسي لليهودي، والذي يتطلب أن يكون للشخص أم يهودية. نتج عن هذا التفاوت أن ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي لا يُعتبرون يهودا وفقا للقانون اليهودي الأرثوذكسي، وهو مصدر قلق كبير للعديد من الإسرائيليين المتدينين، الذين يعارضون الزواج بين الأديان.
لمعالجة هذه القضية، يدعو حزب “الصهيونية المتدينة” في برنامجه إلى إلغاء بند الأجداد، الذي من شأنه أن يقلل بشكل كبير من عدد المهاجرين غير اليهود.
إلا أن مثل هذه الخطوة ستمثل تحولا هائلا في سياسة الهجرة الإسرائيلية، وستواجه معارضة شديدة من قبل سكان البلاد من أصول سوفييتية، والذين سيكون من بينهم على الأرجح أعضاء في حزب الليكود ولدوا في الاتحاد السوفييتي سابقا. يقول فرانك إن سموتريتش سيتجنب على الأرجح الدخول في مثل هذه المعركة، حيث إن هناك أموراً أخرى أكثر إلحاحا قد يرغب في معالجتها.
وقال فرانك إن “[قانون العودة] هو من الرايات التي سيقوم سموتريتش بإنزالها بسرعة بهدف الدفع بقضايا أخرى”.
قضية أخرى يمكن أن تشهد تغييرا كبيرا، لكن على الأرجح ألا يحدث ذلك، هي قضية التحول إلى اليهودية.
غني عن القول أن الإصلاحات التي حاولت الحكومة المنتهية ولايتها سنها للسماح بمنافسة أكبر في إجراءات التحول إلى اليهودية، والتي يعارضها حزب “الصهيونية المتدينة” والأحزاب الحريدية بقوة، لن تمضي قدما.
لكن الأحزاب المتدينة، وكذلك أجزاء من "الليكود"، انتقدت أيضا قرار محكمة العدل العليا العام الماضي بالاعتراف بتحول غير أرثوذكسي إلى اليهودية لأغراض الحصول على الجنسية الإسرائيلية، وليس لأغراض دينية. اعترف قرار منفصل صدر، الشهر الماضي، بإجراءات التحول الأرثوذكسية إلى اليهودية التي لا يتم إجراؤها من خلال الحاخامية للحصول على الجنسية أيضا، بما في ذلك تلك التي يؤديها برنامج “غيور كهالاخاه” التابع لمنظمة “عتيم”.
يمكن أن يحاول الائتلاف المفترض إصدار قانون ينص على أن التحول إلى اليهودية من خلال الحاخامية الكبرى فقط هو الوحيد الذي سيكون كافيا للحصول على الجنسية.
لكن وفقا لفرانك، من معهد شالوم هارتمان، فمن غير المرجح أن يبادر الائتلاف الحكومي إلى هذه الخطوة لأن ذلك من شأنه أن ينفّر الإسرائيليين الأكثر تقدمية وبالتأكيد الإسرائيليين الأرثوذكس الذين يدعمون مبادرات مثل “غيور كهالاخاه”، وكذلك اليهود غير الأرثوذكس في الشتات، الذين يشوب علاقاتهم مع إسرائيل توتر بالفعل، لا سيما مع الإدراج المتوقع لنواب من اليمين المتطرف في الائتلاف.
وقال فرانك: “حتى مع كون نتنياهو لا يهتم بيهود الشتات، فإنه لا يزال بحاجة إلى أن يترك لنفسه مجالا للمناورة معهم. لا يمكنك تعيين [السياسي اليميني المتطرف] إيتمار بن غفير والبدء في إصدار قوانين تضر بمكانة غالبية يهود أمريكا الشمالية”.
كما هو الحال في الوضع الحالي، كما قال، فإن إسرائيل بالكاد تعترف بالتياريين الإصلاحي والمحافظ في اليهودية. من شأن مثل هذه الخطوة أن تجردها من المكانة الضئيلة أصلا التي تحظى بها.
وأضاف فرانك: “هناك فرق بين أخذ الطعام من طبق شخص ما عندما يكون في منتصف تناول الأكل وعدم إعطائه بعض الطعام في المقام الأول”.
ومع ذلك، يتوقع فرانك أن يتم تمرير بعض التشريعات، حتى وإن كان ذلك بشكل رمزي، لتعزيز قوة الحاخامية الكبرى التي تتمتع أصلا بسلطة احتكارية على منح المصادقات على التحول إلى اليهودية.
عن "تايمز أوف إسرائيل"