التنافس بين بايدن وترامب ما زال مستمراً

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 


بما يخالف توقعات استطلاعات الرأي، لم يحقق الجمهوريون الأميركيون النصر الذي كان متوقعا، وذلك في الانتخابات النصفية للكونغرس التي جرت يوم الثلاثاء الماضي، ورغم فوزهم بأغلبية مجلس النواب، إلا أن عدم فوزهم بأغلبية مجلس الشيوخ، كذلك عدم فوزهم بأغلبية ثلثي مجلس النواب، يعني أن الرئيس جو بايدن، لن يواجه إعاقة مستحيلة التجاوز في إدارته للبيت الأبيض خلال العامين المقبلين، والمتبقيين على ولايته الحالية الممتدة منذ مطلع العام 2021، والتي تنتهي حتى مطلع العام 2025.  
والحقيقة أن انتخابات الكونغرس، إن كانت تلك التي تجري لكامل أعضائه والتي ترافق الانتخابات الرئاسية، وتحدث كل أربعة أعوام، أو هذه التي تجري خلال منتصف الولاية الرئاسية، وتشمل نصف أعضاء مجلس الشيوخ وكل أعضاء مجلس النواب، كلاهما على قدر من الأهمية، ذلك أن التنافس التاريخي التقليدي، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، عوضا عن كونه أحد مظاهر الديمقراطية الأميركية، إلا أن النظام الرئاسي الأميركي يرتكز على مثلث حكم، له ثلاثة أضلاع، أهمها بالطبع هو رأس الحكم، متمثلا بالرئيس، والذي هو بنفس الوقت رئيس الحكومة، لكنّ ضلعي المثلث الآخرين مهمان جدا، ونقصد بهما كلا من الكونغرس بمجلسيه: الشيوخ والنواب، وكذلك حكام الولايات، وهؤلاء في أغلبيتهم الساحقة ينتمون لأحد الحزبين: الجمهوري والديمقراطي.  
والكونغرس ليس مجرد مجلس يصادق بشكل تلقائي، كما لو كان شاهد زور، كما هو حال العديد من المجالس النيابية في دول أنظمة الاستبداد، ذلك أن القرارات ذات الطابع المركزي في السياسات العامة التي تؤثر على الدولة تحتاج إلى مصادقته، فيما الرئيس بالمقابل يملك حق النقض على معظم قرارات الكونغرس، إلا في حالة أن تصدر بأغلبية الثلثين، هذه الأغلبية التي كان يخشاها بايدن وحزبه الديمقراطي في هذه الانتخابات النصفية، بعد أن توقعت الصحافة الأميركية موجة حمراء ستجتاح انتخابات الكونغرس النصفية، بالنظر إلى ضعف أداء الرئيس بايدن، وبما يعطي مؤشرا على ما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية العام 2024، والتي كما هو معلن بإشارات مؤكدة، سيشارك في منافساتها كل من الرئيس الحالي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب.
في المؤتمر الصحافي الذي عقده بايدن، والذي هو تقليد رئاسي على أي حال، ليلة الأربعاء بدا كما لو كان منتصرا، حيث ظهر ليعلن عدم تحقق الفوز الكاسح للجمهوريين، وكما لو كان يعلن عن فوزه مجددا بالرئاسة، كما وصف أحد المحللين السياسيين حالة الرئيس، وهذا يدلل على المدى المحبط الذي كان يتوقعه بايدن خلال انتخابات الكونغرس النصفية، والتي جاءت بعد أسبوع واحد فقط من إجراء انتخابات الكنيست الإسرائيلية، والتي أفضت إلى ما لم يبعث الارتياح في نفسه.
وجدير بالذكر أن انتخابات الكونغرس النصفية جرت في ظل مخاوف متزايدة من وقوع أحداث عنف أو شغب، كذلك في ظل تشكيك الكثير من المرشحين الجمهوريين خاصة، في نتائجها، إن جاءت على غير ما يشتهون، وفق منطق ترامب السابق، بل إن معركة التصويت جرت بين الحزبين، كما حدث قبل عامين، خلال إجراء انتخابات الرئاسة، أي في ظل اعتراض الجمهوريين على الاقتراع بالبريد لدرجة رفع الدعاوى القضائية في أكثر من ولاية، حيث من المعروف أن الكثير من ناخبي الحزب الديمقراطي يقترعون عبر البريد، فيما يقترع معظم ناخبي الجمهوريين بشكل مباشر وشخصي، بالتوجه لمراكز الاقتراع.  
وحيث من الطبيعي أن يساند الرئيس مرشحي حزبه، حتى يتجنب أغلبية الخصم، أو على الأقل أغلبية الثلثين، أو كذلك أغلبية المجلسين، ذلك أنه وفق النظام الأميركي، فإن قرارات مجلس النواب تمر على مجلس الشيوخ، قبل أن تذهب للحصول على موافقة الرئيس، أي أنه حتى يكون الكونغرس ندا، أو حاكما مناكفا - رأسا برأس - مع الرئيس، لا بد من فوز الحزب الخصم بأغلبية مجلسي الكونغرس، نقول كان من الطبيعي أن يشارك بايدن في الحملة الانتخابية لمرشحي حزبه، كذلك استعان الحزب الديمقراطي بالرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة، لكن ما لفت الانتباه هو دعم ترامب لعدد من مرشحي الحزب الجمهوري، حيث أراد أن يظهر كقائد يعين حكام الولايات الجمهوريين، وأعضاء مجلس الشيوخ والنواب من حزبه. لكن معظم هؤلاء فشلوا، بما أظهر بأن الجمهور يرى في ترامب شخصا سلبيا، بل إن فوز بعض المرشحين الجمهوريين، مثل رون دي سانتيس، الذي فاز بمنصب حاكم فلوريدا، الولاية المتأرجحة التي أثارت جدلا في انتخابات الرئاسة السابقة، والذي أعلن منذ وقت نيته الترشح للتنافس على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة العام 2024، قوبل بترحاب ساخر من قبل بايدن، لأنه يعتبر تحديا جديا لمنافسه المحتمل التقليدي، ترامب.
كان يمكن لو أن الموجة الحمراء قد اجتاحت الولايات المتحدة بمناسبة إجراء انتخابات الكونغرس النصفية، أن تعني انتهاء مغامرة بايدن عند حدود انتهاء ولايته الحالية في البيت الأبيض، ذلك أن هذه الانتخابات عادة ما تعني إضافة إلى كون نتيجتها حين تأتي لصالح الحزب الخصم للرئيس، تعني تكبيل يديه خلال العامين التاليين، فإنها أيضا تعطي مؤشرا على وجهة الانتخابات الرئاسية القادمة، وعادة ما يهتم الرؤساء الأميركيون بانتخابات الإعادة، لأنها تعتمد على أدائهم خلال الولاية الأولى، وليس على الوعود الانتخابية، كما هو حال انتخابات ولايتهم الأولى، لذا فإن نتيجة هذه الانتخابات - بتقديرنا - ستشجع بايدن على حسم أمره، والترشح رسميا لتمثيل الحزب الديمقراطي في انتخابات العام 2024. بالمقابل، فإن النتائج ستؤثر كثيرا بالسلب على فرصة ترشح ترامب، ورغم كونه عنيدا، إلا أنها على الأقل ستشجع آخرين على الترشح في مواجهته للظفر بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة المقبلة، وهكذا بدت انتخابات الكونغرس النصفية، كما لو كانت امتدادا لانتخابات الرئاسة الحامية، التي جرت بين ترامب وبايدن، فيما على بايدن أن يبدأ بترتيب أوراقه لمواجهة حليفه الإسرائيلي في ظل رئاسة اليمين المتطرف مع ابن غافير، دون رغبته للحكومة الجديدة، أما داخليا فيمكن أن يواجه تحديا متمثلا في مجلس النواب بأغلبية جمهورية، كما واجه ترامب من قبل المجلس ذاته بأغلبية ديمقراطية، حيث ناكفته نانسي بيلوسي كثيرا، رغم الأغلبية الجمهورية لمجلس الشيوخ حينها.