نجحت المساعي الاستعمارية الغربية بالتعاون مع الحركة الصهيونية بالوصول للحظة الحماس الشديد حين اجتمعت الأمم المتحدة الفائزة بالحرب الأوربية (المسماة العالمية) الثانية لتقرر تقسيم فلسطين عام 1947م الى دولة للسكان من اليهود الديانة، وأخرى للمواطنين الأصليين أي العرب الفلسطينيين.
وهنا يعلن "أرثر بلفور" و"تشرشل" والرئيس الامريكي "نلسون" وزُمرهم انتصارهم بإبعاد مواطنيهم اليهود النهائي عن بلادهم، كما تنتصر النازية بإبعاد كامل مواطنيهم اليهود عن ألمانيا موطنهم في أوربا. وتنجح الرواية الأسطورية التي استغلتها الحركة الصهيونية لحث يهود قوميات العالم المختلفة بالهجرة الى فلسطين بعد أن تعبت الحركة الصهيونية في مؤتمراتها العديدة من نقاش البدائل ما بين الارجنتين وكينيا وليبيا وسيناء....وفلسطين الخ
خرجت القوات البريطانية الاستعمارية الغازية من فلسطين بعد تمكينها الحركة الصهيونية من جميع مقدرات البلاد بالتزام حديدي لهذه القوة الاستعمارية. فخلال الأعوام الثلاثين البائسة قامت الحكومة الإنجليزية بكل ما تملك من استباحة وطننا فلسطين وتمليكه لليهود سياسيا وعسكريا وإداريا واستخباريا بحيث ان الوصول الى النكبة بمذابحها كان متوقعا وتحصيل حاصل مع حالة التمكين الصهيونية من قبل الاستعمار.
سعت الصهيونية لإقناع يهود القوميات المختلفة بالعالم بأنهم "شعب" واحد وبأنهم وحسب الوعد المقدس لهم "وطن"! وكان لهذا التزييف التاريخي أن أعطى مفاعيله بالإضافة لحقيقة العقلية الغربية الطاردة لليهود (اللاسامية) فتعاونت السامية مع اللاسامية (مع تحفظنا على المصطلح) لإبعاد يهود أوربا وغيرها عن موطنهم في سياق سردية مخادعة وأسطورية سواء للمسيحية الصهيونية، أو للتيار الديني اليهودي. أو للصهيونية العلمانية التي تغطت بانتهازية "قومية" بعباءة أوهام التوراة.
منذ الكلمة الأولى فيما سمي اعلان الاستقلال لدولة "إسرائيل" نطقت الرواية المخادعة بعودة اليهود الى "وطنهم"! والمنتصر متى ما كان قد فعلها بموافقة كافة الدول المنتصرة بالحرب له ان يسرد ما يشاء، ولكن التاريخ الحقيقي يبقى عصياً على الخداع.
عندما خط فلاديمير جابوتنسكي ملك التطرف الصهيوني وصاحب فكرة طرد العرب كتابه الأول كان يدور في باله وضع أسس أخلاقية للقتل والطرد والسلب!؟ فشّرع قضية سرقة أرض الآخرين، لاسيما لمن لديهم أراضي شاسعة كالعرب حسب وصفه، ثم قرر أن استحلال ارضهم لا يتأتى الا بالقوة وهو ما كان.
ولما كان سعي الحركة الصهيونية هو لإقناع اليهود من قوميات العالم بروايتهم المقدسة فإن مطلب الاعتراف العالمي والقوة كانتا لصيقة بكل الحراك وجاء إعلان دولة الكيان مشتملًا على هذه الأبعاد.
بعد أربعين عامًا لم يكن بخافٍ على قيادة الثورة الفلسطينية في العام 1988 أن إعلان الدولة العبرية كان يجتر روايات مهملة وذات تفاسير مختلفة مستلّة من أساطير التوراة التاريخية التي لا تعد ولا بأي شكل كتابًا تاريخيًا. ولكنها والقوة والغزو والخداع استغلت مع المذابح النازية والفاشية لجعل فلسطين وكأنها وطن ممن لا وطن لهم بحسب فهمهم!
الإعلان الصهيوني المسمى إعلان الاستقلال في 15 أيار1948م رفضه اعلان الاستقلال الفلسطيني من قبل المؤتمر الفلسطيني في غزة بذات العام ي عام 1948م إثر النكبة.
الاعلانان عام 1948م ما بين الصهيوني، والعربي الفلسطيني عندهما وقفت الأطراف داعمة للأول ورافضة للثاني. فتعلمت الثورة الفلسطينية الدرس أن تخط رسالتها وتكرّس رواية فلسطين بكل الأشكال والأبعاد، وبعيدًا عن أصابع العرب المشتعلة ضد فلسطين. فكان إعلان الاستقلال عام 1988 ومن الجزائر استثمارًا للانتفاضة المباركة من جهة، وإعلام للعالم أن دولة فلسطين قائمة وتنتظر الاستقلال.
الفكر الفلسطيني العملي كان يفهم جدوى وأهمية اعلان الاستقلال لدولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني منذ الأزل، وكي لا يكون الإعلان الإسرائيلي فقط ما يعلق بالأذهان وكأن فلسطين المستقلة انتهت. كما يأتي إعلاننا أيضًا استنادا لقرار التقسيم ذاته الذي قرن الدولة اليهودية ونشوئها على أرض فلسطين حكما بقيام الدولة العربية الفلسطينية.
لقد كتبت باختصار عن أهمية اعلان الاستقلال العربي الفلسطيني في وسائل التواصل الاجتماعي وإثر مقابلة رائية وإذاعية أن اعلان الاستقلال لدولة فلسطين-15/11/1988م-الجزائر، يعد
1-استثمار سياسي ذكي للانتفاضة المباركة.(1987-1993م)
2-مضاد لما سمي إعلان الاستقلال الاسرائيلي 1948
3-تثبيت للرواية التي سردها الرئيس عرفات عام 1974م بالأمم المتحدة وفتح بها باب الاعتراف العالمي بفلسطين
4-المضمون: جهد جماعي سياسي ثقافي أدبي
5-مدخل لقطع الطريق على عبث الانظمة العربية، وتدخلاتها كما فعلت بإعلان الاستقلال الأول 1948م في غزة.
6-تتابعت الجهود (العسكرية والميدانية والسياسية....الخ) بإعلان فلسطين دولة عضو مراقب في الأمم المتحدة بجهود الرئيس أبومازن عام 2012
7-النضال مستمر، والفلسطينيون لا ينسون، والنصر قادم.
لم يكن الاعلان الأول عام 1948 من قبل الحاج أمين الحسيني الا تطبيقًا لمطالب الثورات والأحزاب والقوى الفلسطينية المختلفة في فلسطين من الحكومة البريطانية، وهو ما دأبت على ترداده الأدبيات آنذاك والتي رفضت الهجرة اليهودية، وعصابات الإرهاب الصهيونية، وعملية الاستعمار والطرد والاحلال. ولكن اليد الغليظة صدمت الحاج أمين الحسيني بطل الإعلان الأول وأبقت الإعلان حبرًا على ورق، ليأتي اعلان ياسر عرفات عام 1988م ليتحول من الورق وعبر شلال الدم والعرق والجهد الى منصة الأمم المتحدة دولة بعضوية مراقبة تنتظر نظرة أوسع من الأمة العربية والعالم الحر لتكون في مقدمة الدول المتقدمة. ولن ينطفئ الأمل بالدولة المستقلة سواء على المتاح من الأرض، ثم لاحقًا على الدولة الديمقراطية في كل فلسطين.
رغم مساهمة بن غوريون الفاعلة في العصابات الإرهابية الصهيونية ثم اعلان استقلاله، الا أنه كان يبحث في أواخر حياته عن حل لسرقة أراضي الغير، أي أرض فلسطين، متتبعًا ومتشككًا بالرواية التوراتية التي رآها من 2000 عام مضت، ولاقيمة قانونية لها أو أخلاقية ما أدى لاحتلال أرض الغير، وكأنه كان يبحث عن مخرج أخلاقي من أزمته كما كان يحاول قبله جابوتنسكي.
وهو ما يحاول الكيان الصهيوني اليوم بيمينه المتشدد ويمينه الإرهابي ويمينه المتطرف أن يفعله ولكن بشكل عكسي أي بالإغراق في عنصريته وأوهامه التوراتية وإرهابه وتطرفه بادعاء امتلاك الأرض كلها، ومن عليها الذين يمكنهم أن يعيشوا فقط كأجانب على حد قول نتنياهو أوفليطردوا وهو أفضل!