كتب د.سفيان ابو زايدة:
هناك شعور بأن هناك عدوان قادم على غزة ، خاصة بعد سقوط شهيد امس بنيران قذائف البحرية الاسرائيلية على الساحل الشمالي لبحر غزة بذريعة انه كان يزرع عبوات تستهدف القوات الاسرائيلية التي تجتاز الحدود و تدخل للمناطق الفلسطينية بين الحين و الاخر.
التعليمات الاسرائيلية بعد هذا الحادث هو منع المزارعين الاسرائيليين من الاقتراب من الشريط الحدودي اضافة الى اجراءات احتياطية اخرى مما يعمق من الشعور بأن الوضع على الجبهة الجنوبية هو غاية في الحساسية و ان الانفجار هو مسألة وقت ليس اكثر. سقوط الشهيد امس لا ينفصل عن سلسلة من التراكمات التي تعزز هذا الشعور .
اسرائيل تدعي ان حماس و الفصائل الفلسطينية تسعى ليل نهار لتطوير قدراتها العسكرية و الاستمرار في حفر الانفاق بما فيها الهجومية التي قد تصل الى الجانب الاخر من الحدود، و يوميا تجري تجارب بهدف تطوير قدراتها الصاروخية، واخيرا تتحدث اسرائيل عن تطوير حماس لنظام مراقبة جديد من خلال استخدام المناطيد المزودة بكاميرات تصوير لجمع المعلومات سواء عن تحرك القوات الاسرائيلية على طول الشريط الحدودي او على ساحل البحر.
من الجهة المقابلة الاستعدادات الاسرائيلية متواصلة لتطوير قدراتها استعدادا لاي مواجهه قادمه. مؤخرا تحدث الاعلام الاسرائيلي عن انشاء وحده جديدة في الجيش الاسرائيلي اطلقوا عليها اسم ( عوز) حيث تم اختيار عناصرها من الوحدات المختاره في الجيش الاسرائيلي، اي هي وحده مكونه من نخبة النخبه في الجيش الاسرائيلي تم تدريبها على القيام بعمليات خاصة خلف خطوط (العدو) بما في ذلك القتال وجها لوجه و لكن بالاساس هو الاعتماد على ( الحيل العسكرية ) غير التقليدية حيث مطلوب منها ان تلعب دورا بارزا في اي مواجهه قادمه سواء كان في الجبهة الشماليه مع حزب الله او على الجبهه الجنوبيه في اي حرب قادمه على غزة.
لم تتوقف اسرائيل عن تطوير منظومة القبة الحديدية و كذلك الصناعات العسكرية لم تتوقف عن انتاج منظومات جديدة و توفير ما يكفي من قذائف اضافة الى السعي الدؤوب لايجاد حلول لقذائف الهاون و الصواريخ قصيرة المدى التي لا تستطيع القبه الحديديه التعاطي معها.
التدريب في الجيش الاسرائيلي على حرب الانفاق ايضا لم يتوقف على اعتبار ان هناك الكثير من المواجهات ستكون تحت الارض . الاسرائيليون ينطلقون في حساباتهم و تقديراتهم للوضع في غزة ان كل شيء ممكن ان يتغير في لمح البصر، وان الهدوء النسبي السائد هناك منذ العدوان الاخير صيف ٢٠١٤ و الذي ترك خلفه ٢٥٠٠ شهيد فلسطيني و اكثر من عشرة الاف جريح و التي ما زالت آثار دماره في كل مكان .
هذا الهدوء النسبي قد يتغير في اي لحظة. الحسابات الاسرائيلية تأخذ بعين الاعتبار ان استمرار الحصار و عدم الاعمار و تقييد حركة السفر من خلال اغلاق المعابر و ازمة الماء و الكهرباء و معبر رفح و البطالة و الفقر و حالة القهر التي يعيشها الناس، (قهر من الاخ و الصديق قبل العدو) ، و الازمه المالية التي تعيشها حماس في عدم قدرتها على توفير رواتب لموظفيها بشكل دائم و التي كان آخرها اغلاق الجامعه الاسلاميه.
كل هذا لا يترك مجال لحسابات و استنتاجات من خلال الاعتماد فقط على المنطق. اضافه الى كل ذلك، هناك عامل تفجير اضافي يتعلق في العلاقة بين غزة و الضفة الغربية. الاتهامات الاسرائيلية المتكرره بأن هناك جهد واضح من بعض قيادات حماس في غزة، خاصة الاسرى المحررين من ابناء الضفة الغربية المقيمين في غزة حيث وفقا للادعاءات الاسرائيلية يسعون بشكل دؤوب للدفع بتنفيذ عمليات كبيرة في الضفة الغربية، آخر هذه الاتهامات ما نشره الاعلام الاسرائيلي بأعتقال خليه في العيزرية بالقدس كانت تخطط لتنفيذ عمليات في الضفه بتعليمات و دعم من غزة.
هناك تقدير بأن هناك خلايا اخرى على غرار خلية العيزرية لم يتم اكتشافها بعد و قد تنجح في تنفيذ هجوم هنا او هناك. للتذكير فقط العدوان الاخير (٢٠١٤ ) حدث بعد اختطاف ثلاث من المستوطين في الخليل على يد مجموعه من حماس، اسرائيل اتهمت حينها حماس غزة بأن لها علاقة بهذه العملية. على الرغم من كل ما ذكر اعلاه من استعدادات لدى كلا الطرفين فأن الطريق ما زالت طويله، الا اذا حدث شيء ما يقلب الطاوله، كعملية كبيره في الضفة الغربية او في العمق الاسرائيلي توقع عدد كبير من الضحايا تتهم فيها اسرائيل قيادات حماس في غزة بالمسؤوليه عنها.
او يحدث شيء ما في غزة يغير من الوضع القائم منذ توقف العدوان الاخير ، رغم بعض الخروقات هنا و هناك بين الحين و الاخر. الطريق ما زالت طويله وفقا للحسابات الواقعيه و المنطقيه ، مع الاخذ بعين الاعتبار ان ما تمر به غزة من ظروف اكبر بكثير من قدرة البشر على تحملها ، و قد لا يجعل لهذه الحسابات اي معنى. العدوان وفقا للتقديرات هو ليس وشيك ، بالتأكيد ليس في بحر الايام او الاسابيع القادمه، و ذلك للعديد من الاسباب و التي اهمها ان التقديرات الاسرائيلية بأن حماس ليست معنيه في مواجهه مع اسرائيل في الوقت الحالي ، وذلك للعديد من العوامل .
وكذلك الجهاد الاسلامي الذي يعتبر القوة العسكرية الثانية في غزة. من وجهة النظر الاسرائيلية التي لا تتوقف كثيرا عند التصريحات الناريه التي تصدر من هذا المسؤول الفلسطيني او ذاك ، طالما حماس و الجهاد و بقية الفصائل الفاعله المسلحه تحترم التهدئه ولا تشارك بين الحين و الاخر في عمليات التحرش من خلال اطلاق الصواريخ و التي يقف خلفها في الغالب مجموعات صغيره. و الاهم من ذلك طالما حماس تحرص و تبذل كل جهد ممكن بمنع هذه المجموعات من اطلاق الصواريخ او تنفيذ عمليات فأن فرصة تغيير الوضع القائم هو امر صعب.
اي ان الفصائل المؤثرة في غزة و على رأسها حماس غير معنيه في مواجهه او اعطاء ذريعه لاسرائيل للانجرار الى مواجهه اخرى، على الاقل في الاسابيع و الاشهر القليلة القادمه. السبب الثاني يتعلق بعدم توفر الرغبة الاسرائيلية، وعدم توفر حاجه ملحه اسرائيلية لشن عدوان جديد على غزة. ليس هناك ضغط على نتنياهو او الحكومة الاسرائيلية نتيجة توتر الاوضاع على غزة كما حدث في المرات الثلاث السابقة.
لا توجد معارضة حقيقية للحكومة الاسرائيلية تنتقدها و تهاجمها و تدفعها باتجاه التصعيد كما حدث في السابق، سيما ان كل القوى المتطرفه تشارك في الحكومة و تشارك في اتخاذ القرار ، لا احد يزايد عليهم من الخارج و ليسوا بحاجه لاثبات تطرفهم و عدوانهم. لا يشعر اصحاب القرار في اسرائيل ان حرب جديده على غزة قد تستطيع ان تحقق لهم ما لم يتم تحقيقه في العدوان الاخير. اضافه الى ذلك هم سعداء جدا في استمرار الانقسام الفلسطيني الذي يجب رعايته من الناحيه الاسرائيلية بكل الطرق و الوسائل الممكنه باعتباره مصلحه اسرائيلية عليا .
و من وجهة النظر الاسرائيلية يجب ان يمنح وسام شرف اسرائيلي من الدرجة العليا لكل جهه او شخص يساهم في ادامته . خلاصة القول ان الاستعدادات متواصله سواء من جانب الفصائل الفلسطينية و على رأسها حماس، او من الجانب الاسرائيلي ، ولكن الطريق ما زالت طويله الا اذا حدث امر استثنائي خارج عن رغبة و حسابات الاطراف المختلفه.
Dr.sufianz@gmail.com